أزعور: جائزة الأمم المتحدة للخدمات
ستساهم في تعزيز ثقة اللبنانيين بحكومتهم
أهم إيجابيات حالة عدم الاستقرار والأزمة السياسية الحالية استعادة لبنان لسيادته الوطنية
أأجرى الحديث في فيينا: حسين عون
نوّه وزير المالية اللبناني جهاد أزعور بما وصفه “الأهمية المعنوية والدولية” لجائزة الأمم المتحدة للخدمات العامة التي حصلت عليها وزارة المالية اللبنانية من بين مؤسسات حكومية في 21 دولة في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، تقديراً لما حققته من تقدّم وتطور في مستويات الأداء المتميّز في خدمة المواطنين ونيل ثقتهم. وأعرب الوزير اللبناني عن اعتقاده القوي بأن “جائزة الأمم المتحدة ليست لوزارة المالية فحسب، بل هي للشعب اللبناني بأسره، ووسام فخر واعتزاز يُعلّق على صدر كل مواطن لبناني”. ففي حديث شامل أدلى به وزير المالية اللبناني إلى مراسلنا في فيينا خلال المنتدى الدولي لبناء الثقة الذي نظمته الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة النمساوية، أكد أن “لبنان يمر الآن في مخاض ويواجه مرحلة بالغة الدقة والحساسية والحافلة بالهواجس والتحديات الناجمة عن استمرار الأزمة السياسية وحالة الانقسام الداخلي التي باتت تنذر بأوخم النتائج”. ورأى الوزير أزعور أن “الطريق الوحيد الذي يضمن خروج لبنان من دوامة المأزق السياسي الراهن هو عودة جميع اللبنانيين على اختلاف ميولهم السياسية وانتماءاتهم الدينية إلى التلاحم والتضامن والارتفاع إلى مستوى المسؤوليات التاريخية والتحديات المصيرية، والركون إلى صيغة التعايش الحضاري المتنوّع والفريد الذي يمتاز به لبنان عن بقية دول المنطقة ودول العالم أجمع”. وشدّد على القول “إن إحدى أهم القواعد والمبادئ التي تساهم في تعزيز ثقة المواطن بدولته وحكومته هو ترسيخ العلاقة المباشرة مع كافة الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع العام التي تعمل من أجله، من خلال الحرص الدائم على تأمين أفضل الخدمات العامة، ولما فيه صون المصالح العليا للشعب والوطن”.
ورداً على سؤال حول أبرز التحديات التي تواجه لبنان على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية قال وزير المالية اللبناني “في الواقع، إن من أبرز التحديات التي تواجه أي دولة من الدول أو أي حكومة من الحكومات في العالم، هو تعزيز قدرة الدولة على مواكبة التطور الحديث في مختلف مجالات الخدمات العامة للمواطنين، لأنه لا يمكن في المطلق بناء دولة أو وطن لأي شعب من الشعوب التي تطمح بأن يعيش أبنائها بحرية وكرامة، ما لم تبادر إلى توفير مؤسسات حكومية فعالة ومنسجمة. وعلى الرغم كل التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، فقد تمكنّ لبنان من تحقيق درجة عالية من الخدمات العامة والمنجزات التي تمثلت في إعادة بناء الوسط التجاري خلال الحرب”. وبعدما أشاد الوزير أزعور بأهمية الدور البارز الذي قامت وتقوم به وزارة المالية اللبنانية على صعيد مواجهة تحديات الأزمة اللبنانية وافرازات الحرب الأهلية، ومواكبة التطور، وتحسين مستوى الاداء الإداري في مختلف أجهزة الدولة اللبنانية، وتوفير أفضل الخدمات العامة للمواطنين، ونوّه بأهمية دورها المحوري في إعادة ثقة المواطن والمجتمع الدولي، أكد على القول “في الواقع، لقد خطى لبنان خطوات مهمة وكبيرة للغاية خلال فترة زمنية قياسية، ولكن في اعتقادي أن الطريق ما زال شاقاً وطويلاً، لأن لبنان مازال الآن يوجه مرحلة بالغة الدقة والحساسية، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار التطورات السياسية الراهنة محلياً وإقليمياً”.
ورداً على سؤال حول أهم المنجزات التي حققتها الحكومة اللبنانية على صعيد تعزيز ثقة المواطنين اللبنانيين بالوزارات والأجهزة الحكومية التابعة لها، وخصوصاً لجهة الخدمات العامة والحريات الأساسية قال الوزير أزعور “فيما يتعلق بالحريات العامة، لقد كان لبنان وما زال واحداً من أكبر الدول المميّزة في المنطقة العربية، وذلك من خلال انفراده بصيغة التعايش الحضاري والثقافي والديني المتنوّع. ومسألة الحريات العامة في لبنان، ولا سيما حرية الصحافة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، أنا أستطيع أن أجزم بأنه لا يوجد مثيل لتلك الحريات حتى في أكثر البلدان تقدماً وتطوراً، وحتى في أرقاها نظاماً برلمانياً وديمقراطياً”. واعترف وزير المالية اللبناني بأن “ما تتسم به الصيغة اللبنانية للتعايش المتنوّع من خصائص فريدة، خلقت للبنان الكثير من المشاكل والتحديات، بل وصلت في بعض الأحيان إلى أنها أصبحت تشكل مصدر قلق وانقسام بين مختلف المكوّنات والعناصر الأساسية للمجتمع اللبناني”.
وفي معرض وصف العلاج لمنع تدهوّر صيغة التعايش اللبناني قال الوزير أزعور “أهم شيء هو أننا، ومن خلال المؤسسات الحكومية نستطيع تعزيز وتعميم مبادئ الحريات العامة وفي طليعتها حرية التعبير وحرية ممارسة المعتقدات الدينية، ومن ثمّ السماح لكافة شرائح الشعب اللبناني، وخاصة الكوادر المؤهلة بالمشاركة في دفة الحكم، والمساهمة في تعزيز النظام الديمقراطي، واحترام التنوّع الثقافي وحماية حقوق الإنسان وحقوق الأقليات”. وأشار إلى أن “لبنان، وبحكم تركيبته وصيغته الحضارية في التنوّع الثقافي والديني والعرقي وقبول الآخر، أصبح بنظر الكثيرين بأنه يشكل تحدياً كبيراً للمنطقة العربية والنظام العالمي الجديدة وذلك من منطلق كونه ظاهرة ديمقراطية رائدة في العالم العربي، وبات يجسّد الرسالة الإنسانية التي يطمح الشعب اللبناني إلى تحقيقها وذلك من منطلق خصائص ينفرد بها وهي الحريات الأساسية والخدمات العامة وقبول الآخر والعيش المشترك رغم الاختلاف”. وأكد الوزير أزعور على القول “من هنا تبرز أهمية جائزة الأمم المتحدة للخدمات العامة التي حصل عليها لبنان، والتي تقرّ بما حققته وزارة المالية من مستوى متقدم في الأداء الإداري المتميّز والمتطوّر، والذي هو مدعاة فخر واعتزاز الشعب اللبناني بأسره”. وأعرب عن الأمل بأن يدرك المواطن اللبناني بأن الدولة اللبنانية ليست مكرّسة لتنظيم شؤونه العامة فحسب، بل ورعاية حقوق الوطنية وتجسيد آماله وطموحاته في الحياة الحرة الكريمة، والاقرار بدورها البارز في تدعيم تمسكهم بالوطن الذي لا يقوم فقط على القيّم والمبادئ بل تكرس على أرض الواقع من خلال المؤسسات الحكومية المؤتمنة على المصالح الأساسية للشعب اللبناني”.
ورداً على سؤال حول تعليقه على فداحة الضرائب والرسوم التي يعاني منها غالبية أبناء الشعب اللبناني وخصوصاً ذوي الدخل المحدود قال وزيرة المالية اللبناني “في الحقيقة ما يعاني منه المواطن اللبناني في المرحلة الراهنة لا علاقة له بالضرائب والرسوم، لأن الحكومة لم تفرض أية ضرائب جديدة ولم تزيد الرسوم المعمول بها منذ فترة طويلة. ولكن ما يعاني منه المواطن اللبناني بدرجة أساسية الآن ناتج عن حالة عدم الاستقرار والانقسام السياسي القائمة منذ حوالي السنة ونصف السنة في لبنان، والتي انعكست جموداً في النمو الاقتصادي”. ولاحظ الوزير أزعور بأن البيئة التي تتسم بالنمو الاقتصادي السريع في المنطقة، وعدم ترجمة استغلال فرص العمل المتوافرة انعكست على شكل مخاطر وهواجس في عقول اللبنانيين، وساهمت في تشجيع الشباب على الهجرة وتصاعد حالة الإحباط لدى بقية اللبنانيين، على حد تعبيره.
وأعرب الوزير أزعور عن اعتقاده بأن من “أبرز إيجابيات حالة عدم الاستقرار والانقسام السياسي القائمة في لبنان هو استعادة لبنان لسيادته الوطنية، واستعادة اللبنانيين لآمالهم وطموحاتهم والشعور بفخر واعتزاز بسيادتهم الوطنية على أرضهم”. واعترف بأن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون، وخاصة متوسطي الدخل هو وضع صعب، وأن التضخم هو أكبر ضريبة يدفعها المواطن والموظف وقال “نحن كمسؤولين في وزارة المالية علينا واجب مهم وهو المحافظة على الأمن، واستقرار القيمة الشرائية للعملة اللبنانية ومكافحة التضخم، وهي مهمات صعبة ولكن ينبغي أن نقوم بها مهما كانت التحديات”.
ورداً على سؤال حول أهم الأسباب التي تؤدي إلى تراجع ثقة المواطن بحكومة بلاده قال الوزير أزعور “هناك أسباب كثيرة ومتعددة أبرزها عدم قدرتها على تأمين الخدمات العامة المطلوبة منها، وعدم قدرتها على مواكبة التطور وتلبية آمال وطموحات المواطنين في الحياة الحرة الكريمة، وفشلها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعدم الشفافية، بالإضافة إلى عدم وجود نظام للتمثيل الديمقراطي، وتسجيل حالات من الفساد والرشوة وسوء الإدارة”. وأشار وزير المالية اللبناني إلى ما وصفه بوجود “ظاهرة معروفة، وتتمثل بلجوء تيار المعارضة إلى محاولة استغلال ما تعتبره عيوب وعجز الحكومة، حتى تتمكن من التأهل للسلطة”. وأكد الوزير أزعور بأن لبنان كان المستفيد الأول من انعقاد مؤتمري باريس/2 وباريس/3، لأنه حصل على وعود وتعهدات بتخفيف الديون الخارجية، وخصوصاً معالجة العبء الأساسي المتمثل بالفوائد على تلك الديون، بالإضافة إلى الحصول على قروض وإعفاءات تجاوزت قيمتها المليار ونصف المليار دولار، وهو ما مكّن وزارة المالية من إنجاز خطة الإصلاح الهيكلي التي أهلتها للحصول على جائزة الأمم المتحدة.
وحول فحوى الرسالة التي يود توجيهها إلى الأمم المتحدة بهذه المناسبة قال الوزير أزعور “الشكر أولاً على منح لبنان الجائزة، ومناشدة الأمم المتحدة متابعة خطة الإصلاح الإداري والاقتصادي الجارية في لبنان على الرغم من حالة عدم الاستقرار الراهنة، مع الإشارة إلى أن لبنان هذا البلد المتميّز بكل ما في الكلمة من معنى في المنطقة العربية يمر الآن في أزمة سياسية، حيث محط أنظار كمٍ هائل من الناس في المنطقة والعالم. لبنان هذا بلد يمتاز بتركيبة معقدة، ولكنه سيظل أحد النماذج الفريدة الذي تتمنى جميع الدول العربية أن تكون مثله، ولا سيما على صعيد التعايش الحضاري والثقافي المتنوّع مع الانفتاح والمحافظة على الأصالة العربية والالتزام بالقضايا العربية، وهذا ما ينبغي على الدول العربية أن تدركه تماماً”. وخلص وزيرة المالية اللبناني جهاد أزعور وهو من أبرز الكفاءات اللبنانية الشابة إلى التأكيد بأن”المهمة الأساسية لجميع اللبنانيين هي التضامن والتكاتف من اجل إنقاذ لبنان من المخاطر والتهديدات التي تحيط به، مع الأخذ في الاعتبار بأن المرحلة الراهنة بحاجة إلى الإرادة والعزم والتصميم أكثر من الاكتفاء بالتفاؤل”.