“حل وسط” أنقذ اجتماع اللجنة التحضيرية
لمؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار السلاح النووي
كندا تطالب بعدم السماح بانسحاب اية دولة بعدما انتهكت المعاهدة واستفادت منها
الأمم المتحدة/فيينا: حسين عون
وأخيراُ، وبعد تأخير استمر زهاء أربع ساعات، اختتمت اللجنة التحضيرية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية المقرر في عام 2010، بعد ظهر يوم الجمعة الماضي أعمال دورتها الأولى بإعلان التوصل إلى “حل وسط”، مما كرّس ما وصفه مندوبو الدول الأعضاء ورؤساء المجموعات
الجغرافية في معاهدة عدم الانتشار “روح التوافق” حول أبرز المواضيع المدرجة في جدول الأعمال، وفي طليعتها البند السادس، والتقرير الختامي بشأن عقد الاجتماعين الثاني والثالث للجنة في جنيف ونيويورك عامي 2008 و2009.وكان رئيس اللجنة التحضيرية يوكيو أمانو (اليابان) وبعد سلسلة مشاورات دبلوماسية مع رؤساء المجموعات الجغرافية اضطر إلى سحب نص بيانه الذي تضمن ملخصاً عملياً عن مجمل نتائج المناقشات والكلمات التي أدلى بها مندوبو الدول الأعضاء، وذلك بعدما أبدى ممثلو الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز والدول العربية اعتراضات وتحفظات شديدة على عدد كبير من بنوده. وكان البيان الرئاسي، عكس غالبية الأحكام والمبادئ والتوصيات وحتى “المخاوف والقلق البالغ” الواردة في قراري مجلس الأمن رقم 1737 و1747، وقرارات مجلس محافظي الوكالة الذرية بشأن إيران وتطبيق نظام الضمانات الشاملة في الشرق الأوسط.
ولكن رئيس اللجنة التحضيرية، وافق على تحويل بيانه إلى “ورقة عمل” أدرجت في مشروع التقرير الختامي ضمن أكثر من 70 ورقة عمل تقدمت بها الدول الأعضاء والمجموعات الجغرافية، وبذلك تمكنت اللجنة من تجاوز أزمة كادت تؤدي إلى فشل الاجتماع. ويرى المراقبون بأن مبادرة رئيس اللجنة التحضيرية بددت “مخاوف وقلق” الكثير من رؤساء وفود الدول الأعضاء، ورأوا بأن تحويل البيان الرئاسي إلى ورقة عمل بعد إدخال التعديلات التي طالبت بها مجموعة حركة عدم الانحياز، قد قلّل بالتالي من أهميتها الاجرائية والقانونية.
وتتألف ورقة العمل الرئاسية من 51 فقرة عكست بإيجاز آراء ومواقف مختلف الدول والمجموعات الجغرافية نوجز أهمها كما يلي: عبر مندوبو عدد من الدول الأطراف في اللجنة التحضيرية ومعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، عن قلقها البالغ إزاء تطورات البرنامج النووي الإيراني، وحثوا بقوة إيران على الامتثال للمطالب والتوصيات الواردة في قراري مجلس الأمن رقم 1737، و1747، والقرارات ذات الصلة التي تبنها مجلس محافظي الوكالة الذرية التي تمّ تبنيها بالأغلبية، عبرت عن تمسك المجتمع الدولي بتسوية كافة المسائل العالقة في الملف النووي الإيراني. في حين أكدت إيران استعدادها لاستئناف المفاوضات.
وفي هذا السياق، علق مندوبو عدد من الدول أهمية على تطبيق أحكام معاهدة المتعلقة بحظر المواد النووية التي تستخدم في إنتاج الأسلحة النووية والأجهزة النووية المتفجرة. ورأى مندوبو دول أخرى بأن نظام عدم الانتشار هو الهدف الأساسي لمعاهدة منع الأسلحة النووية، واعتبروا بأن الوكالة الذرية هي الجهاز الدولي المسؤول عن تطبيق نظام التحقق والضمانات، وفقاً للمادة الثالثة والفقرة الأولى من معاهدة عدم الانتشار والمتعلقة بمنع تحويل الطاقة الذرية المخصصة للاستخدام السلمي للأغراض العسكرية. كما أشار مندوبون آخرون إلى الحاجة لتقوية دور الوكالة الذرية في مجال التحقق من عدم تحوير أية أنشطة نووية، وأكدوا على ضرورة معالجة أية انتهاكات للتعهدات الواردة في نظام الوكالة للضمانات الشاملة أو أي محاولة لتقويض فعالية معاهدة منع الانتشار، وطالبوا بضرورة انضمام جميع الدول الاعضاء لنظام الضمانات والبروتوكول الإضافي لإضفاء الطابع العالمي عليهما، وتعزيز معايير الثقة من خلال التزام جميع الدول بالبنود والاحكام الأساسية لمعاهدة عدم الانتشار.
واشارت ورقة رئيس اللجنة التحضيرية إلى أن مجموعة كبيرة من الدول (غالبيتها دول عربية) أكدت على ضرورة تطبيق قرار جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، والذي تبناه مؤتمر التمديد اللامحدود لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية عام 1995، وشددت على القول بأن هذا القرار سيظل بدون قيمة ما دامت أهدافه ومقاصده لم تتحقق بعد. كما لاحظت تلك الدول بأنها تعتبر تبني مؤتمر المراجعة لقرار الشرق الأوسط كان جزءاً لا يتجزأ من صفقة التمديد اللامحدود لمعاهدة عدم الانتشار. كما أكدت ورقة العمل الرئاسية بأن عدداً من الدول أكدت دعمها للتدابير التي تبناها المؤتمر العام الـ 44 للوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل تسهيل إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى دعم الجهود المبذولة لتنفيذ مضمون إعلان برشلونة. وأشارت نفس ورقة العمل الرئاسية إلى أن مندوبي مجموعة كبيرة من الدول عبرت كذلك عن دعمها الكامل لاستئناف التسوية السلمية في الشرق الأوسط، ورأوا أن تسوية ملف البرنامج النووي الإيراني سيساهم في جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
وكان رئيس اللجنة التحضيرية أكد بان معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية يشكل حجر الزاوية للنظام العالمي لعدم الانتشار والمؤسسة القانونية لمتابعة أعمال التحقق ونزع السلاح. ورأى يوكيو أمانو أن أبرز التحديات التي تواجه نظام عدم الانتشار هي حماية وتقوية فاعلية معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، واعتبارها أداة دولية لتعزيز الأمن والسلم الدوليين. وخلص إلى دعوة الدول الاعضاء والمجتمع الدولي إلى ضرورة التعاون والتنسيق على مختلف المستويات من أجل منع وصول المواد النووية إلى أيدي المنظمات الإرهابية.
وكان مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي أصغر سلطانية أشاد بنتائج الاجتماع الأول للجنة التحضيرية لمؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ونوه بأهمية مواقف غالبية الدول الأعضاء، وخصوصاً دول حركة عدم الانحياز التي عبرت عن بالغ القلق للخطر الكبير الذي تمثله الترسانات النووية الهائلة التي تملكها الدول الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة وبريطانيا بالإضافة إلى إسرائيل. وأعرب السفير سلطانية في تصريح صحافي أدلى به بعد انتهاء اجتماع اللجنة التحضيرية عن اعتقاده القوي بأن الحل الوحيد للمسائل العالقة في البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن يتم إلا عبر المفاوضات. وحذر بأن أية ضغوط خارجية تُمارس إيران ستؤدي إلى نتائج مضادة وزيادة المشكلة تعقيداً.
واتهم مندوب إيران كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا بانتهاك معاهدة منع انتشار الأسلحة من خلال مواصلة إنتاج وتطوير أجيال جديدة من الصواريخ النووية، بالإضافة إلى استمرار خرق البند السادس من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من خلال دعم إسرائيل. ونفى السفير سلطانية ان تكون إيران منعت أياً من مفتشي الوكالة الذرية من القيام بزيارة ميدانية إلى أي من المرافق النووية الإيرانية، ووصف مثل هذه الأنباء بأنه لا أساس لها من الصحة. كما أكد سلطانية أن إيران ما تزال تتعاون بالكامل مع الوكالة الذرية، وتلتزم باتفاق الضمانات الموقع مع الوكالة بموجب بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وشدّد السفير سلطانية على تأكيد تمسك إيران بحقها في استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية. ورأى أن الرسالة الصادرة عن الاجتماع الأول للجنة التحضيرية رسالة واضحة وصريحة وينبغي على كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل أن تدركها وهي أن مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار الذي سيعقد عام 2010 سيمنى بالفشل الذرية إذا واصلت تلك الدول انتهاكاتها لمبادئ وأحكام المعاهدة. وناشد مندوب إيران المجتمع الدولي سرعة التحرك لإنقاذ المؤتمر الاستعراضي مما وصفه بـ “التحديات الخطيرة” منذ الآن، مشيراً إلى أن بقاء إسرائيل خارج معاهدة عدم الانتشار ونظام الوكالة للضمانات والرقابة الدولي يكل الخطر الحقيقي للأمن والسلم الإقليمي، ولا سيما بعدما اعترف رئيس وزرائها (أيهود أولمرت) علناً مؤخراً بأنها تملك قدرات عسكرية نووية.
وكان اجتماع اللجنة التحضيرية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية تحوّل إلى أشبه بمحفل دولي، حيث عكف فيه مندوبو الدول الأعضاء ورؤساء المجموعات الجغرافية على التباري بالمواقف التي تؤكد التزامهم بنظام عدم الانتشار النووي، على الرغم استمرار سباق التسلح واستخدام الفضاء للأغراض العسكرية.
كما تميزت الأيام الأخيرة للاجتماع بتقديم سيل من أوراق العمل، سواء من الدول الأعضاء أو المجموعات الجغرافية، وكان أبرزها ورقة عمل عربية موحدة قدمها عميد السلك الدبلوماسي العربي سليم بن محمد الريامي سفير سلطنة عمان بالنيابة عن مجموعة الدول العربية، وتركزت حول ضرورة تطبيق القرار المتعلق بالشرق الأوسط الذي تبناه مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية والذي كان مخصصاً لاستعراض المعاهدة وتمديدها لعام 1995، وثلاث أوراق عمل قدمتها مجموعة دول حركة عدم الانحياز الأطراف بالمعاهدة، الأولى حول الشرق الأوسط وضرورة جعله منطقة خالية من الأسلحة النووية، والثانية حول الترتيبات الإجرائية والترتيبات الأخرى للتوصل إلى نتائج فعالة وناجحة للجنة التحضيرية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار في عام 2010؛ والثالثة حول الحظر الشامل للتجارب النووية، بالإضافة إلى ورقتي عمل قدمتهما مصر الأولى حول تنفيذ قرار المؤتمر الاستعراضي لعام 1995، والوثيقة الختامية لمؤتمر المراجعة عام 2000 بشأن الشرق الأوسط،؛ والثانية حول المسائل الرئيسية والفنية المتعلقة بفعالية معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
كما قدمت سورية ورقة عمل حول المسائل التي سينظر بها في الاجتماع الأول للجنة التحضيرية، وشددت فيها على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط وعدم اعتماد المجتمع الدولي سياسة مزدوجة المعايير أو التغاضي عن الخطر الذي يشكله البرنامج النووي الإسرائيلي على الأمن والسلم الدوليين، المطالبة بممارسة كافة الضغوط السياسية والاقتصادية ضد إسرائيل لإرغامها على الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار ووضع كافة منشآتها النووية تحت الرقابة الدولية ونظام الوكالة الذرية للضمانات النووية الشاملة.
كذلك قدمت كندا ورقة عمل مستوحاة من برنامج إيران النووي وبرنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية، والأنباء التي أشارت إلى احتمال انسحاب إيران من المعاهدة تحت عنوان “أحكام أخرى: الإصلاح المؤسسي، والمادة العاشرة، والانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية”، والتي تؤكد بأنه “لا ينبغي السماح لدولة من الدول بالانسحاب من المعاهدة على نحو يمكنها من الاحتفاظ بثمار انضمامها إلى المعاهدة، وان الانسحاب لا يمكن أن يمحو الانتهاكات المرتكبة عندما كانت الدولة التي تود الانسحاب طرفاً في المعاهدة ولا يغتفرها. كما شددت الورقة الكندية “أن أي إخطار بالعزم على الاستقالة من المعاهدة ينبغي أن يُنظر فيه بصفته حالة استثنائية تهدد بالخطر سلامة المعاهدة وقدرتها على البقاء، وتستحق الرد عليها بما يناسب ذلك”. كما قدمت الولايات المتحدة ورقتي عمل، الاولى ركزت على أهمية تسهيل عمليات نزع السلاح، وعلى ضرورة الالتزام بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والثانية حول تطبيق نظام منع الانتشار في الشرق الأوسط وجعله منطقة خالية من الأسلحة النووية، تأكيد دعمها لاقرار السلام، واتهام إيران بأنها تخفي أنشطة نووية محظورة. كما قدمت ورقة عمل من الاتحاد الأوروبي استعرضت كافة الأنشطة التي تندرج في إطار الاعداد لمؤتمر مراجعة ناجح لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية المقرر انعقاده في نيويورك عام 2010. كما قدمت اليابان ورقة عمل شدّدت على أهمية لتثقيف بشأن نزع السلاح النووي ومنع انتشاره.
في الحلقة المقبلة: أضواء على موقف مجموعة الدول العربية