لم تتوقع الإعلامية والشاعرة “أطوار بهجت” (26 عاما) أن تكون قناة العربية آخر محطاتها الإعلامية، فمنذ انتقلت إليها منذ 3 أسابيع وهي تعتبرها وسيلة لنقل معاناة العراقيين مع الاحتلال، وما يثيره من عنف داخلي يطال الأبرياء، لم تتوقع أن تنضم لقائمة اغتيال الإعلاميين، التي سجلت مقتل 63 صحفيا خلال 2005 وفق تقرير لمنظمة “صحفيون بلا حدود” صدر في يناير 2006، ولكنها قسوة الحرب التي لا تعرف الرحمة.
شهيدة الواجب
كانت قناة العربية أعلنت الخميس 23-2-2006 عن مقتل مراسلتها واثنين من طاقم القناة إثر اختطافهم من قبل مسلحين في أثناء تغطيتهم لتفجيرات مرقد الإمام علي الهادي وحسن العسكري في مدينة سامراء.
كما ذكرت القناة أن “أطوار بهجت” قررت التوجه لتغطية التفجيرات بعد أن كان مقررا لها أن تتوجه إلى مدينة كركوك لتصوير حلقة من برنامج “مهمة خاصة”، وقالت مراسلة العربية “هدير الربيعي”: إن أطوار أصرت على التوجه إلى المدينة رغم “تحذيراتنا لها بخطورة الوضع هناك، إلا أن ذلك لم يمنعها لكونها تعشق عملها وتتفانى لأجله”.
وكشف “أحمد صالح” مراسل “العربية” في بغداد من خلال حديثه مع الناجي الوحيد من فريق القناة في سامراء ويدعى “أنمار عاشور” أن اثنين من المسلحين كانا في سيارة بيك آب توقفا بالقرب من المكان الذي كانت تتواجد فيه أطوار مع زملائها، وخرجا من السيارة وبدأا بإطلاق النار في الهواء وهما يصرخان “نريد المذيعة.. نريد المذيعة”.
وقد تسبب إطلاق النار في حدوث حالة من الفزع بين الأهالي الذين سارعوا بالاحتماء أو الهروب من المكان، وقام عاشور بالاحتماء في أحد الأماكن مراقبا الوضع.
ويتابع “صالح” نقلا عن الشاهد عاشور: إن أطوار تحدثت مع المسلحين وحاولت إقناعهما أن تقوم مع الفريق الإعلامي بتغطية إعلامية محايدة، لكن “ذلك الكلام يبدو أنه لم يقنع المسلحين، حيث أجبرا أطوار وزميليها على الصعود معهما في السيارة واقتيادهما إلى جهة مجهولة”.
من الشعر إلى الإعلام
شهدت مسيرة “أطوار بهجت” عدة محطات بدأتها كمذيعة في التلفزيون العراقي، وبعد اندلاع الحرب في العراق 2003 عملت مراسلة للفضائية اليمنية، ثم التحقت بطاقم قناة الجزيرة الفضائية، حيث تعرضت للاعتقال من قبل القوات الأمريكية في أثناء تغطيتها لانفجار عبوة ناسفة أدت إلى مقتل جندي أمريكي.
صدر لأطوار بهجت ديوان شعري بعنوان “غوايات البنفسج”، وفي حوار سابق لها مع جريدة الوطن العمانية، ذكرت أطوار أنها قبل احتلال العراق كانت تكتب عن الحب فقط، لكن منذ غزو بغداد وإلى الآن لا تكتب إلا عن الوطن الذي تشعر أنه سُرق في وضح النهار، على حد تعبيرها.
تقول أطوار عن طبيعة العمل الإعلامي في العراق: لا بد من الاعتراف أنه صعب جدا؛ لوجود معاناة كبيرة لدى الناس، وخصوصا عندما تنزل إلى الشارع العراقي، حيث تجد صعوبة في نظرة الناس لعمل الإعلامي، فالجميع يريد نقل الحقيقة وفق وجهة نظره، والذي ساعد الاحتلال في جعلها متباينة إلى حد كبير، وهنا يتحقق القول المأثور: رضا الناس غاية لا تدرك.
بأي ذنب قتلت؟
أثار مقتل مراسلة العربية “أطوار بهجت” تفاعل مشاهديها الذين عبروا عن مشاعرهم وتعازيهم من خلال التعليق على خبر اغتيالها، وجاء في مجمله يلعن الحرب والاحتلال والطائفية التي يروح الأبرياء ضحيتها. تقول نورة القحطاني -يمنية مغتربة-: أطوار المرأة البطلة الشجاعة التي كانت تؤدي رسالتها الإعلامية بكل صدق في خدمة شعبها وأمتها العربية.. تستحق أن تكون قدوة للفتيات الإعلاميات، اللهم ارحمها واغفر لها ونوّر قبرها وأدخلها فسيح جناتك واغسلها بالماء والثلج والبرد، واجعلها مع الصديقين والشهداء والأنبياء في جنات الفردوس الأعلى يا أرحم الراحمين.
ويقول كمال عثمانة -الأردن-: من يحترف قتل الصحفيين والعلماء العراقيين قطعا ليس عراقيا ولا عربيا ولا مسلما.. لمصلحة من ما يحدث بهذا البلد العظيم؟، وكما يقول رجال الشرطة دائما: ابحثوا عن المستفيد من الجريمة.. رحم الله الفقيدة وزملاءها وكل الشهداء.
ويقول أبو رامي: كنا في السابق نطلق على الأحداث الجسام التي تعصف بالأمة مسميات كالنكبة والنكسة، ولكن اليوم من كثرة النكبات والنكسات لم يعد لدينا الوقت لنحصيها، فكل يوم يمر على العراق وهو يرزح تحت نير الاحتلال نكبة، وكل قتيل عراقي سني أو شيعي نكبة، لقد طال القتل الجميع، ولم يعد هناك أمان، وأكثر المعرضين للقتل هم الأبرياء والشرفاء. كل هذه الحوادث وآخرها اغتيال صحفية ذات كفاءة عالية ومخلصة لأمتها، كل ذلك من صنع أمريكا، وخاصة بوش ومن حوله، لقد عبثوا بأمن العراق وسلامته، لقد أخرجوا بلدا عظيما من سياق التاريخ، ولن يسترد العراق عافيته ما دام أن هناك جنديا أجنبيا واحدا يدنس أرضه ويسحق بحذائه الثقيل بسمات أطفال العراق