ففي خطوة جديدة لمراقبة المسلمين وتهميش منظمات المجتمع المدني التابعة لهم، أسست وزيرة الاندماج في الحكومة النمساوية مركزاً جديداً لتوثيق ما يُطلق عليه “الإسلام السياسي”، بحجة “محاربة الفكر الخطير للإسلام السياسي”.
وتثار مخاوف من حظر الحجاب بدعوى محاربة الإسلام السياسي، حسبما ورد في مقال نشر بوكالة الأناضول لفريد حافظ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “سالزبورغ”، الباحث الأول غير المقيم، في مبادرة “الجسر” بجامعة “جورج تاون” الأمريكية.
وكانت وزيرة الاندماج سوزان راب زميلة مستشار البلاد سيباستيان كورتز، من “حزب الشعب النمساوي” الحاكم، قد عرضت إنشاء مركز التوثيق مع “خبيرين”.
وتم اختيار الخبيرين وهما مهند خورشيد، أستاذ علم الاجتماع والدين الإسلامي، ولورنزو فيدينو، مدير برنامج التطرف في جامعة “جورج واشنطن”، اللذان اعتبرا المركز خطوة رائدة في أوروبا.
ومن المعروف عن خورشيد، الذي يحظى بشهرة واسعة كمسلم “معتدل” دعمه القاطع لإغلاق المساجد من قبل حكومة النمسا اليمينية المتطرفة السابقة، وهو ما اعتبرته المحكمة الإدارية لاحقاً غير قانوني.
وكثيراً ما استُخدم فيدينو من قِبل الحكومة التي يقودها كورتز، لدعم مزاعمها ضد “الإسلام السياسي”، رغم أن لديه تاريخاً مشكوكاً فيه مع الشبكات المعادية للمسلمين.
وأشارت اتفاقية التحالف بين حزبي “الشعب” و”الخضر”، التي قُدمت في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى إنشاء “مركز أبحاث وتوثيق لمعاداة السامية والتطرف السياسي ذي الدوافع الدينية (الإسلام السياسي) والعنصرية في القرن الحادي والعشرين”.
لكن الأمر الوحيد في هذه الاتفاقية الذي لم يكتمل، كان إنشاء مركز لرصد “الإسلام السياسي” بالفعل، المصطلح صاحب التاريخ السيئ في السياسة اليومية النمساوية، والذي استخدمته الحكومة السابقة بشكل فعال.
ومن شأن تجريم مَن يعرقلون الاندماج فتح الباب لتجريم المسلمين ومَن يحافظون على هويتهم، بالنظر إلى أن الحكومة النمساوية باتت تعطي نفسَها الحق في تقييم شعائر المسلمين، وتحديد ما هو مناسب وغير مناسب.
وسبق أن اقترح وزير نمساوي منع الموظفين العموميين ، بمن فيهم مدرسو المدارس ، من ارتداء الحجاب.
ووصلت معاداة المسلمين إلى حدّ أن الأمين العام لحزب “الشعب” الحاكم، طالب حتى بحظر الصوم في المدارس، وهو أمر لم يكن يُعرف في السابق إلا في المجتمعات الشيوعية الشمولية.
وكما هو الحال مع المركز الذي تم إنشاؤه حديثاً، والذي تموله وزارة الاندماج بنصف مليون يورو، تدّعي الحكومة أن كل هذه السياسات تهدف إلى حماية المسلمين أنفسهم.
ويتساءل فريد لكن إذا تم حظر الحجاب على أساس محاربة الإسلام السياسي، فماذا الذي سيرصده هذا المركز؟.
فوفقاً لراب، فإن المركز موجود من أجل “رسم خريطة للجمعيات، وإلقاء نظرة على الهياكل والأيديولوجيات التي تقف وراءها، ومعرفة أي الجمعيات هي شريك جيد، وأيها ليس كذلك، وأي جمعيات لن تتلقى أي أموال”.
وتريد وزيرة الاندماج أن تحصل على تقرير سنوي حول ما يُسمى بـ”المجتمعات الموازية”، وهو مجرد اسم آخر لـ”غيتو مسلم” متخيل، وهو ببساطة غير موجود في النمسا.
محكمة فيينا تلغى قرار أغلاق 6 مساجد فى النمسا
كما قالت راب إن هذا المشروع ليس موجهاً ضد الإسلام، بل يهدف إلى “محاربة الفكر الخطير للإسلام السياسي” و”احتواء التطرف والتأثيرات الأجنبية”.
لكن بالنظر إلى تاريخ تحريض حزب “الشعب” ضد “الإسلام السياسي”، يبدو من المحتمل أن الحكومة ستزيد من إقصاء المسلمين، خاصة المنخرطين في منظمات المجتمع المدني.
وأفاد خورشيد في مؤتمر صحفي، أنه يرى أن الإسلام السياسي يقدّم نفسَه على أنه مؤيد للديمقراطية والمساواة، بينما لديه أجندة خفية.
هذه اللغة التآمرية صعّدتها كلمات الوزيرة القائلة: “إن الإسلام السياسي هو سم لمجتمعنا وحياتنا الاجتماعية، ويجب محاربته بكل الوسائل”.
إلا أنه يبدو أن أجندة “حزب الشعب النمساوي” هي إجبار المسلمين على الاندماج الكامل في المجتمع، وضمان عدم معاملتهم على أساس نفس الحقوق الدستورية، مثل الجماعات الدينية الأخرى، لكن زيادة المراقبة على المسلمين لن تؤدي إلا إلى إقصائهم عن الحكومة ومؤسسات الدولة.
ويصل عدد المسلمين في البلاد إلى 700 ألف شخص على الأقل من إجمالي عدد السكان البالغ 8.773 ملايين نسمة، حسب إحصاءات رسمية.
والمعروف أن قانون الإسلام المعترف به منذ عام 1912، الذي يعود إلى عائلة هابسبورغ المالكة حينذاك، كانت النمسا واحدة من الدول الغربية المعدودة التي اعترفت أن الإسلام دين دولة وتقام مشاعر الدين بحرية كاملة