كلمة الأرشمندريت الأب الدكتور عطا الله حنا

– الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس والأراضي المقدسة –

الإخوة والأخوات جميعاً؛

من القدس الشريف أبعث إليكم بأطيب التمنيات والأدعية من أجل حفظكم وتوفيقكم ونجاح مؤتمركم الهام، كما وأتوجه بالتحية الخالصة المقرونة بكل تقدير لمركز العودة الفلسطيني الذي أعدّ لهذا المؤتمر ودعا إليه.

كما وأودّ أن أنقل إليكم جميعاً تحية القدس ومقدساتها ومؤسساتها وفعالياتها وأهلها الفلسطينيين الصامدين في مدينتهم وفي وطنهم الحبيب.

يأتي انعقاد مؤتمركم في ظل مؤامرة مستمرة ومتواصلة منذ سنوات تستهدفنا كفلسطينيين في الصميم، وتستهدف قضيتنا العادلة، حيث أنّ إسرائيل ومن يدعمها يرغبون بتصفية القضية الفلسطينية ويسعون إلى ذلك بكل ما أوتوا من قوة، إذ أنهم يريدون فرض حلول غير منصفة علينا تضمن الأمن والأمان لإسرائيل ولكنها لا تعيد الحقوق المشروعة لأصحابها الشرعيين.

يحدثونك عن مشروع سلام بشرق أوسط جديد، ولكن على الأرض نرى بأنّ القمع والعدوان والإرهاب الاحتلالي مازال مستمراً ومتواصلاً، وهنالك جدران وحواجز تُقام هنا وهناك لكي تجعل حياة المواطن الفلسطيني أكثر صعوبة، كما أنّ القتل والتنكيل وهدم البيوت وتجريف الأراضي هي من أبرز عناصر هذا الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدثون عنه.

ولعلّ الأخطر من هذا وذاك هو ما يحصُل في مدينة القدس من تهديدات بحق المسجد الأقصى المبارك، وبحق المقدسات والأوقاف المسيحية، والتهديدات المتواصلة بحق الرموز الوطنية الفلسطينية في القدس.

هذا يجعلنا نكون حذرين جداً في التعاطي مع ما يسمى بمشروع السلام الذي يريدون فرضه علينا، فنحن غير مقتنعين بأنّ هنالك مجالاً وإمكانية للسلام في ظل هذه المعطيات، فإسرائيل تتحدث عن السلام ولكن على الأرض تطبِّق مشروعها الاستعماري الاحتلالي، وبالتالي فإننا لا نثق بكلامهم وبطروحاتهم التي يحلو للبعض أن يروِّجها.

وما تريده إسرائيل منا لكي نكون سلاميين وفق منظورها للسلام؛ هو أن نتنازل عن القدس وأن نتنازل عن حق العودة لكي نكون متحضرين وغير إرهابيين، كما تقول.

لا أعتقد بأنّ هنالك فلسطيني واحد أو عربي واحد يقبل بالتنازل عن القدس أو عن حق العودة أو عن غيرها من الحقوق المشروعة لشعبنا، وبالتالي فإنّ مؤتمركم، كما سائر المؤتمرات الوطنية؛ يجب أن يجيب على هذه التساؤلات، والجواب في منظورنا هو لا وألف لا لمشاريع السلام الاستسلامية التي يريدون فرضها علينا دون أن نحصل على شيء، فإذا ما كانت القدس مقدسة، وهي كذلك، فحق العودة لا يقلّ قدسية عن القدس، لأننا نعتقد بأنّ المقدّسات هامة ولكن ما قيمتها بدون المقدسيين، أعني بذلك الفلسطينيين، فبقدر اهتمامنا بالحجر يجب أن نهتم بالبشر، فلا يجوز التغني بعروبة القدس وفلسطينيتها دون العمل من أجل دعم صمود المقدسيين فيها، وهم مستهدوفون كمقدّساتها، فإٍسرائيل تريد ترحيل كافة المقدسيين الفلسطينيين لكي تقول للعالم بأنّ القدس عاصمتها الأبدية، ولذلك لكي نحافظ على المقدّسات يجب أن نساند وأن ندعم الإنسان الذي هو سدنة المقدسات والمدافع الأول عنها في الخطوط الأمامية للمواجهة.

القدس تستصرخكم وأنتم تجتمعون اليوم، وتدعوكم لكي تنقذوها من الكارثة المحدقة بها، فأعداء الأقصى الذين يريدون تدنيسه هم أنفسهم الذين يسعون للاستيلاء على الأوقاف والعقارات الأرثوذكسية، التي يسعى نفر من العملاء المرتزقة لتسريبها للاحتلال، وهؤلاء لا يمثلون شيئاً سوى أنفسهم.

أتمنى أن يكون هنالك حيِّز للقدس في مؤتمركم، كما أنّ حق العودة يبقى هاجسنا ورمزاً من رموز قضيتنا الوطنية العادلة.

ولا بد لنا في هذا المضمار أن نؤكد وحدتنا الوطنية الإسلامية المسيحية في الوطن وفي بلاد الاغتراب، فهذه الوحدة هي مصدر صمودنا وإبائنا الوطني، ومصدر إزعاج للاحتلال الذي يسعى دائماً لإثارة الفتنة والفرقة في صفوف أبناء شعبنا، فالاحتلال يريد أن نكون ضعفاء من خلال زرع بذور الفتنة في صفوفنا وبين ظهرانينا، ونحن بدورنا نواجه هذه المؤامرة بكل وعي وحكمة، فوحدتنا الوطنية اليوم هي أقوى وأمتن من أي وقت مضى، فنحن شعب واحد في مواجهة الطغيان والاحتلال والاستعمار.

وفي المسيحية هنالك ثقافة وفكر يحث على الدفاع عن حقوق الإنسان، فلا يجوز إطلاقاً أن نرى المعذّبين والمهمّشين وأن نكون مكتوفي الأيدي.

فالمسيحية تحثنا، كما الإسلام الحنيف، أن نقف إلى جانب المظلومين في هذه الدنيا، لا إلى جانب الظالمين، فكم بالحري عندما يكون المظلوم شعبنا ونحن منه وإليه، فالكنيسة داعمة للحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني، وكل مؤسساتها مسخّرة في خدمة هذا الإنسان المعذب المظلوم، أما الجماعات المتصهينة في الغرب المتآمرة مع الاحتلال والمبررة لما يقوم به؛ فهي لا علاقة لها بالمسيحية لا من قريب ولا من بعيد، فالداعم للاحتلال والطغيان لا يمكنه أن يكون مسيحياً، والمسيحي الحقيقي هو الواقف مع شعبنا الفلسطيني والمنادي بزوال الاحتلال والظلم إلى الأبد، والكنيسة مع عودة القدس إلى أصحابها محرّرة من الاحتلال البغيض لكي تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، كما أنها (أي الكنيسة) تقف إلى جانب النازحين والمهجّرين والمنفيين من أبناء شعبنا، وتطالب بعودتهم إلى وطنهم، فالوطن للشعب كما أنّ الشعب للوطن، فلا يجوز إطلاقا أن يُحرَم أيّ إنسان فلسطيني من العودة إلى وطنه، ومن ينفي حق العودة فهو بعيد كل البعد عن الانتماء الأًصيل إلى الأمة العربية والوطن والدين، فحق العودة ليس شعاراً وإنما مطلبٌ أساسي وشرط أوّلي لأيِّ حلٍّ مستقبلي.

أما أولئك الذين يتعاملون مع الاحتلال ويسرِّبون الأوقاف والعقارات، أيّاً كان دينهم أو انتماؤهم؛ فإنما هم يرتكبون جُرماً كبيراً وخيانة عظمى للدين والوطن، فهؤلاء يجب أن يُساءَلوا ويُحاسَبوا على ما أقدموا عليه، لأنّ التفريط بالعقارات، وخاصة في القدس، هو مساهمة في سياسات التهويد والأسرلة، وهو أمر نستنكره ونشجبه جملةً وتفصيلاً، معتبرين بيْعَ الأرض أو تأجيرها للإسرائيليين جريمة نكراء.

الأخوة والأخوات الكرام؛

إنّ لكم دوراً هاماً في دعم صمود شعبنا، وقد أثبتم في البلاد التي تقيمون فيها أنكم سفراءُ لفلسطين ولقضية شعبها العادلة، فنحن نحثكم على مواصلة نشاطاتكم الوطنية وإبرازكم لعادلة قضيتنا في المحافل الدولية، لكي تصل كلمتنا إلى كلِّ مكان، وهي الكلمة التي يسعى الاحتلال وأعوانه لحجبها، فأنتم جزء أصيل وهام من شعبنا وأمتنا.

أكرر تحيتي لكم مع تمنياتي لمؤتمركم بالتوفيق والنجاح.

أخـوكم عطـا الله حنـا

شاهد أيضاً

تفاصيل نص العرض الذي سُلّم لحماس لوقف إطلاق النار في غزة – مكوّن من 3 مراحل

خلال ساعات، يتوقع أن تسلم حركة حماس ردّها على العرض الذي نقله إليها الجانب المصري …