الحكومة النمساوية الجديدة:
من هم الرابحون الاشتراكيون أم المحافظون؟
حسين عون (صحفى مقيم بفيينا)
أدىأعضاء الحكومة النمساوية الجديدة برئاسة المستشار النمساوي ألفريد غوزنباور قبل ظهر الخميس في 11 كانون الثاني/يناير الجاري القسم الدستوري أمام الرئيس النمساوي هاينز فيشر، في الوقت الذي كان فيه حوالي ثلاثة آلاف من الشباب والطلاب وغالبيتهم من مؤيدي الحزب الاشتراكي الديمقراطي يتظاهرون في ساحة هيلدين أمام قصر الهوفبورغ الرئاسي، وهم يرددون الهتافات احتجاجاً على تركيبة الحكومة الائتلافية الجديدة. وفي بداية الاحتفال ألقى الرئيس فيشر كلمة موجزة هنأ فيها المستشار الجديد وتمنى له ولأعضاء الحكومة الجديدة النجاح والتوفيق، مؤكداً بأن المشاورات التي أجراها المستشار غوزنباور من أجل تشكيل حكومة ائتلافية موسعة بالتحالف مع حزب الشعب جرت وفق المعايير الديمقراطية المعتمدة في النمسا وضمن المهلة الدستورية المحددة له. ودعا الرئيس فيشر رئيس وأعضاء الحكومة الجديدة إلى ضرورة الاصغاء لمطالب الشباب المتظاهرين، وعدم التبجح أو الغرور بالثقة المتزايدة.
وكان الرئيس النمساوي وقع على مراسيم تعيين أعضاء الحكومة النمساوية الجديدة التي تألفت من الفريد غوزنباور زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في منصب المستشار (رئاسة الحكومة)، وفيلهلم مولترار (عضو مجلس قيادة حزب الشعب) نائباً للمستشار ووزيراً للمالية، وتعيين 14 وزيراً و6 أمناء عامين مناصفة بين الحزب الاشتراكي وحزب الشعب كما يلي: وارنر فايمان (الحزب الاشتركي) وزيراً للبنى التحتية؛ ماريا بيرغر (الحزب الاشتراكي) وزيرة للعدل؛ إروين بوخنغر (الحزب الاشتراكي) وزيراً للشؤون الاجتماعية؛ دوريس بوريس (الحزب الاشتراكي) وزيرة لشؤون المرأة؛ كلوديا شميد (الحزب الاشتراكي) وزيرة للتعليم؛ نوربيرت دارابوس (الحزب الاشتراكي) وزيراً للدفاع؛ مارتن بارتنشتاين (حزب الشعب) وزيراً للاقتصاد والعمل؛ يوهانيس هان (حزب الشعب) وزيراً للعلوم، غونتر بلاتر (حزب الشعب) وزيراً للداخلية؛ أرسولا بلاسنيك (حزب الشعب) وزيرة للخارجية؛ جوزيف برول (حزب الشعب) وزيرا للزراعة والبيئة؛ أندريا كدولسكي (حزب الشعب) وزيرة للصحة العامة. أما الأمناء العامين الجدد فقد تمّ توزيعهم مناصفة كما بين الحزبين يلي: كريستوف ماتزنيتر (الحزب الاشتراكي) أميناً عاماً لوزارة المالية؛ كريستا كرانزل (الحزب الاشتراكي) أمينة عامة لوزارة البنى التحتية؛ هايدرون زيلهافي (الحزب الاشتراكي) أمينة عامة لشؤون رئاسة المستشارية؛ راينولد لوباتكا (حزب الشعب) أميناً عاماً للشؤون الرياضية؛ هانز فينكلر (حزب الشعب) أميناً عاماً لوزارة الخارجية؛ كريستينا ماريك (حزب الشعب) أمينة عامة لوزارة الاقتصاد.
وجدير بالذكر ان الحكومة النمساوية الجديدة هي في عداد أكبر خمس حكومات من أصل 24 حكومة نمساوية منذ جلاء القوات الأجنبية عن الأراضي النمساوية وإعلان استقلال جمهورية النمسا الاتحادية في العام 1955. وكانت الحكومة السابقة برئاسة المستشار فولفغانغ شوسيل تألفت من 19 وزيراً من تحالف حزب الشعب وحزب التحالف من أجل مستقبل النمسا. ويشترك في الحكومة الجديدة أكبر عدد من النساء (4 وزيرات وثلاث أمينات عامات). كما يمتاز غالبية أعضاء الحكومة النمساوية الجديدة بصغر سنهم الذي بلغ معدل 47.5 % مقارنة بـ 51.7 % من أعمار اعضاء الحكومة السابقة برئاسة المستشار شوسيل.
والسؤال المطروح الآن هو: من هو الربح في ظل التركيبة الجديدة للحكومة النمساوية؟ هل هو الحزب الاشتراكي أم حزب الشعب؟ في الواقع، هناك كثيرون يعتقدون بأن حزب الشعب الذي كان أبرز الخاسرين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كان أوفر الرابحين ولا سيما بعدما حصد غالبية الحقائب الوزارية الأساسية، في حين يرى آخرون أن الحزب الاشتراكي كان بدوره الرابح الخاسر، لأنه اكتفى بشغل منصب المستشار وحقائب وزارية ثانوية. وهناك من المسؤولين حتى في داخل الحزب الاشتراكي أن التشكيلة الحكومية الجديدة هي تشكيلة مؤقتة ولن تعمر طويلاً، وربما لسنة أو سنتين على ابعد تقدير، يصار بعدها إلى إجراء انتخابات مبكرة. وكان رئيس الاتحاد الفيدرالي للمنظمات التجارية في النمسا رودولف هندشتورفر، وهو عضو بارز في مجلس قيادة الحزب الاشتراكي أكد عدم ارتياحه لتركيبة الحكومة النمساوية الجديدة، وشدد على القول بأنه يرفض توزيع الحقائب الوزارية بشكل غير عادل.
ردود فعل محلية وأوروبية متشنجة
وكانت التركيبة السياسية والحزبية للحكومة النمساوية الجديدة أثارت موجة من ردود الفعل المتشنجة لدى أوساط حزبية وإعلامية واسعة على الصعيدين المحلي والأوروبي. فقد عبّر حزب الخضر الحليف السابق للحزب الاشتراكي في معارضة حكومة المستشار النمساوي السابق فولفغانغ شوسيل زعيم حزب الشعب، عن دهشة عارمة لما اسفرت عنه جولات المفاوضات بين الحزب الاشتراكي وحزب الشعب من نتائج أفضت إلى تشكيل حكومة أشبه بلون محافظ برئيس اشتراكي، وذلك استناداً لتوزيع الحقائب الوزارية التي حصد فيها المحافظون الوزارات الأساسية.
وفي هذا السياق، أشار نائب كتلة حزب الخضر في البرلمان الاتحادي (21 نائباً) كارل أولينغر ومديرة الشؤون الاتحادية في نفس الحزب ميخائيلا سبيرني بأنه “كان من الأفضل لزعيم الحزب الاشتراكي أن لا يقدم حزمة من التنازلات المجزية لحزب الشعب، ويتخلى عن وزارات مهمة وأساسية في الحكومة الجديدة”. كما أعربت سبيرني وأولينغر عن اعتقادهما بأنه “كان ينبغي على غوزنباور أن يلجأ إلى تشكيل حكومة أقلية بالتحالف مع حليفه التقليدي السابق حزب الخضر ولو لفترة محدودة، للرد على إصرار قيادة حزب الشعب على ممارسة كافة الضغوط وفرض الشروط”. وأشارت ميخائيلا سبيرني إلى أن “جولات المفاوضات بين ممثلي الحزب الاشتراكي وحزب الشعب، أظهرت بأنها لم تتناول مسائل وطنية جوهرية مثل المشاريع المرحلية، ولذلك فإن النتيجة لم تكن مقبولة لأنها لا تدعم مستقبل النمسا”. كما أدان أولينغر مجمل عناصر الاتفاق الذي أفضى إلى تشكيل حكومة ائتلافية جديدة ووصفها بأنها “كانت نتائج مخيبة للآمال”. وسخر أولينغر بحل مشكلة الأقساط الجامعية على أساس السماح للطلاب الجامعيين بالعمل في مجالات الخدمات الاجتماعية وقت الفراغ بأجور تعادل 6 يورو في الساعة، واعتبره “مجرد اختبار ذكاء”، وقال “إن أي طالب قد ينخدع بهذا الحل، حيث ان السجناء يتقاضون أجراً أكبر داخل السجون”. في غضون ذلك، يرى المراقبون أن خيار تشكيل حكومة اقلية من تحالف الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، ولو حصل فسيكون خطوة في المجهول، حيث ستواجه تلك الحكومة مخاطر دائمة، وخصوصاً لجهة تأمين التصويت على المراسيم ومشاريع القرارات داخل التركيبة الجديدة للبرلمان النمساوي. ويعتقد المراقبون بأن وضع مثل هذه الحكومة سيكون هزيلاً، وستكون غير قادرة على الحصول على تأييد 92 نائباً من اصل 183 نائباً.
أما على صعيد ردود الافعال الأوروبية، فقد أجمعت على التأكيد بأن حزب الشعب النمساوي ظفر في نهاية جولات المفاوضات مع الحزب الاشتراكي بنصر لم يكن أحد يتوقعه، وذلك من خلال حصوله على العدد الأكبر من الوزارات الأساسية في التشكيلة الحكومية الجديدة. وفي هذا السياق، أشارت صحيفة (فرانكفورتر ألجيماينه) الألمانية بأن “الخاسر في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الأول من تشرين الاول/أكتوبر 2006، أصبح الرابح الأكبر بعد مرور حوالي 100 يوم من المفاوضات التي سارت أشبه بلعبة البوكر”.
كما اوضحت صحيفة (زود دويتشه) الألمانية بأن “حزب الشعب طلب ثمناً باهظاً مقابل تحالفه مع الحزب الاشتراكي في حكومة ائتلافية موسعة، لأنه لا خيار آخر أمام الاشتراكيين في ظل التركيبة الجديدة التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة سوى التحالف مع المحافظين”. أما وكالة الأنباء الصربية (تانيوغ) فقد ذكرت أنه “كان بإمكان زعيم الحزب الاشتراكي ألفريد غوزنباور أن يتولى منصب المستشار بدون دفع ثمن باهظ، ولكن المستشار النمساوي السابق تمسك بموقف السيطرة على الوزارات الأساسية في الحكومة الجديدة”. واتهمت (تانيوغ) في تعليق لها على تشكيل الحكومة النمساوية الجديدة، غوزنباور بأنه نكث بوعوده التي قطعها على نفسه أمام الناخبين النمساويين. وحذرت بأن مثل هذا التراجع سينعكس سلباً على الحزب الاشتراكي في المستقبل، على حد تعبيرها.
أما وكالة الأنباء الألمانية في هامبورغ فقد أعربت عن اعتقاد قوي مفاده “ان شوسيل الذي تعرض لموجة من الانتقادات الشديدة خلال الأشهر الماضية، خرج مرتاحاً بالنتائج التي أفضت إليها المفاوضات مع ممثلي الحزب الاشتراكي”. وبدورها علقت وكالة (رويترز) البريطانية على تشكيلة الحكومة النمساوية بقولها “إن شوسيل، الذي خسر أصوات أكثر من ربع الناخبين من مؤيدي حزب الشعب المحافظ، أظهر حنكة ومهارة في إدارة المفاوضات مع الحزب الاشتراكي، وبذلك فقد حصل حزبه على وزارات حساسة هي الداخلية والخارجية والمالية والاقتصاد، على الرغم من حلوله ثانياً في الانتخابات البرلمانية وحصوله على 66 مقعداً مقابل 68 مقعداً حصل عليها الاشتراكيون”.
أما صحيفة (بالستر) السويسرية فقد أشارت إلى أن “الحزب الاشتراكي حقق حلمه بالفوز بمنصب المستشار في النمسا، ولكن مقابل ثمن باهظ. ومع ذلك لم يبق شيء من شعارات الديمقراطيين الاشتراكيين”. في إشارة للوعود التي تعهد بها الحزب الاشتراكي لمؤيديه. وفي هذا السياق، اوضحت الصحيفة السويسرية قولها “الاقساط الجامعية، التي أعلن الحزب الاشتراكي بأنه سيلغيها كلها ستظل قائمة وقد يتم زيادتها. ولكن المثير للجدل هو أن الحزب الأحمر –الاشتراكي- يريد أن يضع الشاذين جنسياً على قدم المساواة قانونياً مع الناس العاديين بالنسبة للزواج المدني، وهو ما يرفضه الحزب الأسود –الشعب-“. وخلصت صحيفة (بالستر) إلى القول “يبدو أن المستشار الجديد غير قادر على الوقوف إلى جانب الخيار القديم”.