ثيمبا كابيكا وكارليتو فالي، صديقان من موزمبيق أرادا الهرب من واقع فقير وحياة قاسية عاشاها في بلدهما، والسفر إلى بريطانيا خلسةً عبر جوهانسبرغ الجنوب إفريقية مختبئَين في عجلة الطائرة، فنجا أحدهما بأعجوبة وهوى الآخر من ارتفاع 1524 متراً وفارق الحياة في ميتة مروعة.
ظل كابيكا فاقداً للوعي في المستشفى 6 أشهر، بعد أن تم اكتشافه على المدرج في مطار هيثرو في لندن. وبعد أن استفاق من غيبوبته، أخبره الأطباء أن صديقه كارليتو فالي الذي خرج معه في رحلة الهروب من موزمبيق، قد فارق الحياة.
أخبر كابيكا، البالغ من العمر 30 عاماً، صحيفة The Guardian، بأنه كان يعتقد أن الأمر يستحق المجازفة، بسبب وضعه وحياته الصعبة، وأنه كان الخيار الوحيد بالنسبة له.
رحلة من أجل الحياة
لم يُعرف الكثير عن كابيكا، المعروف حالياً باسم جستن، حتى تعقَّبه منتج القناة البريطانية الرابعة ريتش بنتلي إلى شقته في مدينة ليفربول، لتصوير فيلم وثائقي حمل اسم “الرجل الذي سقط من السماء”.
بدأت قصة كابيكا عندما التقى فالي بملهى ليلي في جوهانسبرغ وخططوا لرحلتهما غير الشرعية إلى بريطانيا. كان فالي طفل شارع مشرداً، نشأ في دار للأيتام بعد الحرب الأهلية في موزمبيق. ثم ابتعد عن زوجته وابنته وحلم بحياة أفضل في الخارج.
أما كابيكا، الذي لم يعرف والده قط وتخلَّت عنه والدته عندما كان يبلغ من العمر 3 أشهر، فكان يعيش منذ سن السابعة في مخيم بالقرب من مطار جوهانسبرغ في جو من العنف وحرب العصابات التي تركته محطَّماً عاطفياً.
كما أنه اضطر إلى التسول للحصول على المال والطعام. يقول كابيكا لصحيفة Daily Mail البريطانية: “كانت حياتي ستضيع، من الصعب جداً أن تكون بلا مأوى. حاولت بناء نفسي ولكن الأمر كان صعباً للغاية “.
في هذه المرحلة التقى كابيكا، فالي في نادٍ ليلي. وبعد أن سمع قصة فالي عرض عليه أن يأتي ويعيش معه في المخيم ثم أصبحا صديقين مقربين.
أما فكرة الهروب فقد خطرت في بال كابيكا بعد النظر في مجموعة فالي للكتب الهندسية التي تضمنت واحداً عن الطائرات، والذي اكتشف فيه طريقة تساعده على الصعود على الطائرة بشكل سري.
اختيار الخطوط البريطانية كان صدفة
وضع الصديقان فالي وكابيكا خطتهما للوصول إلى المملكة المتحدة حيز التنفيذ في 18 يونيو/حزيران 2015، عندما تسلقا السياج المحيط بالمطار الدولي في جوهانسبرغ. ولأن المطار كان خاضعاً للحراسة، قفزا من فوق السياج عندما حل الظلام. وقاما بارتداء ملابس سوداء؛ كي لا يراهم أحد. بعد تجاوزهما السياج، اختبآ لمدة 15 دقيقة حتى اكتشفا طائرة جاهزة للإقلاع.
اختارا الخطوط الجوية البريطانية، لأنهما تعرفا على لونها. وصرح كابيكا بأنهما تعمدا تجنُّب الطائرات الأمريكية، لأنهما لم يرغبا في التحليق فوق مساحات شاسعة من المياه. كانت المرة الأولى التي يصعد أي منهما فيها على متن طائرة، وكان عليهما أن يجبرا أنفسهما على الانضغاط داخل العجلة.
وقد تم الاشتباه في أن الصديقين تلقيا مساعدة داخلية من عامل بمطار جوهانسبرج، لكن كابيكا أصر على أنهما فعلا ذلك بمفردهما بلا أي مساعدة.
ميتة مروعة والكابلات تنقذ حياة كابيكا
أخبر كابيكا صحيفة The Guardian، بأنه لم يكن بعيداً عن المحرك وكان يشعر به في الخارج عندما كان يدور. كما أنه أصيب بحروق بعد لفِّ ذراعيه حول الأسلاك للتشبث بها. لا يزال كابيكا يتذكر الكلمات الأخيرة التي قالها له صديقه فالي، “لقد نجحنا” عندما اقتربا من الوصول، ثم فقد كابيكا الوعي، بسبب نقص الأكسجين ودرجة الحرارة التي بلغت 60 درجة مئوية.
كانت الكابلات هي التي أنقذت حياة كابيكا، حيث تمكن من البقاء على متن الطائرة خلال رحلة بلغ طولها 5600 ميل، بينما سقط صديقه على الأرض من ارتفاع 5 آلاف قدم، عندما تم فتح معدات الهبوط، ليلقى حتفه. آخر شيء يتذكره كابيكا هو أنه كان مستلقياً على مدرج المطار في مطار هيثرو، شبه واعٍ وساقه ممزقة.
بعد الهبوط
قال كابيكا، الذي لا يزال يستخدم عكازين بسبب الإصابات التي لحقت به عندما سقط، لموقع Daily Mail: “الشيء الذي جعلني أستيقظ هو الطريقة التي ارتطمتُ بها على المدرج”. كنت أسأل نفسي: (كيف نزلت من الطائرة؟!)، كان بإمكاني رؤية الحراس الذين حملوني وفقدت الوعي مرة أخرى. استيقظت في المستشفى بعد أن دخلت في غيبوبة لمدة ستة أشهر”.
يعتقد الأطباء أن كابيكا نجا، لأن درجات الحرارة المنخفضة بعد ارتطامه في أرض المطار وحتى اكتشافه أبقته في حالة تدعى بـ”suspended animation”. مع انخفاض درجة حرارة الجسم الأساسية، يتم وضع القلب والدماغ والأعضاء الأخرى في “وضع الاستعداد”، حيث لا تتطلب القدر نفسه من الأكسجين، مما يحد من تلف الخلايا والأعضاء.
تقدَّم كابيكا، الذي اتخذ من جستن اسماً جديداً له، بطلب للحصول على اللجوء؛ للبقاء في المملكة المتحدة، وحصل على إذن بالبقاء ويعيش الآن في شقة بغرفة نوم واحدة في ليفربول، ولا يستطيع العمل بسبب إصابته. كما أنه ينتظر الحصول على جواز سفره، ليستطيع السفر، ولكن هذه المرة كمسافر شرعي داخل الطائرة وليس خارجها.