كلما رأيتها أتذكر الكلمات الأخيرة للأديب السوري حنا مينة “منذ أن أبصرت عيناي النور وأنا منذور للشقاء”. الفنانة المصرية حورية فرغلي، أيقونة في الشقاء والألم بطريقة ربما لا تخطر على بال البعض.
فتاة أحلام للكثيرين صارت تخشى النظر في المرآة، تتحاشى الاختلاط بالناس، ويتحاشاها الجميع، حتى هؤلاء الذين كانت حياتها تضج بوجودهم قبلاً.. خاصمتها الحياة فخاصموها جميعاً، دفعتني دموعها في مكالمتها الأخيرة عبر أحد البرامج الفضائية المصرية للاقتراب منها أكثر فباغتتني الحقيقة المفزعة.. تلك فتاة لم تعرف الراحة بحياتها!
الممثل شكل أم أداء؟
حين اختلف شكل الممثلة رينيه زيلويغر بناء على فعل متعمد منها هو عمليات التجميل، لم يتوقف عملها، نالت هجوماً لأن الشكل الجديد لم يعجب أحداً، لكنها أخبرت الجميع أنه يعجبها وأنها ستواصل عملها بالشكل الذي يرضيها، لكن في مصر حين يتغير شكل الممثل لأي سبب تنتهي حياته، سواء كان التغير بإرادته أو رغماً عنه.
رينيه زيلويغر
حدث هذا من قبل مع الفنانة الكوميدية عائشة الكيلاني، حين تغير شكلها بسبب كورتيزون تناولته وبعض التصليحات بأسنانها، فقدت على إثرها النحافة والأسنان المدببة، صحيح أن شكلها تغير للأجمل حسب المقاييس الشائعة، لكنها بقيت بلا عمل حيث لم يتقبلها أحد، الأمر ذاته تكرر مع الفنانة حورية فرغلي عقب تعرضها لحادث سقوط حصان فوقها قبل عدة سنوات فقدت على إثره هيكل أنفها، ففقدت كل الأدوار الممكنة وغير الممكنة التي من الممكن أن تقوم بأدائها، فيما تواصل عدد غير قليل من الممثلات اللائي يتمتعن بمظهر جميل وأداء ضعيف جداً العمل، فقط لأنهن يحتفظن بشكل مقبول لدى المنتجين والجمهور، ما جعل أمنية فنانة مثل حورية فرغلي بعضاً من القبول، أمنية تلخصها بقولها “أنا بس نفسي الناس تقبلني، مش عاوزاهم يفرقوا بين شكلي زمان وشكلي دلوقتي”.
عائشة الكيلاني
الأبيض لا يليق بها
حين رأيت عرض الأزياء الذي شاركت به عام 2015 كعارضة، شعرت أن هناك خطباً ما بهذه الفتاة، كانت تلك هي المرة الأولى التي ترتدي فيها حورية فستان الزفاف الأبيض، كانت رائعة، وكان الفستان الأكثر رقة من بين الفساتين التي رأيتها في حياتي، لكن أياً منهما لم يكن يليق بالآخر، فلا هي استطاعت الوقوف داخله ولا الفستان سمح لها أن ترتديه وتنطلق.. الأبيض لا يليق بحورية فرغلي يخاصمها ويعاندها ويدفعها بعيداً عنه، رغم مساعدة الجميع لها كي تكمل عرضها بنجاح، كان هناك شيء ما يكبلها، ويمنعها من الحركة، شيء خفي أفسد سعادتها الواضحة جداً بفستان الزفاف، ودعوتها لمن حولها أن يزغردوا، ابتسامتها القلقة، كانت تعلم أن العرض لن يكتمل، وهو ما كان بالفعل.
https://youtu.be/q1IC3OhSJVQ
عداء الفستان الأبيض لحورية بدأ قبل 19 عاماً من الآن، تحديداً في العام 2002 حين كانت حورية على وشك الزواج من شاب يحبها بشدة، لكنه توفي قبيل زفافهما بيوم واحد فقط، لم يكن مجرد فتى أحلام للشابة الجميلة الحائزة على لقب ملكة جمال مصر في ذلك العام، فحورية لم تعرف الحب الحقيقي في حياتها، تقول حورية “أنا من أسرة مفككة، عمري ما شوفت أبويا وأمي مع بعض، من زمان كل واحد في ناحية، أخدت حنية الأم فقط مش الأب، الراجل مش حاجة مهمة في حياتي، كبرت إن مفيش راجل في حياتي!”.
تعترف الشابة بأنها كانت تحب حب خطيبها لها، سؤاله عنه، اهتمامه بتفاصيل حياتها، عنايته بها، ربما هذا كل ما كانت تحتاجه في ذلك التوقيت، لكنه لم يكن مقدراً له، حيث توفي في حادث سيارة لتنتهي قصتهما عند ذلك الحد.
ألقى لها خطيبها الدبلة
لم تتوقف حورية فرغلي كثيراً عند محطات الحزن في حياتها، حاولت الفتاة الجميلة أن تتخطى الحزن، وأن تجد نفسها بطريقة مختلفة فسعت باتجاه شغف مختلف هو مجال التمثيل، وجاء دورها الأول مختلفاً وصادماً بالوقت ذاته، حين شاهد خطيبها الثاني دورها في العرض الخاص لفيلم “كلمني شكراً” لم يضعها في اختيار بينه وبين التمثيل، فقط أعطاها الدبلة في يدها ورحل ببساطة “ما ادانيش فرصة، سابني عشان مشهد الكومبيوتر، حسيت إنه باعني بمنتهى السهولة بدون كلام، للدرجة دي رخيصة وسهلة إنك تسيبني، طيب خيرني!”.
المشهد الذي لم يكن موجوداً في السيناريو الأصلي، جسدته حورية عقب ارتباكها خلال التصوير، تقول عنه “ظُلمت بسبب هذا المشهد على المستوى الفني والإنساني، وقررت من بعدها عدم تقديم مثل هذه المشاهد مرة أخرى، وأنني لن أخلع ملابسي بهذا الشكل، وحاولت أن أغير نظرة الجمهور لي في الأعمال الأخرى التي شاركت بها”، منحت حورية نفسها فرصة ثانية وانطلقت بقوة في عالم التمثيل لتثبت تمكنها واجتهادها، لكن الحياة لم تمنحها الفرصة.
ثرية جداً وتعيسة جداً
البعض لا ينعم بالفرح خالصاً، الشابة التي ولدت لأسرة ميسورة في 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 1977 لم تنعم بالاستقرار الأسري أبداً، كما لم تنجح أموالها الطائلة في إسعادها ولو لحظة، بالتأكيد، آخر ما تقلق حورية بشأنه هو المال، حياتها مقسمة بين مصر وإنجلترا، تقول في حوار سابق لها مع مجلة سيدتي “أكثر بلد أسافر إليه لندن، لديّ مزرعة خيل وهي عمل ثان لي هناك. كما أني عضو باتحاد الفروسية في لندن، لدي خيول غالية جداً ويبلغ ثمن الحصان مليون جنيه إسترليني”، لا ترتدي حورية الفستان ذاته مرتين، ولا تبدو بحاجة إلى المال أبداً، حين تم تجاهلها في البانرات الخاصة بمسلسل دكتور أمراض نسا، قامت بعمل بانرات خاصة بها على نفقتها الخاصة عام 2014، وحين أحبطتها طريقة تعامل الشركة المنتجة لـ “إمبراطورية مين” ردت إليهم أموالهم، ولا يعلم البعض أن حورية لم تتقاضَ مقابلاً عن أدوارها في أعمال مثل “عبده موتة” و”قلب الأسد” و”سالم أبو أخته”.
تنازلات عديدة قدمتها لأجل احترام نفسها بالمقام الأول بما في ذلك التنازل عن لقبها كملكة جمال مصر حين تردد أن وراء فوزها شخصيات كبرى، تركت اللقب لوصيفتها قانعة أنها الأجمل، وهو أمر لا يحتاج إلى شهادة بذلك.
قدرها المرض
“أمامك عشر سنوات للزواج والإنجاب وإلا سنقوم باستئصال الرحم” هكذا أخبرها طبيب الأورام قبل 15 عاماً حيث ورثت حورية بالإضافة إلى الأموال أوراماً بالرحم، أصابت شقيقتها من والدها، وأصابتها أيضاً، ولم تنجح خلال تلك الفترة في العثور على شريك حياة مناسب لتستأصل الرحم بالنهاية وتفقد أملها بالكامل في الإنجاب، لتبدأ المأساة الحقيقية لاحقاً.
حورية التي وجدت ضالتها بالتمثيل وانطلقت لتؤدي أدوارها كغول تمثيل، درست مجال شغفها بتعمق وتعمدت الاختلاف، تارة راقصة وتارة فتاة أرستقراطية، وتارة صعيدية في مسلسلها “ساحرة الجنوب” الذي اختصره البعض وراح يدعوه “روح” على اسمها بدلاً من اسمه الحقيقي.
لكن هذ كله انتهى قبل عدة سنوات حين سقطت ومن فوقها حصان لتبدأ معاناة استمرت لسنوات مع عمليات تجميل لتصليح أنفها المكسور، وانتهت بشكل مأساوي.
بكاء على الهواء
مقدمة حزينة للغاية مهدت بها المذيعة إيمان الحصري لمكالمتها مع حورية فرغلي، التي ظهرت عبر الهاتف لتقول بصوت متأثر جداً “أنا بقالي 10 شهور محبوسة في أوضة نومي، ما ببصش في المرايا بقالي 3 سنين، كل الناس بتقول بسبب عمليات التجميل، الموضوع أكبر من كده بكتير، أنا مابعرفش أنا باكل إيه، فقدت الشم والتذوق، لو فيه حريقة مش هاحس، مش هاشم ريحة شياط، محدش بيسأل عليا غير رانيا محمود يس وأخويا”.
وواصلت “الناس اللي كانت بتشتغل معايا بالـ 10 والـ15 سنة محدش بيسأل بأي حاجة، أي خير عملته ما اتردش ليا، قد كدا الناس وحشة لما كنت كويسة كنتوا حواليا، إنتو ما كنتوش بتحبوني أنا كنتوا بتحبوا حاجة تانية فيا، في بداية السنة الجديدة أخويا بس اللي كلمني”.
لم يشفع لحورية 38 عملاً قدمتها في 7 سنوات، حرارتها التي بلغت 40 خلال تصوير ساحرة الجنوب ولم ترغب في الراحة إلا عقب التصوير “أنا مش متجوزة ولا مخطوبة، فقدت الثقة في نفسي كست وكممثلة، محدش بيقدر شغلي، صعبان عليا نفسي، الوقت بيعدي الواحد بيكبر مش بيصغر، أنا عمري 44 سنة”.
اختبار قوي
بدا ألم النكران والجحود أقوى من ألم العمليات، حيث قالت حورية باكية “لما كنت في المجال وساحرة الجنوب مكسر الدنيا ومكملة في أفلامي ومسلسلاتي الكل كان بيسأل عني، لكن بعد العملية الأخيرة وفي مسلسل مملكة الغجر لاقيت تعليقات مرعبة، اقعدي في بيتك انتي بقيتي شبه مايكل جاكسون، ما تقرفيناش بشكلك، بقيتي مسخ دميم”، لتقرر من بعدها أنها لن تواصل العمل ولا تخرج من غرفتها، لكن هذا لم يبد مؤثراً في أحد سواها.
أرادت أن تعود أفضل لتبهر الجميع، لكن أملها الوحيد المعلق على طبيب جراحة أمريكي شهير توقف مع حلول جائحة كورونا: “السفارة قافلة بقالها كتير ومش عارفة هتفتح إمتى”، جائحة ضربتها بمقتل “أمي بعيد عني، أخويا طيار بشوفه على فترات بعيدة، أنا لوحدي مع كلابي، أهلي بعيد عن بعض عشان ما نعديش بعض”.
اختبار بدا قاسياً للدرجة التي راحت معها تردد “الحب محدش بيشتريه، الاهتمام محدش بيشتريه، الناس ما كانتش بتحبني لنفسي، اللي حصل كان درس قاسي جداً، اتعلمت منه كتير”.
ثمة أمل
تعيش حورية فرغلي الآن بانتظار افتتاح السفارة الأمريكية بالقاهرة، كي تستكمل إجراءات سفرها إلى الولايات المتحدة من أجل إجراء عملية جراحية منتظرة، يمكن أن تعيدها سيرتها الأولى، وحتى ذلك الوقت فهي تقاوم بالظهور وحكي ما جرى لها، تقاوم بالتعبير عن غضبها وضيقها.
كانت دموع حورية سبباً في لفت الأنظار إلى أزمة أكبر من مجرد وعكة صحية مرت بها الشابة، تتعلق بالنكران والجحود والوحدة لمن لم يعد يملك الظهور.
كانت البداية مع الفنانة هنا الزاهد التي وصفتها بـ”الجميلة من الداخل والخارج” لم يكن هذا هو الشكل الوحيد للدعم، فقد أعلنت إدارة مهرجان أوسكار لتكريم المبدعين العرب برئاسة مهند الغزاوي إهداء الفنانة حورية فرغلي تكريماً خاصاً في الدورة الرابعة من المهرجان الذي يقام يوم الجمعة الموافق 15 يناير/كانون الثاني، بينما يبدو أمل حورية نفسها كبيراً أن تعود بعد عملية جراحية منتظرة بالولايات المتحدة الأمريكية ترمم أنفها وتعيده –بحسب طبيبها- أفضل مما كان من قبل، لكن هذه العودة إن قدر لها النجاح، كما أتمنى لها، فسوف تكون مختلفة وفارقة من حيث الأداء والجودة في التمثيل.