من الصعب الجزم ما إذا كان شخص ما – سواء كان رجلًا أو امرأة – يرتدي شعرًا مستعارًا «باروكة»، أم أن هذا شعره الحقيقي؟ إذ أصبح من السهل ارتداء الباروكات وتثبيتها بلاصق في الرأس كي تبدو كالشعر الحقيقي تمامًا، ويلجأ البعض لارتداء الباروكات إما لإخفاء العيوب، أو لمواكبة صيحات الموضة دون الحاجة إلى تغيير الشعر الأساسي، وربما لأسباب دينية مثل، «الشيتل اليهودي» الذي ترتديه السيدة لإخفاء شعرها الحقيقي عن الرجال بخلاف زوجها.
وقد مرت الباروكة عبر تاريخها بالعديد من المراحل ما بين الحظر والتحريم وتصدر صيحات الموضة، وهذا ما سنتناوله في هذا التقرير.
بداية الشعر المستعار في مصر القديمة
كان المصريون القدماء أول من استخدموا الشعر المستعار أو الباروكة، حوالي 2700 قبل الميلاد، وصنعوها من الألياف النباتية والأصواف الحيوانية والشعر الطبيعي للإنسان حسب المكانة الاجتماعية، وتميزت بضخامتها وثقل وزنها خاصة في عصر الدولة الوسطى.
لم يكن التزين هو الغاية من ارتداء الشعر المستعار، ولكن كان ارتدائه أكثر راحة بعد حلق شعر رؤوسهم الذي كان يسبب الإحساس بالحرارة، فكانوا يحلقون شعر الرأس ويرتدونها، كما كان الشعر المستعار للنساء أكثر أناقة من مثيله للرجال، فكان يُزين بالذهب والجواهر.
أنتشر الشعر المستعار في عدد من الحضارات القديمة الأخرى مثل: الإغريق، والآشوريين، والفينيقيين، والفارسيين، ولكن كان الشعر المستعار في مصر القديمة أكثر تميزًا، فقد كان يشبه الشعر الحقيقي، خاصة الشعر المستعار الخاص بأفراد العائلة المالكة. كان المصريون القدماء يُدفنون في كثير من الأحيان، وهم يرتدون أفضل شعر مستعار للظهور بمظهر الأثرياء في الآخرة. وكان هذا السبب في معرفتنا بالشعر المستعار وبداياته في مصر القديمة.
الكنيسة بين التحريم والسماح
في القرن الأول قبل الميلاد، انتشرت الباروكات في روما، وارتداها الجميع، نساءً ورجالًا، سواء كان لديهم صلع أو لا، فقد كانت وسيلة لإخفاء الصلع ولأسباب جمالية، ثم أصبحت الباروكات الشقراء علامة مميزة للعاهرات، وحاول آباء الكنيسة منعها.
عارض آباء الكنيسة الأوائل ارتداء الباروكات، وهو ما ظهر جليًا في كتابات اللاهوتي اليوناني تيرتوليان في القرن الثاني، والقديس سيبريان في القرن الثالث، وجيروم في القرن الرابع، إذ اقتنعوا أن الباروكات إغراءات شيطانية تجب مناهضتها وتجنب ارتدائها.
شكال للباروكات القديمة
وفي العصور الوسطى أمرت الكنيسة النساء بتغطية شعر رؤوسهن، فانخفض استعمال الشعر المستعار تدريجيًا، وفي القرن الثاني عشر، أيد الملك «هنري السادس» قرارات الكنيسة، ومنع دخول أصحاب الشعر الطويل والباروكات إلى القصر، ولكن عادت الباروكات للظهور كصيحة موضة في نهايات القرن الخامس عشر الميلادي – أي مع نهاية العصور الوسطى – بعد تساهل الكنيسة، وتنوعت أشكالها وتفصيلاتها وألوانها.
في بدايات القرن السابع عشر انقسم رجال الدين بين مؤيد ومعارض لارتداء الباروكات، حتى سمح للكهنة الصلعان، والخدم وكبار السن فقط ارتداؤها خارج الكنيسة، ولم يُسمح لمرتديها دخول الكنيسة، كما لم تحظ النساء بأي استثناء، وكانت محرمة تمامًا.
ملوك فرنسا زادوا شعبية الباروكة
في فرنسا، انتشر استخدام الشعر المستعار عقب ارتداء الملك لويس الثالث عشر له في عام 1624، كما كان لجلوس نجله «لويس الرابع عشر» على كرسي العرش في عام 1643 تأثيرًا واضحًا على زيادة شعبية وانتشار الشعر المستعار، فكان الملك يستخدم أجزاء من الشعر المستعار على أجزاء من رأسه ذات شعر خفيف، وبعد ذلك، حلق شعر رأسه بالكامل، واعتمد على الباروكة، وقد أنشئت أول نقابة لصانعي الشعر المستعار في فرنسا عام 1673، وبحلول نهاية عهده في القرن الثامن عشر، انتشر الشعر المستعار إلى النبلاء والملوك في جميع أنحاء أوروبا.
باروكات رجال القانون
وتميزت فئة المحامين الإنجليز بارتداء الباروكات الغالية ذات الشعر الكثيف، ولكنها كانت تُسرق من على رؤوس أصحابها في الشوارع المزدحمة، وبسبب إحساسهم بالخجل من إظهار عيوب رؤوسهم، كانوا لا يصدرون صوتًا بعد السرقة. بحلول منتصف القرن الثامن عشر، كانت الباروكات ذات اللون الأبيض ذات التسريحات المعقدة هي المفضلة، كما ظهرت مهنة العناية بالباروكات وتلوينها وتصفيفها، وتميزت باروكات النساء بأنها أكثر ارتفاعًا ومرصعة بالجواهر. اقتنت الملكة إليزابيث الأولى عددًا كبيرًا بألوان مختلفة، وأصبحت الباروكة قطعة أساسية في خزانة ملابس النساء والرجال على حد سواء.
التلاشي ثم العودة والصمود
وبحلول العقد الأخير من القرن الثامن عشر، لم يعد استخدام الباروكات مظهرًا عصريًا، وأصبح ارتداؤهًا مقصورًا على الرجال والنساء الأكبر سنًا، كما بدأت تتلاشى في فرنسا بعد الثورة الفرنسية. سمح الرجال لشعرهم بالنمو وأقلعوا عن ارتداء الباروكات والشعر المستعار، إلا أن طريقة تصفيف شعرهم كانت بنفس الطرق المتبعة لتصفيف الشعر المستعار مع الضفائر واللفائف، وبالتدريج أصبحت الضفائر الكبيرة والشعر الكثيف موضة، وشهد العصر الفيكتوري زيادة كبيرة في حجم رؤوس الإناث بشكل غير طبيعي، فلم يكن هناك طريقة للحصول على التسريحات المميزة لهذه الفترة دون إضافة وصلات من الشعر المستعار. ولكن بحلول نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت الباروكات الصغيرة، والضفائر، والكعك الزائف، التي تم دمجها في أسلوب الشعر شائعة في كل من إنجلترا وفرنسا.
ألوان مختلفة من الشعر المستعار
ومع عشرينات القرن الماضي، كانت قصات الشعر القصيرة موضة، فلم تعد هناك حاجة لإضافة الشعر المستعار، وأدى هذا إلى ظهور العديد من صالونات الحلاقة الخاصة بالنساء فقط، وفي الوقت الحالي، لم تزل النساء ترتدين الباروكات للتجديد في المظهر ولمواكبة صيحات الموضة والتسريحات المختلفة للشعر، وقد جعلت التكنولوجيا الحديثة الباروكات في متناول الجميع، كما أن بنيتها أصبحت أكثر ملاءمة للرأس وأفضل تصميم