في أول حديث مع ثالث امرأة تتولى رئاسة مجلس محافظي الوكالة الذرية
فيروخي: نرفض تسييس الوكالة وندعو إيرانوكوريا الشمالية وإسرائيل وسورية للتعاون الكامل معها
أجرى الحديث في مقر الأمم المتحدة بفيينا الزميل: حسين عون
طالبت رئيسة مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، السيدة طاووس فيروخي، كلاً من إيران وكوريا الشمالية وسورية بضرورة “التعاون الكامل وبمنتهى الصراحة والشفافية” مع الوكالة من أجل تسوية كافة المسائل المثيرة للجدل والقلق والشكوك في استخدام المواد والأنشطة النووية للأغراض السلمية والتنموية. وشدّدت السيدة فيروخي، وهي سفيرة الجزائر ورئيس البعثة الدائمة لبلادها لدى الأمم المتحدة والمنظمات الأوروبية والدولية في فيينا، على أهمية أن “تتم تسوية كافة المسائل العالقة بين الدول الثلاث والوكالة الذرية في إطار الحوار والتفاهم والعمل الدبلوماسي، وبما يخدم المصالح المشتركة لكلٍ من إيران وكوريا الشمالية وسورية، ويضمن تسهيل قيام الوكالة بالمهام والصلاحيات الموكولة إليها، وفي طليعتها الرقابة والتفتيش والتحقق من عدم وجود أي أنشطة نووية محظورة”.
جاء ذلك في أول حديث أدلت به السفيرة طاووس فيروخي بعد انتخابها رئيسة لمجلس المحافظين بالإجماع، إلى الزميل حسين عون، وردّت فيه على الأسئلة المتعلقة بطبيعة مهمتها خلال عام كامل، والمشاكل والتحديات التي تواجه الوكالة في المرحلة المقبلة. وفي هذا السياق، أكدت على ضرورة بقاء الوكالة الذرية كواحدة من أهم المحافل الدولية المتخصصة في استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية والتنموية والطبية والزراعية والصناعية، ونقل التكنولوجيا النووية للبلدان النامية ومن بينها الدول العربية، وشدّدت على رفض تسييس الوكالة بأي شكل من الأشكال، والمحافظة على عملها التقني والحيادي والنزيه.
وفي هذا السياق، نوّهت السفيرة فيروخي بأهمية “الدور البارز للمجموعة العربية خلال المؤتمر العام للوكالة الذرية”. بيد أنها وصفته بأنه “كان مؤتمراً صعباً للغاية، وشهد الكثير من المداولات والمناقشات حول عدد من المسائل الساخنة والمثيرة للجدل”. وأشارت أنه “على الرغم من فشل المؤتمر العام في التوصل إلى حلول توافقية بشأن ثلاثة مواضيع أساسية تهم العالم العربي، وهي: مشروع القرار الذي تقدمت به مصر بشأن تطبيق نظام ضمانات الوكالة الشاملة في الشرق الأوسط، واختيار مندوب عن منطقة الشرق الأوسط وجنوبي آسيا في مجلس المحافظين، ومشروع القرار الذي تقدمت به مجموعة الدول العربية بشأن القدرات النووية الإسرائيلية”. وأكدت رئيسة مجلس المحافظين على ضرورة الأخذ في الاعتبار أن “الدبلوماسية هي فن الممكن، وتساهم بشكل فعال في تضييق فجوة الخلافات، والتوصل إلى حلول توافقية ترضي الجميع، مهما كانت وجهات النظر متباعدة، بشرط توفر الإرادة السياسية لدى الاطراف المعنية”.
ورداً على سؤال حول كيفية تعاملها العديد من التحديات والمشاكل المزمنة أمام مجلس المحافظين الجديد، وخاصة ما يتعلق منها بتكريس استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، وما يرافق الأنشطة النووية التي تقوم بها بعض الدول من شكوك وغموض، قالت السفيرة فيروخي “في الواقع، إن صلاحيات رئيس مجلس المحافظين واضحة وصريحة في النظام الأساسي، وأنا سألتزم بتنفيذها نصاً وروحاً، وبكل حيادية ونزاهة وتجرد، ولكن مع اعطاء المسائل المثيرة للجدل ما تستحقه من عناية واهتمام، وضرورة المحافظة على مصداقية الوكالة وتحقيق الأهداف والمبادئ الأساسية التي أُنشئت من أجلها، والالتزام بالتعهدات الواردة في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقات الضمانات”. وأشادت بما حققته الوكالة الذرية من “تقدم وإنجازات” على صعيد تعميم استخدام التكنولوجية النووية في تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية والطب والصحة والزراعة والصناعة وتحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية ومكافحة الحشرات.
واعترفت السفيرة فيروخي بوجود نوع من الشكوك والغموض حول أنشطة نووية، ولا سيما عندما يُطلب من بعض الدول الكشف عن كامل طبيعة برامجها النووية، وذلك من منطلق الصلاحية الموكولة إلى الوكالة، للتأكد من عدم وجود أية أنشطة نووية محظورة، والوصول إلى درجة من اليقين بالتزام جميع الدول الأعضاء بتعهداتها في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
ورداً على سؤال حول اتهام بعض الدول من بينها دول عربية الوكالة بأنها تعتمد ما يسمى بـ “المعايير المزدوجة” في تطبيق نظام الضمانات الشاملة في الشرق الأوسط، قالت رئيسة مجلس المحافظين “في الواقع، مثل هذه الاتهامات سمعناها ونسمعها بين الحين والآخر من بعض الدول، لا بل هناك من يزعم أن بعض الدول تقوم بتسييس الوكالة. في اعتقادي أن الوكالة ليست هي مجرد محفل دولي متخصص باستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، بل هي منبر دولي يعطي جميع الدول الأعضاء الفرصة للتعبير عن مواقفها وهواجسها وتقديم مقترحاتها في حرية تامة، وفي إطار الدور الذي تقوم به الوكالة”. وأضافت قائلةَ “أما فيما يتعلق بالدول العربية، وموقفها تجاه ازدواجية المعايير أو سياسية الكيل بمكيالين، فهذا موقف يعبّر عن وجهة نظرها إزاء التعامل مع قضيتين أساسيتين تهمان العالم العربي وهما: تطبيق ضمانات الوكالة الشاملة في الشرق الأوسط بما فيه إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية، والقدرات النووية الإسرائيلية”.
وأعربت مندوبة الجزائر عن اعتقادها بأن “الدول العربية، وعلى الرغم من اقرارها بأهمية الدور البارز الذي تقوم به الوكالة الذرية، فهي لا تقول مجتمعة إنه يتم تسييس الوكالة، وهي محقة في التعبير عن المخاوف والهواجس والمخاطر التي لا تزال تكتنف منطقة الشرق الأوسط إزاء وجود أنشطة نووية لا تخضع لرقابة الوكالة”. وأشارت إلى أنها ترفض مقولة “تسييس الوكالة، أو استخدام الوكالة لأغراض سياسية من قبل أي دولة من الدول الأعضاء ومهما كانت الأسباب والذرائع”. واضافت قولها “أود هنا أن أشير إلى أنني في معرض ردّي على هذا السؤال أتحدث كمندوبة لدولة عربية، ولا أتحدث بصفتي كرئيسة لمجلس المحافظين: الدول العربية جميعها تدرك تماماً أنه ينبغي أن تقوم الوكالة الذرية بأعمال الرقابة والتفتيش والتحقق من طبيعة جميع الأنشطة والمرافق النووية الموجودة في جميع الدول في الشرق الأوسط بدون استثناء، بما فيها إسرائيل، وذلك في إطار تطبيق نظام الضمانات الشاملة”.
وبعدما نوّهت بأهمية درجة الوعي المتقدمة لدى الرأي العام العالمي إزاء تفهم قضية الشرق الأوسط والتحديات والمخاطر التي تهدد الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الاستراتيجية، وجّهت السفيرة فيروخي رسالة إلى المجتمع الدولي ولكل من يهمه الأمر مفادها أن “العرب هم مع الحق والأمن والسلام الحقيقي، وليسوا شعوباً يميلون إلى العنف أو التطرف أو الإرهاب أو العدوان، بل هم يعانون من تداعيات استمرار القضية الفلسطينية منذ أكثر من ستين عاماً، مع الأخذ في الاعتبار أن جميع الدول العربية تقوم بواجبها في دعم أنشطة الوكالة الذرية والأمم المتحدة، وهي تطمح اليوم قبل الغد إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل”.
وفي هذا السياق، أشارت رئيسة مجلس المحافظين إلى أهمية موقف الدول العربية خلال مناقشة مشروع قرار تطبيق ضمانات الوكالة الذرية الشاملة في الشرق الأوسط أمام المؤتمر العالم، والتي استغرقت أكثر من عشر ساعات، ونفت نفياً قاطعاً أن تكون المجموعة العربية لجأت إلى تسييس المؤتمر، بل اعتبرت أن طرح هذا الموضوع في جدول الاعمال يندرج في صلب المهام والصلاحيات الموكولة إلى الوكالة التي ينبغي أن تقوم بأعمال الرقابة والتحقق في الشرق الاوسط بشكل متوازن وحيادي، على حد تعبيرها. وأضافت قولها “لقد تكلم مندوبو الدول العربية بصوت واحد، وعبّروا عن حقيقة المخاطر التي تتهدّد منطقة الشرق الأوسط، والتي تتمثل ببقاء البرنامج النووي الإسرائيلي خارج نطاق الرقابة الدولية”.
كما أشارت إلى أهمية ما وصفته بـ “التعديل المتوازن” الذي أدخلته كمندوبة للجزائر، وباسم الدول العربية على البند الثاني من مشروع القرار المصري الذي جاء فيه ما يلي: “ويطلب المؤتمر العام من جميع الدول في المنطقة أن تنضم إلى معاهدة عدم الانتشار”، وهو ما ينطبق على إسرائيل، حيث نال تأييد أغلبية 92 صوتاً، وهو ما اعتبرته “نصراً كبيراً للمجموعة العربية” على حد تعبيرها. وبعدما وصفت السفير فيروخي “المؤتمر العام” بأنه كان صعباً وحاداً، وشهد نشاطاً عربياً مميّزاً، دعت الدول التي أيّدت وتؤيّد إسرائيل، إلى مراجعة مواقفها المنحازة وتفهّم الهواجس العربية، وذلك من منطلق الحرص على مصداقية الوكالة وضرورة الحفاظ على الحوار الدبلوماسي والمفاوضات كأسلوب وحيد لتسوية الخلافات.
وفي معرض ردها على سؤال حول أبرز القضايا الساخنة التي ستظل مدرجة في جدول أعمال مجلس المحافظين خلال العام المقبل، قالت السفيرة فيروخي “طبعاً، ملف البرنامج النووي الإيراني سيظل يتصدر جدول أعمال المجلس، على الرغم من تحقيق تقدّم كبير منذ العام 2003، ولم يبق سوى مسألة وحيدة، وهناك من يعتبرها مسألة المسائل وهي مسألة الدراسات العسكرية”. وأعربت عن الأمل بأن يتم تسوية هذه المسألة عن طريق الحوار بعيداً عن لغة التهديد والوعيد، وتعاون إيران الكامل مع الوكالة. وأكدت حرصها الشديد على التمسك بالحلول التوافقية، وإلا فما هي القيمة القانونية لمجلس المحافظين، على حد وصفها.
وفيما يتعلق بموقف سورية بشأن سحب ترشيحها لمقعد الشرق الأوسط وجنوب آسيا، أكدت السفيرة فيروخي أنه من حق سورية سحب ترشيحها لمقعد الشرق الأوسط وجنوبي آسيا لصالح أفغانستان، ورأت أن “هذا الحق يندرج في إطار السيادة الوطنية لسورية”. كما دعت رئيسة مجلس المحافظين إلى التريث لمعرفة نتيجة تحليل العينات الميدانية التي جلبها مفتشو الوكالة من موقع الكبار في الصحراء السورية. وأكدت على أهمية استمرار التعاون الحوار القائم بين سورية والوكالة من أجل التوصل إلى تفاهم مشترك.
كما عبّرت السفيرة فيروخي عن “الأسف البالغ” لقيام كوريا الشمالية بإزالة اختام وأجهزة الرقابة التابعة للوكالة من موقع يونبغبيون، وطرد المفتشين الدوليين، ودعت الحكومة الكورية إلى ضرورة الالتزام بتعهداتها الواردة في اتفاق الضمانات المعقود بينها وبين الوكالة بموجب معاهدة عدم الانتشار. وشدّدت على أهمية “تسوية المسائل العالقة عن طريق الحوار وبالتي هي أحسن في إطار مجلس المحافظين، وإلا فسنظل ندور في دوامة”، على حد قولها. وخلصت رئيسة مجلس المحافظين إلى التأكيد بأنها ستكرّس كل ما لديها من جهد من أجل تضييق فجوة الخلافات سواء بالنسبة لملف البرنامج النووي الإيراني أو الملف النووي الكوري الشمالي أو بالنسبة للحالة السورية، والحرص الشديد على بقاء الوكالة الذرية كمنظمة دولية متخصصة في تكريس الاستخدام السلمي للطاقة الذرية والتنموية”. وجدير بالذكر أن السفيرة طاووس فيروخي هي ثاني امرأة عربية تتولى رئاسة مجلس المحافظين بعد السيدة نبيلة الملا مندوبة الكويت في العام 2005، والسيدة أنغريد هال مندوبة كندا في العام 2006.