“هل تريد أخذ تطعيم كورونا؟ هذا سؤال كثيرا ما يتردد وسط العائلات والأصدقاء وزملاء العمل في الوقت الراهن. ويسعى الطبيب النمساوي هرفيج كولاريتش إلى جعل أكبر عدد من الناس يأخذون قرارهم الخاص بالتطعيم بأكبر قدر من الموضوعية بدلا من الاعتماد على الناحية العاطفية، وذلك في كتابه الذي يحمل عنوان ” تطعيم كورونا ما له وما عليه”.
ونشر الطبيب المنحدر من العاصمة النمساوية فيينا العديد من الأعمال العلمية عن موضوع التطعيم، كما ساهم في تطوير لقاح مضاد لداء الكلب يعتمد على الحمض النووي الريبوزيRNA، وهو عضو في المجلس الاستشاري النمساوي لكورونا. ويتناول في كتابه الأعراض الجانبية ومخاطر الأضرار طويلة المدى والمشكلة الأساسية الأخلاقية في الموازنة بين الجوانب الأخلاقية والجوانب الوبائية ورأى أنه من أجل اتخاذ القرار لدى كل واحد يتعين استيضاح كل المزايا والعيوب بشكل موضوعي.
ويشرح كولاريتش ما هو التطعيم القائم على الحمض النووي الريبوزي ، ويسرد جوانب المزايا والعيوب لتطعيم كورونا. وتشمل جوانب المزايا الحماية والتأثير الجيد لدى الناس الأكبر سنا، وحقيقة أننا بدون التطعيم سنقف عاجزين أمام الجائحة. فيما أوضح في شرحه للحجج المتعلقة بالعيوب أن التطعيم “ليس علاجا للسعال” ، وأن من الممكن للذين يتم تطعيمهم في مرحلة مبكرة تعرضهم لأضرار لن تتضح إلا من خلال الشواهد المكتسبة لاحقا حيث يتم تسجيل الأخطاء المتكررة في التطعيم.
وكتبت الصحفية النمساوية زيلفيا يلينيتسيك في مقدمة الكتاب أن التطعيمات من البداية دائما ما كانت مصحوبة بتخوفات مشيرة إلى أنه عندما تم تطوير تطعيم الجدري قبل أكثر من 200 عام وتراجعت معه أعداد الإصابات، كانت هناك حالة من الرفض للتطعيم وتخوفات غير منطقية قد انتشرت، وذكرت أن الفيلسوف إيمانويل كانت كان يعتقد أن اللقاح ينقل سمات حيوانية إلى الإنسان، فيما رأى رجال الدين في اللقاح رفضا للأمر الإلهي ” وبدءا من عام 1876 ظهرت دورية منتظمة لرافضي اللقاح، وفي عام 1901 تم تشكيل جمعية لأطباء ضد التطعيم”.
وأضافت أن الكثير من الحجج كانت على مثل هذا القدر من انعدام المنطق، وقالت إن بعض التطعيمات السابقة مثل أول جرعات للتطعيم ضد داء الكلب كان لها في الغالب آثار جانبية خطيرة بالفعل، لكن الوضع اليوم لا يمكن مقارنته بهذا ” العصر الحجري الطبي”. ورأت أنه لا يزال هناك شيء مشابه بين العصرين ألا وهو ” الانفعالية واللاعقلانية التي تغلب على نقاشات التطعيم، والخطب الحماسية للمؤيدين التي تصطدم بالمتشككين لينتهي الأمر إلى حد عدم إمكانية تمييز الحقائق من الأخبار الكاذبة، والشك المبرر من نظريات المؤامرة”.
ويتعرف القارئ من خلال الكتاب على حقيقة أن بعض المستحضرات تظهر في صورة “شاة ترتدي فراء الذئب”، كما يتعرف القارئ على السبب في أن بعض التطعيمات راحت ضحية لنجاحها وما هي الطريقة التي تؤثر بها الجوانب التجارية على تطوير المواد الفعالة.
وعن تطعيمات الحمض الريبوزي ، ذكر الكتاب أن لها عيبا إلى جانب مزاياها العديدة حيث تنتج الخلايا في إطار الاستجابة المناعية القوية للجسم العديد من الوسائط الكيميائية ” وبعض هذه الوسائط يتسبب في التهابات أو تكون لها تأثيرات على أجهزة أخرى”.
وقال كولاريتش إن البيانات المتاحة حتى الآن تشير إلى أن هناك أثرين جانبيين شائعين بشكل رئيسي في اللقاح الذي طورته شركتا فايزر الأمريكية وبيونتيك الألمانية، وهذان الأثران هما الصداع والإعياء ” وهما من الآثار الجانبية النموذجية التي نتوقعها في لقاحات الحمض الريبوزي لأن بعض الوسائط الكيميائية التي يتم إطلاقها في العملية الموصوفة، تتسبب في شيء كهذا بالضبط”.
وتابع كولاريتش في كتابه قائلا: “بدون تطعيم سنقف عراة كمجتمع في مواجهة جائحة كوفيد-19” وذكر أن معدل الوفيات في إصابات كورونا يتراوح بين 3ر0 إلى 6ر0% “أي أن ما يتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشخاص من بين كل 1000 مصاب يُتَوَفَّوْنَ وفقا لهذا”،
وحذر من أنه إذا تُرِكَتْ الجائحة مطلقة السراح، فإن هذا يعني أن يصل عدد الوفيات إلى عشرات الملايين. وقال إن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد مشيرا إلى أن مدة المناعة ضد كورونا لا تزال غير واضحة حتى الآن، وعاود تحذيره من أن من الممكن أن تأخذ الجائحة في حال عدم وجود تطعيمات دورة مهلكة الأمر الذي سيؤدي إلى تكرار وفاة ملايين الأشخاص.
وذكر كولاريتش أن بوسع أي شاب خلال أخذ القرار مع أو ضد التطعيم أن يقول: خطر إصابتي بمسار خطير لكوفيد-19، ضئيل نسبيا، ولهذا سأنتظر لأرى كيف ستسير الأمور مع الأكبر سنا وعندئذ أقرر ” وهذا أمر ليس أخلاقيا من وجهة نظر مجتمعية، لكنه مفهوم تماما من وجهة نظر إنسان فرد”، وقال كولاريتش إن الأمر يتعلق ” بمدى استعدادنا للاضطلاع بالمسؤولية حيال أخوتنا في الإنسانية والمجموعات المعرضة للخطر من خلال أخذ هذا التطعيم”.
ولفت كولاريتش إلى أن اختبار اللقاحات لا ينتهي بإصدار تصريح بتداولها ” فاللقاحات تحصل مبدئيا على تصريح مؤقت بالتداول لمدة خمسة أعوام، وخلال هذه الفترة يواجه المصنعون سلسلة من الشروط يتعين عليهم أن يرفقوها ويراقبوها خلال التطبيق واسع النطاق للقاح”.
ومن خلال ذلك يتواصل تطوير اللقاح وتصبح المخاطر المرتبطة به أكثر قابلية للتنبؤ بها ” ومن ناحية أخرى يمكن النظر إلى المرحلة الرابعة من تطوير اللقاح على أنها تجربة ميدانية ضخمة على أفراد”، وأكد كولاريتش أن اختيار المرء أن يكون جزءا من هذه التجربة أو أن قبوله بخطر التعرض للإصابة بمرض كوفيد-19، يمثل معضلة بالتأكيد.
وأكد كولاريتش على أنه ليس من المرجح للغاية أن تظهر في هذه المرحلة أعراض جانبية لم تكن في الحسبان وليس لها تفسير وبالذات مع لقاح بالحمض الريبوزي.
أوضح كولاريتش أن من الممكن من حيث المبدأ أن يتم معاودة سحب لقاح في المرحلة الرابعة بسبب أعراض جانبية محددة ” وكلما كانت اللقاحات حديثة، كان هذا نادر الحدوث، لكنه يحدث”، وساق مثالا على هذا بأول تطعيم ضد الفيروس العجلي، وهو من الفيروسات الشديدة العدوى، ومن الأسباب الرئيسية المعروفة في العالم لإصابة صغار الأطفال بالإسهال الشديد الذي يسبب الجفاف.
وأعرب كولاريتش عن رفضه الواضح لمقولة إن اللقاحات هي معجزة متعجلة نشأت في عملية ليلية وضبابية، وقال إنها ” ليست معجزة وليست عملا متسرعا خلا من العناية، بل على العكس، فبعد كل ما راقبته في قطاع المستحضرات الدوائية الذي يعمل وفقا لشروط سلامة ورعاية صارمة، فإن لقاحات كوفيد-19 الجديدة تم تطويرها بعناية خاصة تماما.” وعزا كولاريتش التطوير السريع للقاحات إلى الزيادة الكبيرة في رفع كفاءة الشركات والميزانيات الكبيرة التي تم رصدها لها.