أصدرت المحكمة الدستورية في النمسا، يوم الجمعة، حكماً بعدم دستورية حظر ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية، الذي فرضته الحكومة منذ خريف 2019.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن رئيس المحكمة كريستوف غرابنوارتر، قوله إن حثيثات الحكم هي أن الحكومة اتخذت هذا القرار مستهدفة دين معين وهو الإسلام دون آخر وهو ما يتعارض مع متطلبات الحياد الديني والأيديولوجي للدولة النمساوية.
وأوضح رئيس المحكمة أن مبدأ المساواة فيما يتعلق بالحق في حرية الفكر والضمير والدين، يبرر حياد الدولة الديني والأيديولوجي.
وأشار إلى أن القرار كانت ينتهك مبدأ المساواة بين أتباع الأديان لأنه تم منع الحجاب، بينما لم يتم مثلا منع ارتداء القلنصوة اليهودية أو عمامة طائفة السيخ.
في هذا التقرير نستعرض كيف بدأت الأزمة وكم يبلغ عدد الجاليات المسلمة التي تعيش في النمسا وتضررت بسبب سريان القرار في 2019..
* بداية الأزمة (قانون يمنع أغطية الرأس)
في 16 مايو الماضي، قرّر مجلس النواب النمساوي مشروع قانون قدمّه الائتلاف الحكومي يمنع ارتداء الحجاب في المدارس الابتدائية، بحسب “يورو نيوز”.
القرار رفضته الجالية المسلمة بحزم، فيما اعتبرته تمييزياً، حيث تضمن مشروع القانون
عبارةً تنصّ على أن المنع يشمل كل لباس ينطوي على بعدٍ عقائدي أو ديني يغطّي الرأس، دون أن يرد ذكرٌ لحجاب المسلمات بشكل صريح، تجنباً لاتهاماتٍ تتعلق بالتمييز العنصري.
* قانون يستهدف المسلمين بالأخص
لم يكن القانون الذي أقره البرلمان يتحدث في العموم بمنع كافة أشكال أغطية الرأس، بل كان يقصد بشكل أساسي النيل من حرية ارتداء الحجاب للمسلمين.
حيث قال مسؤولين في الحزبين اليمينيين الحاكمين؛ وهو حزب المحافظين، بزعامة المستشار سيباستيان كورتز شتراخه، وحزب الحرية المتطرف هاينز كريستيان ستراتش، أنّ المستهدف من مشروع القانون هو الحجاب الإسلامي، فيما أكدت الحكومة أن عمامة الرأس التي يرتديها الأطفال السيخ أو القلنصوة اليهودية لن ينسحب عليهما القانون الجديد.
وأكد مسؤول شؤون التعليم في وندلين مولزر من حزب الحرية أن مشروع القانون يعدُّ إشارة ضد ما أسماه ب “الإسلام السياسي”، في الوقت الذي اعتبر فيه النائب رودولف تاشنر من حزب المحافظين أنّ القانون ضروري لحماية الفتيات من الاضطهاد.
وفيما صوّت غالبية قوى المعارضة في البرلمان ضدّ مشروع القانون، اعتبرته رابطة المسلمين النمساويين وقح، ويهدف لخلط الأوراق.
* الطعن على القانون أمام المحكمة
كان من المتوقع بأن ينم الطعن على القانون، بسبب طابعه التمييزي، بالإضافة لأن التشريعات المماثلة والتي تتعلق بالمدارس يتم إقرارها عادة بأغلبية ثلثي النوّاب.
ففي 16 مايو، قررت الرابطة الإسلامية، التي تعتبر الممثل الوحيد للمسلمين في النمسا، التحرك ضد القانون، والطعن عليه امام المحكمة الدستورية العليا للبت في مدى توافقه مع دستور القانون النمساوي، خاصة وأن القانون يقف وراء تمريره حزب الحرية اليميني المتطرف.
وشدد رئيس الرابطة الإسلامية، أوميت فورال، على معارضة إقرار مجلس النواب النمساوي لمشروع القانون، الذي قدمه الائتلاف الحكومي اليميني.
حيث قال: “نحن ضد حظر الحجاب، فالحجاب جزء من ديننا، والسعي لتحقيق مكاسب سياسية من خلال الفتيات المسلمات ليس بالتصرف الإيجابي، كما أنه لن يخدم سياسة الاندماج بأي حال من الأحوال”.
* نائبة ترتدي الحجاب في البرلمان النمساوي
في 18 مايو، بالرغم من عدم موافقة أغلبية البرلمان عليه، أبقت النائبة، مارتا بيسمان، خطاباً في البرلمان أعلنت فيه رفضها للقانون،
وقالت بيسمان كلمتها بينما كانت ترتدي الحجاب أمام النواب، ووجهت سؤالاً للجميع، قائلة: “هل تغير شيء الآن، هل لم أعد مارتا بيسمان النائبة في البرلمان النمساوي والمولودة بالنمسا؟”
وبدأت النائبة كلمتها بتهنئة المسلمين بحلول شهر رمضان المبارك، وأكدت أنه نتيجة لحملات الكراهية، تتعرض مسلمات محجبات لاعتداءات ومضايقات في الشوارع لا لشيء إلا لارتدائهن للحجاب، وفق تعبيرها.
ولفتت إلى أن الحجاب ما هو إلا جزء من حياة النساء المسلمات ومن ثقافتهن ومن هويتهن، لكنه صور كرمزا للسياسة المناهضة للمسلمين: “يمكننا أن نتعلم من المسلمين قيم التسامح والتضامن، فالحجاب لا يمثل مشكلة في المجتمع، ولكن هناك بعض الأحزاب تريد عمل دعاية إعلامية، لكسب أصوات بعض الناخبين على حساب قضية الحجاب، وهو الأمر الذي ينبغي رفضه تماماً”.
* كم يبلغ عدد الجالية المسلمة في النمسا؟
بحسب وكالة رويترز، كان عدد المسلمين في النمسا في عام 2017، يقدر بنحو 700 ألف، وهو ما يشكل تقريبا 8٪ من عدد السكان وقتها، الذين يرجع أغلبهم للأصل التركي، ممن قدموا للعمل في فترة الستينيات والسبعينيات واستقروا فيها.