رفعت 48 ولاية أمريكية والحكومة الفيدرالية رسمياً دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار ضد شركة فيسبوك لإجبارها على التخلي عن انستغرام وواتساب، فماذا يعني ذلك؟ إمبراطورية مارك زوكربيرغ على وشك أن تتفكك، لكن متى؟
الاستحواذ على إنستغرام وواتساب
على مدى أكثر من 14 شهراً، كان مكتب المدعية العامة في ولاية نيويورك، ليتيتيا جيمس، يحقق مع فيسبوك؛ بحثاً عن ممارسات محتملة مانعة للمنافسة، والأربعاء 9 ديسمبر/كانون الأول، وقَّع 40 مدعياً عاماً على شكوى، وذلك بالتوازي مع تحقيقات لجنة التجارة الفيدرالية المتعلقة بمكافحة الاحتكار بشأن فيسبوك والتي كانت جارية منذ يونيو/حزيران 2019.
وفي مؤتمر صحفي، الأربعاء، قالت جيمس: “منذ ما يقرب من عقد من الزمان، استخدم فيسبوك هيمنته وقوته الاحتكارية لسحق المنافسين الأصغر والقضاء على المنافسة… باستخدام مجموعاتها الضخمة من البيانات والأموال، سحق فيسبوك أو أعاق ما اعتبرته الشركة تهديدات محتملة”.
وما تقصده جيمس هو استحواذ فيسبوك على تطبيق إنستغرام عام 2012 مقابل مليار دولار، ثم الاستحواذ على تطبيق واتساب عام 2014 مقابل 19 مليار دولار، وهو ما يطرح تساؤلاً منطقياً بشأن مرور سنوات طويلة منذ أن تمت الصفقتان، ولابد أنهما خضعتا للتدقيق الفيدرالي وقتها، فلماذا الآن؟
وهذا ما جاء بالفعل في الرد الأول لـ”فيسبوك” على التحركات ضد الشركة: “بعد سنوات من قيام لجنة التجارة الفيدرالية بتصفية عمليات الاستحواذ الخاصة بنا، تريد الحكومة الآن إلغاء الأمر دون اعتبار لتأثير تلك السابقة على مجتمع الأعمال الأوسع أو الأشخاص الذين يختارون منتجاتنا كل يوم”.
لكن القصة ليست بتلك البساطة ولا تتعلق بالتوقيت فقط، فقبل ثماني سنوات لم يكن فيسبوك يمتلك ما يمتلكه اليوم من تأثير هائل على حياة سكان الكرة الأرضية، كما أن التحقيقات بشأن الممارسات الاحتكارية للشركات الأربع الأكبر في مجال التكنولوجيا، وبصفة خاصةٍ فيسبوك، ليست وليدة اللحظة.
فقد شهد الكونغرس جلسة استماعٍ تاريخية في يوليو/ تموز الماضي، خضع خلالها الرؤساء التنفيذيون لشركات آبل، وأمازون، وجوجل، وفيسبوك، لما يشبه المحاكمة أمام لجنة مكافحة الاحتكار في مجلس النواب الأمريكي، وتوقع كثيرون أن حملة غير مسبوقة لِسَنِّ تشريعات لمكافحة الاحتكار ربما تؤدي إلى تفكيك تلك الشركات في نهاية الأمر.
لماذا يمثل فيسبوك خطراً على الأمريكيين؟
وتوجه الشكوى التي تقدمت بها الولايات ولجنة التجارة الفيدرالية، اتهامات إلى عملاق وسائل التواصل الاجتماعي بإساءة استغلال هيمنته بالسوق الرقمية والانخرط في سلوك مضاد للمنافسة.
وبحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي بعنوان “لماذا تريد الحكومة أن تبيع فيسبوك وإنستغرام وواتساب”، تسعى لجنة التجارة الفيدرالية إلى إصدار أمر قضائي دائم في المحكمة الفيدرالية يمكن أن يطلب من شركة فيسبوك سحب الأصول التي تمتلكها، مثل إنستغرام وواتساب، وتريد الوكالة أيضاً أن تطلب من فيسبوك إشعاراً مسبقاً وموافقة لعمليات الاندماج والاستحواذ المستقبلية.
وقال إيان كونر، مدير مكتب المنافسة بلجنة التجارة الفيدرالية، في بيان: “تعد الشبكات الاجتماعية الشخصية أساسية في حياة ملايين الأمريكيين”، وأضاف موضحاً أن “إجراءات فيسبوك لترسيخ احتكاره والحفاظ عليه تحرم المستهلكين من منافع المنافسة. هدفنا هو دحر سلوك فيسبوك المضاد للمنافسة واستعادة المنافسة؛ حتى يزدهر الابتكار والمنافسة الحرة
وعبَّرت جيمس عن المعنى نفسه بقولها: “لقد سحقوا الابتكار وخفضوا من إجراءات حماية الخصوصية لملايين الأمريكيين”، مضيفةً للصحفيين: “يجب ألا تحظى أي شركة بذلك القدر من السلطة المطلقة على معلوماتنا الشخصية وتعاملاتنا الاجتماعية”.
استخدام فيسبوك لا يقتصر بالطبع على الأمريكيين، فهو المنصة الاجتماعية الأولى عالمياً ويتخطى عدد مستخدميها اليوم نحو 2.7 مليار شخص، دون حساب مستخدمي واتساب وإنستغرام، ومن ثم فإن أي إجراءات تتخذها الحكومة الأمريكية تجاه الشركة سيكون لها تأثير على مستخدميها حول العالم.
تفكيك إمبراطورية زوكربيرغ
من الواضح أن هناك بالفعل دوافع للقلق بشأن ممارسات فيسبوك في القضاء مبكراً على فرص المنافسة من خلال الاستحواذ على الشركات الأصغر أو حتى محاكاة المميزات التي قد تقدمها للمستخدمين، لكن يظل السؤال قائماً بشأن كيفية مواجهة تلك الممارسات من خلال قوانين وُضعت قبل عقود ولم يكن التطور التكنولوجي الهائل قد فرض نفسه كما هو الحال الآن، فما العمل إذن؟
ما تطالب به الدعاوى القضائية هو إجبار فيسبوك على التخلي عن ملكية إنستغرام وواتساب، لكن تحقيق هذه الغاية قد يكون صعباً، وحتى في حالة صدور حكم من المحكمة الفيدرالية بتنفيذه، فالأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً، بحسب خبراء القانون. فالدعوى القضائية نفسها قد تستغرق سنوات، وقال عدد من خبراء القانون لموقع Vox، إن إجراءات الدعوى نفسها لن تبدأ قبل العام المقبل وربما حتى 2022
أما النقطة الأكثر تعقيداً فتتعلق باستمرار فيسبوك في تشبيك تطبيقاته معاً بصورة تجعل الفصل بينها عملية صعبة ومعقدة تماماً في حالة صدور أمر قانوني بالتفكيك فعلاً، وقد أعلن فيسبوك عام 2019، أنه سوف يبدأ في دمج البنية التحتية التقنية لأنظمة الرسائل المباشرة التي يستخدمها واتساب وإنستغرام وماسنجر. كما أن الشركة لديها طموحات أكبر بشأن واتساب، وأشارت إلى أنها قد تربط بين التسويق عبر فيسبوك وإنستغرام ومنصة الرسائل.
والنقطة الأخرى التي قد تعرقل تفكيك إمبراطورية زوكربيرغ، تتعلق بالتأثير السلبي الذي قد يُحدثه أمر قضائي بتفكيك الشركة، وهذا ما عبَّر عنه دان إيفز، محلل في شركة ضمانات “ويدبوش”، لوكالة بلومبيرغ، بقوله: “أوامر تفكيك الشركات مخيفة بالنسبة للمستثمرين، لأنها قد تؤدي إلى التأثير السلبي على النموذج التجاري نفسه”.
ويرى كثير من الخبراء أن فرصة صدور أمر قضائي بتفكيك فيسبوك أو إجبار الشركة على التخلي عن ملكية واتساب وإنستغرام لا تعتبر كبيرة، إلا إذا تم إدخال تعديلات تشريعية من خلال الكونغرس، وهو ما يعني أن فيسبوك سيظل محتفظاً بمكانته كعملاق شركات التكنولوجيا لسنوات قادمة، بحسب إيفز.
وتعود آخر دعوى تقنية كبرى لمكافحة الاحتكار إلى القضية التاريخية للحكومة الأمريكية ضد مايكروسوفت في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين.