تتزايد مخاوف الأسر اللاجئة بسبب قوانين تربية الأطفال في النمسا، التي تؤدي مخالفتها إلى انتزاع الأطفال من طرف سلطات اليوجند أمت “ Jugendamt“، إذ تعرضت العديد من الأسر اللاجئة والأجانب إلى عملية انتزاع الأطفال، أو تلقيها إنذارات بسبب “سوء التربية“.
صرامة قوانين تربية الأطفال في النمسا كشفت عنها إحصائيات وأرقام صادمة صادرة عن دائرة الإحصاء النمساوية، التي أعلنت سابقاً أن إجمالي عدد الأطفال الذين تم سحبهم من أسرهم عام 2019 بلغ الألأف ، من بينهم حوالى الثلث نمساويين والباقى أجانب ولاجئين،
“طفلي هو كل ما أملك“
كدت أن أفقد ابني بسبب خوفه من العقاب الذي لن يحدث أبداً، وبسبب صرامة قوانين تربية الأطفال في النمسا”، هكذا روت ريحان اسم مستعار ، قصة أسرتها مع الخوف من فقدان طفلها البالغ من العمر خمس سنوات، الذي أتت به إلى النمسا هرباً من الحرب التي أنهكت سوريا وأهلها، لتوفر له مستقبلاً أفضل.
بدأت تفاصيل القصة عندما افتعل طفل ريحان مشكلة مع أخيه الأكبر، وتدخل الأب لإصلاح الوضع بينهما، أثناء تناول وجبة الغذاء قبل ذهابهما إلى المدرسة، وتوعدهما بعقاب بسبب ما قاما به من مشاجرات عند العودة مساءً، مهدداً الطفلين “بالضرب”، وهو التهديد الذي حمله الطفل الأصغر إلى المربية مباشرة.
وتحكي ريحان ذات التاسعة والعشرين عاماً أن المربية فور سماعها شكاية الابن الذي تخوف من مغادرة الروضة صوب المنزل قائلاً: “لا أريد العودة، أبي هدد بضربي أنا وأخي”، بادرت بالاتصال بالسلطات المختصة (دائرة رعاية الشباب) معتبرةً أن الأمر يهدد سلامة الطفل.
تقول الأم ريحان إنه عند توجهها إلى الروضة أخبرتها المربية بما حصل، وأحالتها على إدارة اليوجند أمت من أجل معالجة الأمر، وطلبت منها الانتظار إلى أن يحضر ممثل عن السلطات المعنية من أجل إيجاد حل.
تقول الأم “شعرت بأنني فقدت ابني، لم أفهم كيف تطور الأمر من مجرد تهديد لفظي من زوجي للطفلين فقط لنهيهما عن تكرار ما قاما به، إلى تهديد بفقدان طفلي، لم أتصور أن مثل هذه الكلمات التي تعتبر عادية جداً في تربيتنا لأبنائنا في بلدنا قد تسبب لنا مشاكل من هذا الحجم هنا في النمسا بسبب قوانين تربية الأطفال في النمسا“.
تحكي الشابة ريحان قصتها مع قوانين تربية الأطفال في النمسا التي تُفرض على الوالدين لتربية أطفالهم، التي بسببها تطور حديث منزلي عابر إلى تهديد بفقدان الطفل، قبل تدخل المرشد الاجتماعي الذي تكلف بالملف.
تقول ريحان إن طفلها عاد إلى حضنها بعدما التزمت مع المرشد الاجتماعي، هذا الأخير الذي قدم لها ولزوجها أخطار تهديد الأطفال أو تعنيفهم، موضحة أن الحادثة الأولى كانت بمثابة إنذار لهم، وإن تكرر الأمر ستكون هناك عواقب وخيمة في انتظار الأسرة.
قوانين تربية الأطفال في النمسا
من حق الأطفال التمتع بتربية خالية من العنف”، هذا ما ينص عليه القانون الأساسي التمساوى منذ عام 1998، بالإضافة إلى ذلك عمدت النمسا قبل حوالي 30 عاماً إلى المصادقة على معاهدة الأمم المتحدة حول حقوق الطفل، وبذلك التزمت بضمان مصالح ورعاية الأطفال وبالعمل على حماية حقوقهم، بما يشتمل أيضاً احترام رأيهم وإتاحة مجال المشاركة لهم.
ولا يقتصر قانون نقل حضانة الأبناء إلى دائرة رعاية الشباب على المواطنين النمساويين فقط، وإنما يطبق على كل القاطنين والساكنين بالنمسا بدون استثناء ومنهم اللاجئون، الذين يجهل العديد منهم الخلفية الصحيحة لهذا القانون.
كما لا يقتصر اتخاذ هذا القرار على حالات العنف اللفظي تجاه الطفل فقط، بل إذا ما استفحل الخلاف بين الوالدين ووصل إلى الصراخ وإلى العنف اللفظي، هنا أيضاً يتم اعتبار الصحة النفسية للطفل في خطر.
واعتبرت مايسة سلامة فولف، خبيرة في مجال رعاية شؤون اللاجئين وطالبي اللجوء، أن “أمر الرعاية الخاصة بالأطفال والشباب في النمسا، انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع إقرار القانون الأساسي الجديد الذي برز فيه اهتمام خاص بالأطفال الذين فقدوا آباءهم في الحرب، ليتطور الأمر ليشمل متطلبات التربية الصحيحة والحديثة التي ترعى متطلبات الطفل الاجتماعية والنفسية“.
وأوضحت المتحدثة أن “القانون الأساسي النمساوى ينص على أن الطفل إلى غاية 18 سنة يبقى من مسؤولية الأسرة، إلا في حالة وجود خلل في التربية، إذ يمكن حينها أن تتدخل الدولة مكتب اليوجند أمت من أجل متابعة التربية الصحيحة عبر إيجاد حل مع العائلة أو توفير عائلة بديلة أو أشخاص متخصصين في المجال الاجتماعي“.
واعتبرت الخبيرة الاجتماعية أن “هناك الكثير من اللاجئين والمهاجرين الذين يجهلون القوانين النمساوية، ويعيشون رعباً بسبب سماع قصص مبالغ فيها، أو أرقام كبيرة دون فهم الحيثيات”، مؤكدة أنه “من خلال تجربتها في مجال رعاية شؤون اللاجئين والمهاجرين، التي تناهز 6 سنوات في المجال، أن الحالات التي ينتزع الأطفال من أسرهم نادرة وكان خلالها من الضرورة أخذ الطفل من أجل حمايته“.
وتعتبر الحالات القصوى التي لابد للدولة من التدخل فيها، هي الحالات التي تعرض فيها الطفل لخطر جسدي أو صحي أو نفسي، أو في حالة العجز عن تأمين حاجاته الاقتصادية، أو في حال عدم أهلية الوالدين للرعاية بسبب معاناتهم من الأمراض النفسية، أو الإدمان، أو حالات العنف المنزلي بين الزوج والزوجة.
وأوضحت الخبيرة الاجتماعية أن “إبلاغ السلطات المختصة يتم عن طريق ملاحظات المربيات في الحضانات إذا رأوا علامات عنف على الطفل، أو بسبب شكاية أحد الأقارب أو الجيران، أما في حالة المراهقين فمن الممكن أن يطلب الأهل بأنفسهم المساعدة أو المراهق بنفسه“.
وشددت سلامة على أن “الطفل لا يؤخذ بسهولة من أسرته، إذ يجب أن يكون السبب مقنعاً من أجل أن يتم سحب الطفل من أجل رعايته”، مؤكدة أن “السلطات تحاول الحفاظ على الأسرة وعدم تفككها أولاً بالمساعدة على تحقيق العيش الكريم للأسر والمساعدة على العيش بطريقة جيدة وصحية“.
وأشارت المتحدثة إلى أن الأسلم في التربية عموماً هو اعتماد مبدأ الحوار مع الطفل وأن يتحدثوا معهم كثيراً، فالبيئة التي ينمو بها طفل مهاجر في النمسا تختلف أكيد عن بلد قدومه، فكلما سمعت منه سمع منك وتأسست علاقة الحوار بينكما، مشددة على أنه لا علاقة لسحب الأطفال من والديهم وبين العرق أو الدين”.