من الهندو-أوروبية إلى الألتائية – كيف نشأت اللغات وما هي كبرى العوائل اللغوية في العالم؟

لا شكَّ في أن فكرة البحث عن أصل اللغة أحد أكثر المواضيع التي يختلف عليها الباحثون التاريخيون، على الرغم من وجود شجرة العائلات اللغوية التي تشرح كل لغة وأصلها.

ويعتقد الباحثون أنّ سكان العالم يتحدثون نحو 6900 لغة، وكل هذه اللغات تندرج تحت ما يسمى عائلة لغوية وعددها تقريباً 147 عائلة، انقرض منها نحو 12 عائلة، وفق ما ذكره موقع World Atlas.

ما هي العائلات اللغوية؟

يسمى مصطلح “العائلة اللغوية” عندما يكون لدينا عدد من اللغات التي تشترك في أصل تاريخي مشترك مهما بدت غربية عن بعضها أو مهما تباعدت أماكن سكانها، ولكن العلماء يجدون نوعاً من المقاربة بين الألفاظ الأساسية فيها.

إذ إن اللغات تصنَّف على أساس تركيبها اللغوي وقواعدها وليس الكلمات المستخدمة فيها، فهناك كثير من اللغات التي تحتوي على كلمات مستوردة من لغات أخرى مثل التركية مثلاً، ففيها كلمات كثيرة مستوردة من العربية والفارسية والفرنسية والألمانية.

ويسمي اللغويون كل سليل من عائلة اللغة “لغة ابنة”، وجميع المتحدثين داخل عائلة لغوية جزء من مجتمع حديث مشترك.

وتُبرز أهمية دراسة اللغات بالنسبة للباحثين والمؤرخين أن هناك ربطاً بينها وبين الطريق الذي سلكته تلك العائلات اللغوية منذ بدء التاريخ.

ما هي النظريات التي تقف وراء إنشاء العائلات اللغوية؟

يعدُّ تعريف ابن جنّي، العالِم النحوي الكبير، للغة هو الأشمل من بين كثير من التعريفات التي حاول العلماء وصف اللغة فيها، إذ قال: “اللغة هي عبارة عن أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم”.

كما أنّ هناك الكثير من النظريات التي وصفت نشأة اللغات، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لجامعة “بابل” العراقية، وأبرزها كان:

نظرية التوقيف أو الإلهام

يرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة إلهام من الإله، وهي نظرية قديمة نوعاً ما، وقد لاقت قبولاً كبيراً بين أصحاب الديانات، مستدلين على ذلك بقوله تعالى: “وعلَّم آدم الأسماء كلها”.

النظرية الاصطلاحية

يرى أصحاب هذه النظرية أن هناك مجموعة من البشر استوطنوا منطقة معينة وبدؤوا بإطلاق ألفاظ أو مسميات لجميع الأشياء من حولهم، كالكائنات الحية وغير الحية والأشياء المادية والمعنوية، وقد دعا إليها ابن جني في كتابه “الخصائص”.

النظرية الغريزية أو الفطرية أو الاستعداد الفطري

أول من دعا إلى هذه النظرية هم فيثاغورس وأفلاطون والرواقيون، حيث يرون أنَّ اللغة نشأت نشأة طبيعية وهي نتيجة الاستجابة الفطرية للإنسان التي تفرضها حاجاته مثل الحاجة إلى الطعام والشراب والنوم وغيرها، وأيدهم اللغوي الألماني كماكس مولر، وسمى هذه النظرية (نظرية دنج دونج)، أي الاستعداد الفطري في الإنسان.

نظرية الصرخات الانفعالية أو التنفيس عن النفس

دعا إلى هذه النظرية اللغوي الفرنسي جوزيف فندريس بكتابه “اللغة”، وذكر أن الإنسان يعبر تعبيراً تلقائياً عند الإحساس بالألم أو الفرح أو الحزن أو القلق أو الخوف، وهو تعبير تلقائي فطري يمثل المظهر الأول من مظاهر اللغة عند الإنسان، ثم تطور هذا المظهر وأصبح لكل قوم في بيئة لغوية مظهر لغوي يختلف عن مظاهر الأقوام الأُخرى.

نظرية المحاكاة أو تقليد أصوات الطبيعة

ويرى أصحاب هذه النظرية، أمثال هردر وابن جني، أن أسماء الأشياء مقتبسة من أصواتها، وهي تقليد لأصوات الطبيعة التي تصدرها الكائنات الحية كالإنسان والحيوان أو غير الحية كالظواهر الطبيعية.

وقال ابن جني في كتابه “الخصائص”: “إن أصل اللغات كلها من الأصوات المسموعات كصوت الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الحصان)، والدليل هو أن لغة الأطفال تبدأ بأصوات ثم المقاطع ثم الكلمات ثم الجمل والسياق.

كبرى العائلات اللغوية في العالم.. الهندو-أوروبية – 2.910 مليار

عائلة اللغات الهندو-أوروبية هي الأكبر في العالم، وتتكون من 437 لغة ابنة ولديها ما يقدَّر بنحو 2.91 مليار متحدث في جميع أنحاء أوروبا وآسيا.

يمثل هذا العدد من المتحدثين ما يقرب من نصف إجمالي سكان العالم.

العديد من اللغات في عائلة اللغات الهندو-أوروبية وتستخدم على نطاق واسع، وضمن ذلك:

(الإنجليزية، والإسبانية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، والبنجابية، والبنغالية، والهندوستانية).

وتنحدر كل هذه اللغات الحديثة من Proto-Indo-European، التي تطورت خلال العصر الحجري الحديث.

ومع انتشار السكان في جميع أنحاء المنطقة، خلقت حواجز المسافة والحواجز الجغرافية جيوباً معزولة من الحضارات.

ومع مرور الوقت، تشكلت لغات ولهجات جديدة من اللغات المبكرة التي تشمل اللاتينية واليونانية الميسينية والفيدية السنسكريتية.

الصينية التبتية – 1.268 مليار

تعد عائلة اللغات الصينية التبتية ثاني أكبر عائلة في العالم، وتتكون من 453 لغة ابنة ولديها نحو 1.268 مليار متحدث في جميع أنحاء آسيا.

بعض هذه اللغات لا يتحدث بها سوى مجموعات صغيرة تعيش في أماكن نائية.

وتعني هذه العزلة أن اللغويين لم يتمكنوا من إجراء بحث شامل عن هذه اللغات وتوثيقها.

اللغات الابنة الصينية التبتية الأكثر انتشاراً هي اللغات التبتية والبورمية والصينية.

من بين هؤلاء، فإن اللغة الصينية وجميع أنواعها ولهجاتها بها 1.3 مليار متحدث، أكثر من أي لغة أخرى في العالم. تطورت جميع اللغات الصينية التبتية الحديثة من لغة Proto-Sino-Tibetan.

النيجر والكونغو – 437 مليوناً

ثالث أكبر عائلة لغوية في العالم والأكبر بإفريقيا هي النيجر والكونغو.

تتكون من 1524 لغة ابنة، ولديها نحو 437 مليون متحدث في جميع أنحاء إفريقيا.

تنقسم عائلة اللغة هذه إلى 6 مجموعات فرعية: كاتلا، أطلنطي-كونغو، إيجو، دوجون، ماندي، ورشاد.

ومن بين لغات النيجر والكونغو، تعتبر اللغة السواحيلية هي الأكثر استخداماً، حيث يتراوح عدد المتحدثين بها بين 2 و 15 مليوناً، وما بين 50 و100 مليون متحدث للغة الثانية.

كما أنها اللغة الرسمية لكينيا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

ومع ذلك، يوجد في اللغات الأخرى عدد أكبر من المتحدثين الأصليين، من ضمنهم الإيغبو والشونا واليوروبا والفولا.

الأسترونيزية – 386 مليوناً

تعد عائلة اللغة الأسترونيزية رابع أكبر عائلة في العالم من حيث عدد المتحدثين.

تتكون من 1224 لغة ابنة، ولديها ما يقرب من 386 مليون متحدث منتشرين في جميع أنحاء أوقيانوسيا وجنوب شرقي آسيا البحري وبعض المناطق بالبر الرئيسي لآسيا.

من حيث عدد اللغات، فهي ثاني أكبر عائلة لغوية في العالم وتمثل 20% من اللغات التي يتم التحدث بها في العالم اليوم.

تشمل بعض اللغات الأسترونيزية الأكثر انتشاراً الجاوية والتاغالوغ والماليزية.

وقد غطت هذه العائلة اللغوية ذات يوم، أكبر منطقة على وجه الأرض، حتى تجاوزتها الأسرة الأوروبية الإندونيسية خلال حقبة الاستعمار الأوروبي.

إفريقية-آسيوية – 350 مليوناً

تعد اللغات الإفريقية-الآسيوية أو اللغات الأفراسيوية خامس أكبر عائلة لغوية في العالم، ويتحدث بها ما يزيد على 350 مليون نسمة.

وتعد العربية أكثر اللغات استعمالاً في هذه المجموعة بما يزيد على 230 مليون نسمة في كل من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما توجد اللغة الأمازيغية أو البربرية في شمال إفريقيا بعدد متحدثين ما بين 25 و35 مليون نسمة.

إضافة إلى ذلك توجد لغة الهوسا في شمال نيجيريا وجنوب النيجر بنحو 25 مليون شخص، واللغة الأمهرية في إثيوبيا بنحو 25 مليون شخص.

وتُعرف اللغات الأفراسيوية بأنها اللغات الحامية الساميو وهي إحدى المجموعات اللغوية الرئيسية التي تنقسم إليها لغات العالم، كما أنها تمتلك أطول تاريخ مسجل من أي عائلة لغات أخرى.

درافيدية – 229 مليوناً

تعتبر عائلة اللغة الدرافيدية سادس أكبر عائلة، وتضم نحو 23 لغة، ويبلغ عدد الذين يتحدثون بها حول العالم ما يقرب من 229 مليون شخص.

موطن هذه اللغة الحالي في جنوب الهند، غير أنها انتشرت بجميع أنحاء آسيا الجنوبية وما بعدها: (الهند، سريلانكا، وباكستان، وبنغلاديش، وميانمار، وسنغافورة، وماليزيا، وجنوب إفريقيا، وجزر فيغي والبحر الكاريبي).

ألتائية – 80 مليوناً

أما سابع أكبر عائلة لغوية في اللغات فهي ألتائية وتضم 3 أسر هي: التركية والمنغولية والمنشورية التنغوسية، في حين يختلف العلماء على أسرتين آخريين هما: اليابانية والكورية.

ويتجاوز عدد الناطقين بالألتائية أكثر من 80 مليون نسمة، مما يجعلها أكثر لغة محكيَّة من بين عائلة اللغات التركية.

 

 

شاهد أيضاً

برعاية ريد بول النمساوى.. تفاصيل رحلة ثنائي الأهلي محمد هاني وكريم فؤاد إلى النمسا

يستعد ثنائي الأهلي المصري، للسفر إلى دولة النمسا للخضوع لكشف طبي واستكمال مرحلة التأهيل من …