رفض عقوبة إعدام صدام حسين
والمطالبة باحالته لمحكمة جرائم الحرب
حسين عون (الأمم المتحدة/فيينا)
نظمت الدائرة الإعلامية للأمم المتحدة في فيينا قبل أيام ندوةً صحافية دولية عن واقع ومستقبل حقوق الإنسان في ضوء المشاكل والتحديات التي تواجه تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، شارك فيها نخبة من كبار المسؤولين والخبراء الدوليين هم السيدة ميرخان وليامز نائبة المفوضة العامة للجنة العليا لحقوق الإنسان، والدكتور مانفريد نوفاك (النمسا) المقرر العام للجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب، والدكتور ميكلوس هاراسزتي (هنغاريا) مسؤول قسم حرية الصحافة في منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، والسيدة روبينا مورينغ نائبة رئيس منظمة (مراسلون بلا حدود)، والمنتجة الإعلامية في التلفزيون النمساوي، والسفير فالتر لايخيم الرئيس السابق لإدارة شؤون الأمم المتحدة بوزارة الخارجية النمساوية.
في بداية الندوة تحدثت السيدة ميرخان وليامز عن أهمية دور الأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان، فاعترفت بوجود كمٍ هائلٍ من التحديات التي تواجه الالتزام بتطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصاً وروحاً، والتعديات القائمة في الكثير من مناطق العالم على الحريات العامة، وخصوصاً حرية الصحافة في إطار كم الأفواه ومنع وصول الحقيقة للرأي العام. وأكدت قناعتها التامة بعدم وجود حرية مطلقة لأجهزة الإعلام في عدد من الدول المستبدة، ولكنها شدّدت على أهمية الدور البارز الذي تقوم به السلطة الرابعة (الصحافة المكتوبة والمرئية) ورجال الإعلام في مختلف نواحي الحياة، وتوعية المواطنين، والمساهمة الفعالة في تكريس العدالة والمساواة وتعزيز الحرية والنظم الديمقراطية وسيادة حكم القانون.
كما أعربت السيدة وليامز عن اعتقادها القوي بأهمية الدور البارز للأمم المتحدة وحكومات الدول الأعضاء والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في حماية حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب وشتى مظاهر قمع الحريات العامة والتسلط والاستبداد والظلم، مشيرةً إلى أن المنظمة الأممية ساهمت مساهمة فعالة بُعيد تأسيسها في صياغة وإقرار الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948. وعبّرت وليامز عن بالغ الأسف والقلق لاستمرار انتهاك حقوق الإنسان، وشدّدت على ضرورة التزام جميع الدول بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصاً وروحاً، كي لا يظل مجرد حبرٍ على ورق، على حد تعبيرها. وفي هذا السياق، أكدت نائبة المفوضة العليا لحقوق الإنسان التي ستحال على التقاعد في غضون اسبوعين بأن “حماية حقوق الإنسان الكاملة، وفي طليعتها كرامته واحترام حقه في الحياة الحرة الكريمة، هي كلٌ لا يتجزأ، وهي مسؤولية جميع الدول والأفراد والمجتمعات الدولية التي تبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتوافق الآراء”.
ثم تحدث الدكتور مانفريد نوفاك، فأوجز أنشطة اللجنة الدولية لمكافحة التعذيب بكافة أشكاله وألوانه ومن أي مصدر كان، وأكد على “أهمية الدور المحوري للأمم المتحدة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية وخاصة منظمات المجتمع المدني في تكريس وحماية حقوق الإنسان على نطاق عالمي”. ولكنه أعرب عن الأسف البالغ لاستمرار بعض الدول في الامتناع عن التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب، وذكر من بينها كوريا الشمالية وميانمار وكوبا وبيلاروس وأزباكستان، والتي وصفها بأنها دولاً “لا تحترم بالكامل المبادئ والاهداف السامية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. وأعرب نوفاك عن اعتقاده القوي بأن “آفات الفقر والجهل والقمع والاستبداد والظلم وفقدان الحريات العامة والعدالة والمساواة وغياب النظم الديمقراطية وسيادة حكم القانون، هي في طليعة التحديات التي تواجه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان فيينا لعام 1993 في عدد من الدول في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية”.
وبعدما أكد نوفاك وجود الكثير من عمليات وانشطة التعذيب التي قال إنها تتم “خلف الكواليس وفي زنازين السجون والمعتقلات”، وجه أقذع الانتقاد والإدانة لمرتكبي الانتهاكات المبرمجة لحقوق الإنسان التي يقوم بها بعض المسؤولين عن الأجهزة القمعية في السلطات الحكومية، مثل رجال البوليس والمحققين، والتي تُمارس بشكل صارخ ضد المعتقلين وسجناء الرأي في بعض الدول، وذكر من بينها إسرائيل والعراق والأردن وروسيا وتشيلي والكونغو والصين وكوبا، وخصوصاً في سجن غوانتانامو، والتي تشكل انتهاكاً صارخاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي ختام كلمته دعا رئيس اللجنة الدولية لمكافحة التعذيب المجتمع الدولي وجميع حكومات الدول الاعضاء في الأمم المتحدة إلى ضرورة توفير الإرادة السياسية اللازمة، وتفعيل آليات العمل المشترك من أجل تأمين وتطبيق العدالة والمساواة والحرية والمبادئ الديمقراطية، والتي اعتبرها من أهم القواعد الأساسية لمكافحة التعذيب ومنع انتهاكات حقوق الإنسان.
وأبلغت السيدة ميرخان وليامز (اللـــــــــواء) قولها أنه إلى أنه ليس من مسئوليتها الحديث في ندوة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن انتهاكات معينة لحقوق الإنسان في أي دولة من الدول الأعضاء، واعترفت بوجود عوامل كثيرة تساهم في انتهاك حقوق الإنسان من بينها الفقر والأمية والحروب الأهلية النزاعات. وفي هذا السياق، أعربت السيدة وليامز عن اعتقادها القوي بأن “النزاع العربي الإسرائيلي، واستمرار تفاقم التوتر والأوضاع الامنية في الشرق الأوسط، وخصوصاً في فلسطين والعراق وإقليم دارفور والصومال، والصراعات السياسية هي من أبرز العوامل التي تدفع إلى انتهاك حقوق الإنسان”.
ورداً على سؤال لـمراسل (اللــــواء) في فيينا حول واقع حقوق الإنسان والتحديات القائمة في فلسطين والعراق، أشار ألفريد نوفاك إلى الترابط القائم بين حقوق الإنسان وكلٍ من الأمن والسلم والتنمية الشاملة والعدالة والمساواة والحريات العامة وفي طليعتها حرية الصحافة والديمقراطية. وأتهم إسرائيل بأنها تُمارس انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني على نطاق واسع وعلني تحت ستار الدفاع عن النفس. وأكد قوله “إن وضع حقوق الإنسان في العراق في عهد صدام حسين كان وضعاً سيئاً، ولكنه ازداد سوءاً بعد دخول القوات الأجنبية”. وشدّد على القول أن نظام حكم صدام حسين تسبب بمقتل عدد كبير من أبناء الشعب العراقي. ولكنه عبر عن معارضته للحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في العراق يوم الأحد الماضي والقاضي بإعدام صدام حسين وأخيه غير الشقيق ورئيس المحكمة الثورية السابقة، وقال إنه يعارض أصلاً تطبيق عقوبة الإعدام، وطالب بإحالة صدام حسين والمسؤولين العراقيين السابقين المتورطين بجرائم إلى المحكمة الدولية المعنية بمكافحة مجرمي الحرب كما حصل بالنسبة للرئيس اليوغسلافي السابق ميلوسوفيتش.
وفي الجلسة الثانية تحدث ميكلوس هاراسزتي عن حرية الصحافة والإعلام في دول منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وركز بشكل خاص على واقع ومستقبل الحريات الصحافية وحقوق الإنسان في وسط أوروبا، في حين تحدثت روبينا مورينغ عن العديد من المشاكل والعقبات التحديات التي تواجه منظمة مراسلين بلا حدود، ولا سيما عندما يتعاملون مع مسائل سياسية وأمنية جوهرية تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان؛ بينما تحدث السفير والتر لايخيم عن دور الصحافة ووسائل الإعلام في تشخيص أوضاع وحقوق الإنسان والتنمية البشرية ولا سيما عندما تتعاطى مع نقل الحقائق والوقائع ذات الصلة كما هي إلى الرأي العام.