يوميات مواطن مصرى راجع تانى فيينا ” عمر الدلق”

مقالات اكتوبر من  (1)إلى (8)

عدت إليك يا أم الدنيا، يا أم الانتصارات،  يا أم الجراح العميقة، يا أم الـ80 مليون، يا أم الفقر و الغنا، يا أم العلم و الجامعات في الشرق – و الأمية، يا صابرة على ما اُبتليت به من الأغراب – و من الأهل، يا قادرة على ركل الموجعين لك في أقل من لحظة – بمقياس عمر التاريخ – إن أراد أبناؤك، يا مصر أنت، و يا قاهرة.

هذا أقوله لأن خير ما أشدو به . . أني أحب بلدي.

أتمنى من المولى عز و جل أن أقضي وقتي مع والدَيّ في راحة و انتجاع من أرق و رتابة حياة العمل في فيينا، و لكن هيهات. فما أن وطأت أرض القاهرة حتى أخذتني سيارة أبي مباشرة إلى زيارة العمة المريضة في المستشفى، لأن من تبقى من الأهل  و الأقارب على قيد الحياه قد ابتُلي بأعراض الكبر و الشيخوخة، أسأل الله اللطف بعباده.

في اليوم التالي تميزت مراسم صلاة الجمعة بالهدوء و عدم التشنج و عدم التنطع في القول, بالرغم من تناول الخطيب لموضوع قلما لمسه واعظ واقف على منبر إلا و بدأ الصوت في الارتفاع, و الأيدي تطوح يمنة و يسرا، فقد أوضح سيادته معان جلية, و بأدلة قوية, و بطريقة ذكية: الجهاد و الشهادة, و كيف يمكن و بسهولة الحصول عليهما لرجال و نساء, حتى و لو لم يسعوا أو يسعُنَّ إليها.

لم يكن الموضوع اجتراراً لأمجاد الماضي التي صنعها أجدادنا عن علم و وعي. و لم يكن شحنا للهمم و تحفيزا للتعبأة، بل كان موجها في الأساس إلى الفرد، ماذا يفعل في نفسه حتى يرقى الدرجة المرجوة. و هذا بالفعل صحيح، أي أن الأساس و البناء التحتي الفردي هما حجرا زاوية في بناء أمة تفتقد هيبة الآخرين لها.

لم يكن الدعاء على المنبر للحاكم، و لم يكن ضده. ابتهل الشيخ لله تعالى بأن يعيد القدس لنا عودا حسنا, و يعيدنا إليها بعد أن يجلو العدوان عنها. لم يكن أمام الحضور سوى “آمين”، خرجت بصوت ليس خفيضا، و ليس ذليلا. ليس قويا أو جهيرا، بل بنبرة أقرب إلى عبرة، تنطق من عمقها الثقة في المولى عز و جل، و الحنق  و السخط على كل من له يد في الهوة الكارثية التي يُقذف فيها العرب واحدا بعد الآخر ابتداء بهم في فلسطين، و مرورا بالعراق، . . .إلخ.

عدت إلى البيت، ثم دخل والدي من بعدي يسألني على الفور أين أديت صلاة الجمعة، و إن كنت قد استمعت إلى فضيلة المفتي؟ نعم، فهذا الإمام الجليل الذي اكتسب ثقة و آذان الحضور بعقلية و موضوعية و واقعية، كان الإمام العلامة مفتي الديار المصرية، و ألقي في روعي (حتى قبل أن أعلم حقيقة شخصيته) بأنه – و على غير العرف السائد الآن – الرجل المناسب في المكان المناسب.

أعزائي، هذا هو رأيي الشخصي الذي كونته بسرعة و بناء على ما سمعته من الرجل خلال نصف ساعة فقط، ربما خالطني الخطأ في الحكم، و ربما أدركت بالفعل مكمون قلب الرجل، و هذا ما أرجوه إن شاء الله.

من مدينة 6 أكتوبر: عمرو الدلق

مقالات اكتوبر (2)

اسلمي يا مصر، اسلمي، فما أحوجك اليوم الى هذا الدعاء. الكبار يعيثون فيك فسادا، و الناس على دين ملوكهم. التعامل بين الناس بلغ حدا بشعا من السوء، فهو يفترض مبدئيا سوء النية في الآخر، فقل لي بالله عليك كيف يستوي فعل و كيف يُنجز عمل؟ الإنسان لم يعد هو هدف الدولة، بالمرة. بل الاستثمار، ربما. لا هدف واضح على أي حال. كل من يستطع أن يقتنص شيئا أيا ما كان، يؤتي عليه دون أن يبالي التبعات، أو إن كان هناك متضررون، لا لا لا . .  من كان مبدأه السراط المستقيم يضيق الطوق حول عنقه و تتصاعب عليه وسائل المعيشة القويمة يوما بعد يوم. البنية التحتية يتم التلاعب بها لصالح أشخاص معدودين، و الشكاوى تنظر أمام المحاكم، و موت يا حمار (و لا مؤاخذة). طبيعة التعاملات المالية بين الناس شديدة الغرابة، و مليئة بالمراوغة و سوء الظن. يا إلهي. كيف يمكن للإنسان العيش في سلام في مثل هذه الأجواء؟

إن هذا ما يقدم لي بعض التفسير لبشاعة الجرائم التي نسمع عنها بين وقت و آخر، و انعدام فرص الكشف عنها تقريبا، بسبب عموم الفساد؛ فالتحقيق يتم مع أول المشتبه فيهم بوسائل غير إنسانية، و تحت تهديد المتهم بالتنكيل بوالدته أو أخته إن لم يعترف، مع بذل أقل الجهد في التحقق من كونه الجاني بالفعل. و إن كان المجرمون عندنا قد انعدمت إنسانيتهم، فهذا هو حال جار السوء، الذي يدك البيوت على من فيها جميعا، نساءا و شيوخا و أطفالا و عسكر و شرطة و مسلم و مسيحي و حماسي وتقدمي و فتحي و إخواني و شيوعي و و و و. و هذا بعد حصار شعب أعزل بكامله شهورا و شهورا، لم يهوّن عليهم خلالها بين الفينة و الفينة سوى قارب “شِلِحْف” يحمل بضعة كراتين طعام و دواء لا تسمن و لا تغني من جوع، تُنْزَل على البر كنقطة ماء على حجر ساخن. وا غزّتاه . .  وا عروبتاه . .

المهم، الطقس هنا بارد بشكل غلس جدا، فالحرارة لا ترتفع لتصل إلى 20، و هذا شيء صعب في بيئة معمارية غير مؤهلة لهذه الظروف، وليس أمام الناس حل سوى الكلفتة و قضاء ليالي الشتاء المصري في اللحاف كلوب. ……

مدينة 6 أكتوبر: عمرو الدلق

مقالات اكتوبر (3)

أحمد الله على ما تبذله الحكومة من عناء في حسن اختيارها لوزرائها و مسؤوليها. فلمراقب مواقف الدولة الرسمية يتضح له بشكل جلي أن ممثلي الحكومة يتسمون، و بصفة متزايدة، بخلق رفيع و مهذب، يجدر بالأهل أن يرسموا لأبنائهم صور رجالات الحكومة هؤلاء كأمثلة و نماذج يحتذى بها في لين القول و رفعة اللسان و فرط الأدب، لدرجة أن يخجل المرء أن يأخذ على أحدهم بشيء. فمثلا يصف أحد المسؤولين الكبار فعلة الصحفي العراقي الشهيرة بـ”قلة أدب”.

يا فرحة الأمهات الحائرات الباحثات عن صور مثالية تظهرهن لأطفالهن “للاحتذاء” بها.

المثال الآخر في شخص وزيرغاية في الأدب، لا تخرج منه العيبة، و الله. بعد ما استمعت في الإذاعة لقراءة المذيعة لأقوال الصحف، استدعيت لذاكرتي مرة أخرى ما لم تكاد تصدقه أذني، و لن تصدقه أنت أيضا عزيزي القارئ، ياله من فتىً مهذب، جنتلمان، فقد “استدعى السيد وزير الخارجية السفير الإسرائيلي ليبلغه وقف الهجوم على غزة”. أنتم بالتأكيد معي في أن الرجل يستحق لقب الوزير المثالي، اليس كذلك؟

تخيلوا معي لو أنه استدعى السفير ليأمره، لا ليبلغه، ألن يكون هذا من باب التعالي و التطاول على فخامة جناب السفير؟ ثم افترضوا معي لو استبدل السيد الوزير كلمة “الهجوم” بـ”العدوان”، اليس في هذا عدوان و افتراء على شعب برئ مهدد بالإرهابيين ليل نهار؟ إنها سياسة “المثال الأعلى” و “الصورة المثالية” التي نفخر بأن نقدمها للنشء الجديد، و حتى لا نجعل لأعدائنا فرصة أن يمسكوا علينا ذلة، لقد أفات السيد الوزير بحنقةٍ و دهاءٍ شديدين الفرصة عليهم.

من مدينة 6 أكتوبر: عمرو الدلق

مقالات اكتوبر (4)

سحقا للطغاة.

انتبهوا و لا تنسوا من المجرم و من الضحية، و ليقف الجميع مع الضحية، و ضد المجرم. فمحاصرة أرض و فرض السيطرة عليها و منع المعونات عن أهلها هو جريمة يعاقب عليها القانون الدولي.

 

شن حرب و إطلاق النار على مدنيين عزل و الإصرار على هذا الفعل هو أيضا جريمة. الاغتيال السياسي أمر محرم دوليا، و هذا ما يعلنه الإسرائيليون على العالم و بدون حياء، بأن عملية غزة ما هي إلا استهداف و تصفية عناصر حماس.

للأسف لا تزال الغضبة العربية حتى هذة الدقيقة تتبعثر على الحكام العرب، و على مصر (و هي عمليا في فوهة المدفع) و تحتاج لمساندة و مؤاذرة العرب، و ليس معاداتهم، لأن هذا بعينه ما يبغاه مصاصوا دماء الأطفال.

“إن كيدهن عظيما”

تم ترتيب موعد بدء الهجوم الوحشي على أهل القطاع العزل على أن يبدأ بعد زيارة الكلبة المسعورة للمحروسة، كي تدق، و بدون أدنى مجهود، و بلا أي تكلفة إضافية، مجموعة من الخوازيق المتينة بين العرب جميعا، و الذي شربه بالفعل أكثرهم، أو يبدو أن جميعهم قد ابتلعو الطعم المسمم، برغم اضطلاعهم بالسياسة الدولية وعمق نظرتهم و حنكتهم السياسية و العسكرية، فجعلت الأمر يبدو و كأنه ضوء أخضر أعطِي لها من مصر و من الأردن. هذا ليس غريب و لا غير متوقع من هذا الشعب، فالكيد و المكر صفات شهيرة عنهم. الغريب هو وقوع كثير من المسئولين و السياسيين العرب في هذا الشرك، و سمعنا و قرأنا الهجوم الشديد و التنديد بدور و موقف مصر من ناحية، و تحميل مسؤولية الأحداث الدامية من جانب بعض السياسيين المصريين على حماس و موقفها المتشدد من ناحية أخرى، و تصاعد الجو المشحون لدرجة اطلاق نار بين مصريين و فلسطينيين و سقوط قتلى من الطرفين. بينما تقرع أقداح الشمبانيا في تل أبيب فرحة بالنصر قليل التكلفة.

من الجانب الآخر من فلسطين نسمع السلطة الفلسطينية تتكلم بلسان عجيب كمن يعلق على أحداث في دولة مجاورة، لم تستمع لنصائح الأخوة في الضفة، و رئيس فلسطيني يبدو أنه لا يعرف بالضبط ماذا يحدث، يستدعي قادة حماس لتلبية دعوة لاجتماع طارئ لتمثيل الوحدة الوطنية، و ربما لا يعرف بأن حماس لا تعاني فقط من قيود الحصار، بل يتم قصفهم و قصف الأرض من حولهم بشكل عشوائي و همجي، ثم بعد ذلك يتعجب لمذا لم يلبوا الدعوة؟!

السيد حسن نصر الله، و هو داهية سياسية، بلع بسلامته الطعم الرخيص المقدم من مسعورة صهيون، و يمشي طوعا في طريق الشقاق و العداء العربي للعربي، فينادي الجيشَ المصري بإعلان العصيان. هل هذا هو الوقت المناسب لقلقلة النظام في مصر و سحب البساط من تحته؟ من بالله عليكم سيكون المستفيد من هذا؟ بالطبع لا أحد سوى العطشى لمزيد من الشمبانيا. أن كان تحرك تحرك عربي عسكري هو ما يفترض توقعه الآن، فالمنطقي أن يكون من الجانب الآخر، حيث تفتح جبهة أخرى و من مكان آخر غير متوقع ممن لديه القدرة على ذلك  ـ كما يؤكد سيادته دوما على قدرته الصاروخية ـ و ليس من مصر.

يا الله، كما خلقت صوت الحمار و استنكرته، كذلك خلقت سبحانك كيد النساء و استعظمته. و صدقت يا علي يا عظيم. لقد أوقعت اللعينة وقيعة القرن، و تفوقت على أترابها و اسلافها جميعا، بحركة شطرنج واحدة، يا لها من ماكرة شريرة. و لكن هيهات، لأن خير الماكرين لا ينام.

من مدينة 6 أكتوبر: عمرو الدلق

مقالات اكتوبر (5)

اليوم لم أسمع أو أشاهد من الأخبار شيء، و لِمَ؟ فإن ما كان بالأمس سيكون اليوم مثله، و ربما أسوأ. فرأي ذات الرداء الأحمر الملطخ بدماء الأبرياء هو أنهم سيستمرون في العدوان حتى يتم القضاء على حماس، و كأن هذا الأمر شيء جميل و يستحق التصفيق. بل تدعو العالم للوقوف بجانبهم حتى يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم إلى آخر روح فلسطينية في القطاع. و ليتها استكفت بهذا الهراء، بل تطلب من الدول العربية تأييدهم و تفهمهم لهذه الجرائم. يا ويلتي، هل فقدت المرأة عقلها؟ أم أنها تؤذن في مالطة و هي لا تدري؟ أم فرحت بتكاثر الميكروفونات أمامها فأخذت تهذي بطريقة تجعل مثلنا الشعبي ينطبق عليها “هبلة و مسكوها طبلة”؟ لا أعتقد. فكفاها تأييد أمنا الغولة “رايس” لها. إنها تريد تثبيت الإسفين المدقوق بين العرب و بعضهم، و بين الفلسطينيين و بعضهم.

إن كلمة الرئيس المصري فعلت بغرضهم فعل عصى موسى في التراهات التي قذفت بالعرب إلى التهافت على الشجب و التجريح الذاتي، فبالفعل هم يرمون من تشديد العنف و وحشية القمع إلى إرهاب الشعب و حمله على الهرب (إلى مصر طبعا)، على أمل العودة بعد أن يهدأ الضرب. و يا له من أمر يدعو إلى البكاء و الضحك في نفس الوقت، فالواقع إن هذا السيناريو هو بعينه ما حدث عام 1948، حيث هرب الكثيرون تحت وطأة إرهاب العصابات الصهيونية من أمثال عصابات بيجن و شارون و ديان، و في نيتهم العودة إلى ديارهم عندما تهدأ الحرب، و النتيجة معروفة، فما زال جسر العودة في مرحلة التشييد الأولى، و اللاجئون يدفنون في وقتنا هذا موتى الجيل الثالث في الشتات. و على ما يبدو فقد علمت الخارجية المصرية بهذا المقصد، فمنعت فتح المعبر على مصراعيه. ففي الواقع فإن المعابر التي يجب أن تفتح هي تلك الواقعة على حدود القطاع الشرقية للقطاع و هي مغلقة منذ شهور طويلة، و ليست الغربية، و هي السبب الحقيقي في أزمة الحصار.

لم أسمع الأخبار حتى الآن، لانشغالي مع الوالد في قضاء مصالح عائلية، و ربحت بخلسة بضع دقائق قضيتها باستمتاع في شوارع وسط البلد في القاهرة، أتذكر أيام خلت منذ أكثر من عشرين عاما، حيث مشيت في ميدان طلعت حرب، و محمد فريد، مرورا على جروبي، أنهش من لوح صغير من شيكولاتته الكثيرة السكر و القليلة الكاكاو، بس لذيذة. و وقفت قليلا أمام تمثال إبراهيم باشا، و قرأت قائمة الانتصارات التي حققها و التي كانت عضد أبيه و تاييده في أنشاء الدولة المصرية الحديثة، و التي تنعم البلاد حتى يومنا هذا بإنجازات تمت في عهد محمد علي من إنشاءات و تحديثات زراعية و صناعية و تكنولوجية. و من قراءة للقائمة يتضح أن عكا و حلب (كمثال) كانتا مع كثير غيرهما من البلدان بداخل الحدود المصرية. و كل عام و أنتم بخير. وكفاية كده.

من مدينة 6 أكتوبر: عمرو الدلق

مقالات اكتوبر (6)

عندما تكون الزيارة إلى مصر قصيرة، يُمطر الواحد منا من الأهل و الأقارب بالتأنيب و اللوم على قصر فترة الزيارة. و الله أعلم أن اسبوعين مثل ثلاثة و أربع، فمن كان يقطن بالقرب يقدم هو للزيارة، أو أذهب انا لزيارته. و لكن الغالب هو انشغال الناس بأعباء الحياة، و بمحاولاتهم ملاحقة ارتفاع الأسعر المطرد. فهناك الكثير من السلع ما زالت رخيصة نسبيا (بالنسبة لحساباتنا نحن المقيمون في أوربا)، و هناك الكثير الذي يقترب من مستواها عندنا، و بعضها يزيد.

الأزمة الاقتصادية قد أثرت على كل من لديه بضعة قروش كان يأمل في استثمارها، فاللعب في البورصة قد اسال لعاب الكثيرين، وكل من هب و دب. و هذا كان دأب العرب جميعا، ليس في الإمارات العربية أو مصر فقط. و عليه فكان حديث المقابلات و الزيارات العائلية ينتقل ما بين اقتصاد و سياسة. فهذا جهبز الاقتصاد يحاضرنا عن أسباب الأزمة، و يشرح لنا بضرب الأمثلة، كيف مضت البورصات إلى ما آلت إليه، و جرجرت الكثيرين إلى الإفلاس تقريبا. فهناك كمثال أحد الأسهم الذي تخطى بسعره الستمائة جنيه، ثم هبط إلى حضيض السبعة جنيهات، و غيرها من الأمثلة. وفي أحد المقابلات وضع جهبز الاقتصاد قبعة الخبير و بسّط للحاضرين لعبة البورصة الدنيئة بمثال قرية صغيرة أهلها يتجرون بالحمير، أتاهم أحد الأيام تاجر طلب منهم شراء خمسين حمارا بسعر عشرة جنيهات للحمار الواحد، فباعوا له. و بعد أسبوع أتى الرجل نفسه مرة أخرى و طلب شراء ثلاثين حمارا بعشرين جنيها للحيوان الواحد، فباعوا له. ثم عاد مرة ثالثة بعد أسبوع و ابتاع من أهل القرية عشرين حمارا بعد أن عرض عليم ثلاثين جنيها للحمار الواحد. في الأسبوع الرابع، و بعد أن نفد احتياطي البلدة من الحمير عرض الرجل رغبته على أهل البلدة في شراء مائة حمار و ابدى استعداده لدفع خمسين جنيها مقابل الحيوان الواحد، ثم ذهب بعد أن قالوا له أنهم لا يملكون و لا حتى حمارا واحدا، فقد اشترى منهم الرجل كل ما يملكون. ثم أرسل إليهم مساعده بعد ذلك، بدون أن يعلموا علاقة الإثنين ببعض، و قدم نفسه على أنه تاجر حمير و لديه مائة حمار للبيع بسعر أربعين جنيها للحمار الواحد، فاشترى منه أهل القرية بسعرـ أربعة أضعاف السعر الأصلي ـ إلا أنهم اعتبروه سعر مغري، لأن هناك المستعد لدفع خمسين. و انتظر الناس التجارة الرابحة المأمولة، و ما زالوا ينتظرون حتى كتابة هذه الكلمات.

أما المناقشات السياسية فبالطبع اندمجت مع صناعة الأحذية و رواجها الآن في المجتمعات العربية و التركية. و لكن الكلام في السياسة لا يحسنه أحد مثل قريبي الفيلسوف، فالموضوع أولاً لابد من تحليله تاريخيا، و تدوين و تبويب الملاحظات آنيّاً، مع عدم إجهاض البعد الاقتصادي لرامي الحذاء، و العمق الاجتماعي للوسط المحيط به من زملاء المهنة، و زملاء السجن،و مع الأخذ في الاعتبار أن بوش يستحق كشخص هذه اللطمة، إلا أن الرامي هو صحفي، و الصحفي سلاحه الكلمة (ملاحظة: الفيلسوف السياسي يعلق أمام الأقارب باللغة الفصحى، و هذا نقلي لكلماته بتصرف). و حيث أن الفلسفة تستدعي تعقيد القول حتى يقتنع السامع بأن ما يقال كلام كبير، يضرب الخطيب أمثلة، ليس لها بالواقع علاقة، و هي في حد ذاتها لا تقرب للمستمع المعنى، بل لها مفعول عكسي، حيث يتيه المستمع في محاولة فهم المثل المضروب، و ينتهي الأمر بأن بوش ضرب بالجزمة و نحن ضربنا بالمثال.

من مدينة 6 أكتوبر: عمرو الدلق

 

 

الأسلحة الذكية:

هذا المصطلح قد صدّع دماغنا به جورج بوش الأب، و قد صدقه العالم الحر وقتها (لأنه حر في أن يصدق ما يشاء)، و لم تمضِ وقتها أيام حتى سقط القناع عن حرب هي أي شيء آخر غير نظيفة، و أسلحة لا تتسم بالذكاء، بل تسم صانعيها و مستخدميها بنزعات شيطانية و رغبات سادية، تجعل من ينظر إليهم يرى دماء بشرية تتقاطر من جانب أفواههم.

حاول الإبن الأكثر غباء أن يعزف على وتر الأسلحة الذكية، و لم يدم عزفه النشاذ طويلا، بسبب غبائه المفرط فأنه لم و لن يتقن العزف. و السؤال الذي يحير المواطن المراقب للأحداث هو: لمذا يلجأون إلي سلاح ذكي، هل ذكاؤهم قد ضمر إلى الحد الذي يحتاجون عنده لمساعدة من ذكاء الأسلحة؟

يتم استخدام هذه الأنواع من الأسلحة الآن أيضا في غزة، و هذا ليس بصدفة، بل يبدو أنه لشدة ذكاء العرب، فلا مناص لمن يريد حربهم إلا باللجوء إلى سلاح غير تقليدي، سلاح ذكي.

إن السلاح ليس ذكيا، بل مستخدمه خبيث يقطر شراً. إن دل على شيء فعلى مدى حاجة الفلسطينيين إلى المساعدة. لا، ليست تلك المساعدات الإنسانية، فلو لم تتخل أوربا عن إنسانيتها في بادئ الأمر ما كان الموقف يبدأ هكذا بمأساة إنسانية، بل هو العلم و التكنولوجيا مما يمتلكه كثير من العرب. لماذا كان الصمت و السكوت و وقفة المتفرج العربي حين ترأست حماس السلطة في غزة؟ كان يعرف العالم كله بما فيه الدول العربية مدى اضمحلال المعرفة الإدارية و العسكرية و .. و ..  عند قادة حماس، و مدى حاجتهم لتنمية و بناء من الأساس، و دعم و إرشاد من الخبراء. كل هذا بالطبع له تكلفته، و أوربا لا تريد أن تتحمل هذا. و نحن كدول عربية نريد أن نستصنع المظهر الحضاري، و نسلك سلوكا حضاريا، ففعلنا كالببغاوات و قلدنا بلا وعي الدول المتحضرة، فقاطعنا حماس.

هل أمد حزب الله حماس بخبرتهم في حربهم مع هذا الجيش؟ هل تعاون استراتيجيو الحرب من حزب الله مع حماس لرسم خطة للمقاومة و صد العدوان؟ أم استكفوا بالدعاء لهم؟ أم انهم خشوا أن تجني حماس انتصارا لأهل السنة؟ هذا ما ستظهره الأيام لنا.

إن المواجهة البرية المترقبة تقرب إلى الذهن ما يتوقعه العرب من ماتش كورة مترقب بين البرازيل و أسمنت أسيوط(1). الماتش جاري بالفعل و لم ينتهي، و النتيجة حتى الآن 2:27 لصالح البرازيل، و الهدف الأول لأسمنت أسيوط كان هدفا ذاتيا.

يا لها من معادلة ضحلة، تافهة، سخيفة، ثمرتها للأسف يدفعها الأبرياء من أرواحهم و أنفسهم.

غزة لا تريد سلاحا ذكيا، و لكن هكذا على العرب أن يكونوا.

اللهم ارحم شهداءنا. و حسبنا الله و نعم الوكيل.

من مدينة 6 أكتوبر: عمرو الدلق

1 اقتباس من فيلم “ليلة سقوط بغداد” بطولة أحمد عيد و حسن حسني

http://video.foraten.net/13.html

شاهد أيضاً

تفاصيل نص العرض الذي سُلّم لحماس لوقف إطلاق النار في غزة – مكوّن من 3 مراحل

خلال ساعات، يتوقع أن تسلم حركة حماس ردّها على العرض الذي نقله إليها الجانب المصري …