هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي القرطبي، ولد سنة 520 هجرية في مدينة قرطبة بالأندلس في أسرة توارثت الفقه والقضاء فكان جده وأبوه من أئمة المذهب المالكي والقضاء، اشتهر بالطب والفلسفة والرياضيات والفلك، توفي سنة 1198 ميلادية.
درس ابن رشد الشريعة الإسلامية على طريقة الأشعرية وتخرج في الفقه على مذهب الإمام مالك، ودرس الفلسفة على ابن بشكوال وبعض علماء عصره، والطب على أبي جعفر هارون.
سنة 1153 ترك الأندلس إلى مراكش وقصد بلاط المؤمن ثاني أمراء الموحدين، ولكنه لم يتصل به بل اتصل بابنه السلطان ابن يعقوب يوسف الذي طلب أن يشرح له كتب أرسطو ففعل.
سنة 1169 تولى القضاء في إشبيلية ثم في قرطبة. وحين استقال ابن طفيل من طبابة الخليفة اقترح أن يخلفه ابن رشد في منصبه فتم ذلك، ولكنه لم يلبث أن عين قاضي القضاة في قرطبة.
لقي عند السلطان الجديد أبي يوسف يعقوب، الملقب بالمنصور، كل إكرام وتقدير حتى أصبح ” سلطان العقول والأفكار، لا رأي إلا رأيه، ولا قول إلا قوله” ولكن هذا التقدير أوجد له خصوما وحسادا كثرا، اتهموه بالكفر والزندقة، مما اضطر السلطان إلى مسايرة الفقهاء. فنفى ابن رشد وتلامذته إلى قرية اليسانة اليهودية بعد أن أحرق كتبهم الفلسفية التي تبحث في الطب والرياضيات ( النكبة أو المحنة سنة 1195). عفا السلطان عن ابن رشد واستقدمه إليه فأكرمه وقربه، ولكن الفيلسوف لم يهنأ بهذا العفو فأصيب بمرض لم يمهله سوى سنة واحدة.
أما أسباب هذه النكبة فمنهم من يردها إلى غضب الأمير على أبن رشد لوشاية من الحاسدين. ومنهم من يقول إن السبب الحقيقي لهذه النكبة هو موقف ابن رشد من سؤال طرح عليه في مجلسه عن ريح قيل إنها ستهب عاصفة كالريح التي أهلكت عادا وثمودا. فأجاب ابن رشد: ” عاد وثمود ليسا حقا بنظري، فكيف بالريح التي أهلكتهما؟ ” فضج المجلس من هذا الكفر، الذي يصل إلى حد إنكار ما ورد في القرآن. ولكن الأكثرية الساحقة من الباحثين تعتبر أن السلطان لم يكن مقتنعا بزندقة ابن رشد، وأنه لم ينكب الفيلسوف وجماعته إلا إرضاء للرأي العام الذي أثاره الفقهاء ضد ابن رشد وجماعته. ذلك أن أبا يوسف كان قد جاء إلى قرطبة لإعداد حرب ضد الإسبان فهو إذن بحاجة إلى التفاف الشعب حوله. ويعللون ذلك بسرعة رجوعه عن الحكم وتعريضه للإساءة.
كان فيلسوفا طبيباً، وقاضي قضاة.. كان نحويا. لغوياً، محدثاً بارعاً يحفظ شعر المتنبي وحبيب ويتمثل به في مجالسه.. وكان إلى جانب هذا كله. متواضعاً، لطيفاً، دافئ اللسان، جم الأدب، قوي الحجة، راسخ العقيدة، يحضر مجالس حلفاء “الموحدين” وعلى جبينه أثار ماء الوضوء.
لم يكن “ابن رشد” غمراً مبتوت النسب، فوالده وجده وُلِّيا قبله قضاء “قرطبة”، المدينة التي أحبته وعشقها.
لم يجلس “ابن رشد” على عرش العقل العربي بسهولة ويسر، فلقد أمضى عمره في البحت وتحبير الصفحات، حتى شهد له معاصروه بأنه لم يدع القراءة والنظر في حياته إلا ليلتين اثنتين: ليلة وفاة أبيه وليلة زواجه.
لا، لم يكن “أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي، من المتسلقين وطلاب الشهرة. ولكنه كان من المؤمنين “بالكمال الإنساني” عن طريق المعرفة.. فعنده أن تمييز الإنسان بالمخلوق العاقل الناطق تتم لنسبة ما يحصله من عتاد ثقافي معارفي.
أخذ الطب عن أبي جعفر هارون وأبي مروان بن جربول الأندلسي. ويبدو أنه كان بينه وبين أبي مروان بن زهر وهو من كبار أطباء عصره، مودّة، وأنه كان يتمتع بمكانة رفيعة بين الأطباء. وبالرغم من بروز ابن رشد في حقول الطب، فإن شهرته تقوم على نتاجه الفلسفي الخصب، وعلى الدور الذي مثّله في تطور الفكر العربي من جهة، والفكر اللاتيني من جهة أخرى.
عكف فيلسوفنا على نصوص “المعلم الأول” يستجليها ويلخصها، حتى اقتنع بأنها الفلسفة الحقة، والحكمة الكاملة الواقية، وهنا استقر رأيه على مشروعين: أولهما التوفيق بين الفلسفة والشريعة وتصحيح العقيدة مما علق بها – في ظنه – من مخالطات المتكلمين و( تشويش) الإمام الغزالي بالذات (1176 – 1182)، وثانيها تطهير فلسفة أرسطو مما شابها من عناصر غريبة عنها، والمضي بها قدماً. عن طريق طرح الحلول لمشاكل مستقبلية قد تعترض سبيلها (1182 -1194 ).
تولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وكان قد دخل في خدمته بواسطة الفيلسوف ابن الطفيل، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص.
لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد ( أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 – 1198 ) عن الفلاسفة ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب فيلسوفنا قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ثم يبعده إلى “أليسانه” (بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود)، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية ، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب.
كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسحط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية… كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات إثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش.
من مؤلفات ابن رشد
تقع مؤلفات ابن رشد في أربعة أقسام: شروح ومصنفات فلسفية وعملية، شروح ومصنفات طبية، كتب فقهية وكلامية، وكتب أدبية ولغوية.
أحصى جمال الدين العلوي 108 مؤلف لابن رشد، وصلنا منها 58 مؤلفاً بنصه العربي. وابن رشد كان قد كتب المقالات، وألف الكتب، وشرح النصوص الكثيرة ولكنه اختص بشرح كل التراث “الأرسطي”. وشروحه على أرسطو تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
· مختصرات وجوامع: وهي عبارة عما فهمه ابن رشد من “أرسطو” دون أن يتعلق الشرح بالنص مباشرة.
· تلاخيص: وتسمى أيضاً شروح صغرى: وهي عبارة عن مواكبة أرسطو دون إيراد متونه.
· شروح كبرى: وفيها يورد ابن رشد قول الحكيم، ثم يأتي بالشرح المسهب – وهاهي بعض الكتب المؤلفات المهمة بتواريخ كتابتها التقريبية:
الكليات 1162: كتاب في أصول الطب
بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1168: كتاب في أصول الفقه
تلخيص القياس 1166: شرح صغير
تلخيص الجدل 1168: شرح صغير
جوامع الحس والمحسوس 1170
تلخيص الجمهورية 1177: وهو تلخيص “لجمهورية أفلاطون”. أصله العربي مفقود ولكنه ترجم في 1999
مقالة في العلم الإلهي 1178
فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال 1178: وهو تأصيل لشرعية الفلسفة. من أشهر كتبه
الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة 1179: يحاول تصحيح العقيدة الإسلامية
شرح أرجوزة ابن سينا في الطب 1180
تهافت التهافت 1181: نقض كتاب الإمام الغزالي المسمى “تهافت الفلاسفة”. من أشهر كتبه
شرح البرهان 1183: شرح كبير على أرسطو
شرح السماء والعالم 1188: شرح كبير على أرسطو
شرح كتاب النفس 1190: شرح كبير على أرسطو
شرح ما بعد الطبيعة 1192 – 1194: لعله أغنى شروحه، وأكثر إنتاجه إبداعاً. من أشهر كتبه
مؤلفات إضافية: تلخيص كتاب المزاج لجالينوس، كتاب التعرّق لجالينوس، كتاب القوى الطبيعية لجالينوس، كتاب العلل والأعراض لجالينوس، كتاب الحمّيات لجالينوس، كتاب الاسطقسات لجالينوس، تلخيص أول كتاب الأدوية المفردة لجالينوس، تلخيص النصف الثاني من كتاب حيلة البرء لجالينوس، مقالة في المزاج، مقالة في نوائب الحمّى، مقالة في الترياق.
الرجوع للخلف