بعد أقل من شهر على افتتاح أول قسم من نوعه للعلوم التربوية الإسلامية على مستوى أوروبا في جامعة فيينا، تنهال الطلبات على مسئولي القسم للدراسة فيه خاصة من الفتيات المسلمات.
وبعد مساع حثيثة استمرت لسنوات، نجح مسلمو النمسا في أن يكون لهم قسم للعلوم التربوية الإسلامية، بجامعة فيينا، بهدف توفير الكوادر المؤهلة لتدريس مادة الدين الإسلامي بالمدارس الثانوية في البلاد.
ورحبت قيادات إسلامية بهذه الخطوة “غير المسبوقة” بأوروبا والتي لم تجد ممانعة من جانب الحكومة النمساوية حيث لا يوجد كليات متخصصة في التربية الإسلامية.
وفي جلسة تعريف بالقسم الجديد الذي وضع مناهجه مسلمون متخصصون، قال عدنان أصلان المشرف عليه: “إن وزارة التعليم النمساوية وافقت على إنشاء قسم للتربية الإسلامية تابع للمعهد التربوي في جامعة فيينا بعد مساع حثيثة بذلت على مدار ثلاث سنوات”.
وتوقع أصلان أن يشهد القسم إقبالا كبيرا من الطلبة المسلمين مع افتتاحه بصورة كاملة في سبتمبر 2007، مشيرا إلى أن عدد الطلبة المقيدين حاليا بالقسم منذ افتتاحه جزئيا قبل نحو شهر يبلغ 25 طالبا، وقد يصل عددهم إلى 70 طالبا بحلول الفصل الدراسي المقبل.
وأوضح قائلا: “إن عددا كبيرا من الطلبات انهالت بالفعل على إدارة القسم للانخراط في خطته التدريسية، أغلبهم من الفتيات المسلمات للحصول على درجة تربوية أكاديمية تؤهلهن للعمل في مجال التدريس”.
نموذج لأوروبا
ولفت أصلان إلى أن الاسم الرسمي للقسم الجديد هو وحدة بحث العلوم التربوية الإسلامية، وقال: “نهتم من خلالها بتأهيل المدرسين لتدريس مادة التربية الإسلامية مع فتح المجال للبحث العلمي الأكاديمي، وذلك يعد نموذجا لأوروبا والعالم الإسلامي؛ حيث لا يوجد كليات متخصصة في التربية الإسلامية؛ بل كليات دينية فقط”.
غير أن المشرف على القسم الجديد لفت إلى أن هناك تعاونا قائما بين القسم وبين الكليات المتشابهة، مثل كليتي الدراسات الكاثوليكية والبروتستانتية التابعتين لجامعة فيينا أيضا.
وعلى المدى البعيد، سيهدف القسم الجديد بحسب أصلان إلى أن يتفهم المجتمع الأوروبي الإسلام ويتفهم المسلمون المجتمع، ويبحث سبل إنجاح الحوارات متعددة الأديان التي تؤهل الطلبة للتعاون والقدرة على الحوار، وسيخصص للطلبة جزء عملي يتمثل في العمل داخل المساجد والتدرب على إدارتها ومعرفة متطلباتها وجعلها أكثر حداثة.
تأهيل المدرسين
ومن جانبه قال مهند خورشيد، أحد أعضاء هيئة التدريس بالقسم الجديد: إن من شأن هذا القسم أن “يؤهل مدرسي ومدرسات الدين الإسلامي بمراحل التعليم الإلزامي في المدارس النمساوية، للحصول على درجة أكاديمية تمهد الطريق لتخريج طاقم متخصص من المدرسين للمدارس الثانوية؛ لأن أبناءنا هم مستقبل الإسلام في النمسا وأوروبا”.
وأَضاف خورشيد لإسلام أون لاين.نت: “إن المسلمين هم الذين وضعوا أسس هذا القسم وخططوا برنامجه التدريسي، وأيضا هم من يديرونه، لذلك يشكل مسئولية ضخمة لن يتم التمكن من الوفاء بها إلا من خلال تكاتف الجميع لإنجاح هذا المشروع الطموح”.
وكان المسئولون بالهيئة الدينية الإسلامية (الممثل الرسمي للمسلمين بالنمسا) قد التقوا مع مسئولي التعليم ومجلس رئاسة جامعة فيينا قبل سنوات لبحث سبل تمويل المشروع وعرض البرنامج الدراسي.
ثمرة مفاوضات
وتعليقا على إنشاء القسم الجديد، قال إنس شقفة، رئيس الهيئة الدينية: “هذا حدث هام لكل أوروبا ويحلم كثير من المسلمين في هذه القارة بتحقيقه على أرض الواقع.. فرغم أن المسلمين في دول أوروبية عديدة لهم وجود كثيف إلا أنهم بعيدون عن هذه الخطوة”.
وأضاف في تصريحات خاصة لإسلام أون لاين.نت: “نحن أمام أمر جديد وغير مسبوق بأوروبا يتمثل في السماح للمسلمين بفتح أبواب الجامعات والوقوف كمعلمين ولهم قسم خاص، ونحن نفخر بذلك في الهيئة الدينية”.
ولفت شقفة إلى أن افتتاح القسم الجديد هو ثمرة مفاوضات مباشرة أجرتها الهيئة الدينية مع جامعة فيينا، لتوفير عناصر أكاديمية مكملة لبرنامج الأكاديمية الإسلامية بالنمسا منذ عام 1998.
وتعنى الأكاديمية بتأهيل مدرسي الدين الإسلامي لمدارس مراحل التعليم الإلزامي فقط، أما المدارس الثانوية فتشترط اللوائح التعليمية بالنمسا أن يكون المدرس حاصلا على مؤهل جامعي، وهو ما يوفره القسم الجديد.
ويبلغ أعضاء هيئة التدريس بالقسم حتى الآن أربعة أفراد يرأسهم عدنان أصلان ويليه مهند خورشيد وسيدتان من خريجات الأكاديمية الإسلامية التربوية بفيينا.
وشدد شقفة على أن افتتاح أول قسم للعلوم التربوية الإسلامية هو خطوة أولى تتبعها خطوات في سبيل الارتقاء بمستوى التعليم الإسلامي بالنمسا.
أما الخطوة القادمة بعد تأسيس قسم فهي العمل على تأسيس كلية للدراسات الإسلامية، وقد تم بالفعل قطع شوط كبير في هذا الاتجاه.
ومن المقرر أن يتم العمل بالقسم الجديد بكامل طاقته اعتبارا من الفصل الدراسي الشتوي في سبتمبر 2007، على أن يحصل الخريج على درجة الماجستير التربوي في العلوم الإسلامية.
البرنامج الدراسي
ويشتمل برنامج الدراسة بقسم العلوم التربوية الإسلامية التابع لجامعة فيينا على مجموعة متخصصة من المواد البحثية تهدف إلى إلمام الطالب بالعلوم الإسلامية والتربوية، ويشترط للقبول بالقسم أن يكون الطالب على دراية باللغة العربية والقرآن والفقه.
ومن بين المواد المطروحة داخل القسم: مادة “القرآن وأسلوب فكر الرسول”، وهو المسمى الذي اعتبره القائمون على القسم رؤية لنوعية متطورة من التعليم التربوي الإسلامي، حيث لا يرغب في التأطير لدراسة كلاسيكية.
كما يحصل الطالب على ساعات دراسية في علوم العقيدة والإسلام في الحياة اليومية، وعن الإسلام والأخلاق والتصوف، إلى جانب الدراسات الإنسانية وفلسفة الدين ودراسات فلسفية، وعلم الاجتماع الديني وعلم النفس الديني.
وستخصص مادة للتعرف على التاريخ الأوروبي ومادة بحثية في الأديان الأخرى.
وكمرحلة أولى في عمل القسم سيتم استقبال خريجي الأكاديمية الإسلامية، إلى جانب طلبة وخريجي الكليات والمعاهد المعادلة من داخل أوروبا وخارجها، ويستكمل الطالب خلال الدراسة التي تستغرق أربعة فصول دراسية (سنتين) حلقة العلوم الشرعية والتربوية بصورة متطورة تسمح بتأهيل علماء في مجالهم.