أعتمد في حياتنا – في الغالب – على التقويم الميلادي، والذي يعرف بالتقويم الجريجوري الذي أعلنه البابا جوريجوريوس الثالث عشر لإصلاح التقويم اليولياني الذي قدمه «يوليوس قيصر» في عام 45 قبل الميلاد، وهو تقويم شمسي، ولأن التقويم في الأساس روماني، فإن أسماء الشهور مشتقة من أسماء الآلهة والقادة الرومانيين، والأرقام والمهرجانات الرومانية، ولكن السنة الرومانية في السابق كانت تتكون من 10 شهور، وتبدأ من شهر مارس، وأسسها الملك الأول المؤسس الأسطوري رومولوس.
احتوت السنة الرومانية على 304 أيام فقط؛ وهذا مخالف للطول الحقيقي لمسار الشمس؛ حيث إن الأشهر ستدور بسرعة طوال جميع مواسم السنة. عولج هذا الخلل بإضافة العدد المناسب من الأيام المطلوبة لإكمال السنة؛ لكن هذه الأيام تُركت في نهاية العام دون أن يوضع لها أي اسم.
أضاف الملك نوما بومبيليوس شهرين يحملان اسمي «Janus» و«Februus» في تلك الفترة ليمثلا معًا نهاية العام، وأصبحت السنة تتألف من 12 شهرًا، وأصبحت تضم 354 يومًا تقريبًا، وهو ما وُصف بأنه عام قمري صحيح. أضيف فيما بعد فاصل قصير ليصبح عدد الأيام 355 يومًا مقسمة على 12 شهرًا من بينهم أربعة أشهر تحمل 31 يومًا، وسبعة أشهر تحمل 29 يومًا، وشهرًا واحدًا يتكون من 28 يومًا، وفي عام 153 قبل الميلاد، نُقلت بداية العام إلى الأول من يناير. أصلح يوليوس قيصر التقويم في عام 46 قبل الميلاد، وأضاف يومًا واحدًا إلى أربعة أشهر، ويومين إلى ثلاثة أشهر ليصبح عدد أيام السنة 365 يومًا. ولكن، رغم كل التغيرات التي مر بها عدد أيام السنة، واختلافها ما بين الاعتماد على التقويم القمري والشمسي، ظلت أسماء الشهور كما هي تقريبًا. في السطور القادمة نوضح ما ترمز إليه أسماء هذه الشهور، وكيف اكتسبت أسماءها.
يناير.. يفصل بين الماضي والمستقبل
أُطلق على يناير اسم «Januarius» نسبة إلى الإله الروماني جانوس، إله البدايات والنهايات والبوابات والممرات في الميثولوجيا الرومانية، فقد أُضيف يناير وفبراير معًا في فترة نهاية العام بعد أن كانت الشهور 10 أشهر فقط، ثم نقلا إلى بداية العام ليصبح 1 يناير أول السنة الجديدة منذ عام 153 قبل الميلاد.
ودائمًا ما يُرمز للإله جانوس بوجهين؛ أحدهما ينظر إلى المستقبل، والآخر ينظر إلى الماضي؛ لذا، فقد اختير اسمه لهذا الشهر لأنه ينظر إلى العام الماضي، ويتطلع لعام جديد.
فبراير.. مهرجان التنقية وتعزيز الخصوبة
أطلق الرومان على شهر فبراير اسم «Februarius» وهي كلمة مشتقة من كلمة februum بمعنى التنقية، وهي ضمن مراسم مهرجان لوبركاليا «Lupercalia»، وهو مهرجان روماني قديم أقيم في يوم 15 من هذا الشهر، استعدادًا لقدوم الربيع وبداية الخصوبة.
تضمنت مراسم الاحتفال تنظيف المنازل بالملح لتنقيتها، ولتنقية المدينة وتطهيرها وتعزيز الخصوبة، وعرف المهرجان فيما بعد باسم مهرجان فيبروَا «Februa»، وسُمى الإله الروماني «Februus» بعد المهرجان ليصبح إله التنقية والتطهير.
مارس.. نسبة إلى إله الحرب
حينما أسس رومولوس السنة المؤلفة من 10 أشهر، أطلق على الشهر الأول اسم «مارتيوس Martius» نسبة إلى الإله الروماني مارس إله الحرب. ويُعتقد أن سبب اختيار الاسم هو أن مارس كان بداية العام، وقد كان بداية موسم الحملات العسكرية، ولذا سمي مارس تيمنًا بإله الحرب.
أبريل.. نظريات عديدة تؤدي إلى النتيجة ذاتها
هناك أكثر من نظرية حول تسمية شهر أبريل؛ ويُقال إن رومولوس سمى شهر «أبريل Aprilis» نسبة إلى إلهة الحب اليونانية «أفروديت Aphrodite» التي أطلق عليها الرومان اسم «فينوس». من النظريات الأخرى أن أبريل مشتقة من كلمة يونانية «aperire» بمعنى فتح؛ لأن البراعم والزهور تتفتح في أبريل، ويغادر البرد الحاد والصقيع.
مايو.. مايا الإلهة أُم الثريا
سمي شهر مايو «Maius» تيمنًا باسم مايا، من أقدم الثريا السبعة في الميثولوجيا الإغريقية، وهي أُم هرمس رسول الآلهة، ولكن يرى البعض أن اسم مايو يرتبط أكثر بالإلهة الرومانية مايا ماجستا إلهة النمو والخصوبة والربيع، وهو ما يشير إلى ما يحدث في هذا الشهر من نمو وازدهار للنباتات.
يونيو.. شهر الزواج والخصوبة
أطلق الرومان اسم «يونيو Junius» نسبة إلى اسم جونو، ملكة الآلهة الرومانية وإلهة الزواج والولادة والخصوبة، وهي زوجة جوبيتر، وكانت تؤدي الدور ذاته لنظيرتها في الميثولوجيا اليونانية الإلهة هيرا.
يوليو.. كان اسمه الخامس حتى عصر يوليوس قيصر
حملت الشهور المتبقية في العام أسماء أرقام حسب ترتيبها، فقد كان شهر يوليو يحمل اسم «Quinctilis» أي الخامس، فالسنة كما ذكرنا كانت تبدأ في شهر مارس. وظلت هذه الشهور العددية تحمل أسماءها كما هي حتى نهايات عهد الجمهورية الرومانية.
في عام 44 قبل الميلاد، وبعد أن أعلن نفسه حاكمًا دائمًا على روما، غيَّر يوليوس قيصر اسم الشهر الخامس إلى شهر يوليو للاحتفال بالشهر الذي ولد فيه، وما لبث أن قُتل في العام ذاته، لكن ظل اسمه مخلدًا في شهر يوليو.
أغسطس.. كرَّم اسمه لدخوله مصر
كان اسمه في البداية «Sextilis» أي السادس، ولكن غيره الإمبراطور الأول للإمبراطورية الرومانية «أوكتافيوس» ابن يوليوس قيصر بالتبني، والملقب بالإمبراطور «أغسطس» وامتدت فترة حكمهم ما بين 16 قبل الميلاد حتى وفاته في 14 ميلاديًّا.
أثناء فترة حكمه، وتحديدًا في العام الثامن قبل الميلاد، أعاد الإمبراطور أغسطس تسمية الشهر السادس تكريمًا لذاته. لم يكن الشهر السادس موافقًا لشهر ميلاده فقد ولد في سبتمبر، ولكنه الشهر الذي تمكن فيه من السيطرة على مصر بعد انتصاره على مارك أنطوني وكليوباترا في معركة أكتيوم في عام 30 قبل الميلاد.
سبتمبر، أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر.. أسماء عددية تمكنت من الصمود
منذ بداية إطلاق الأسماء على الشهور، أعطيت هذه الأشهر أسماءها بحسب ترتيبها السابق، فهي تعني السابع، والثامن، والتاسع، والعاشر. ورغم اختلاف ترتيبها الحالي، فإنها ما تزال محتفظة بأسمائها كما هي.
كانت هناك محاولات لتغيير أسماء هذه الشهور، فعلى سبيل المثال، غير الإمبراطور الروماني «دوميتيان» الذي حكم روما من عام 81م، إلى 96م، اسمي شهرين منها؛ فقد غيَّر تسمية شهر سبتمبر إلى جرمنيكس تكريمًا لانتصاره على ألمانيا، وهو الشهر الذي جلس فيه على العرش، كما أعاد تسمية أكتوبر، وهو شهر ميلاده، إلى دوميتيانوس تكريمًا لنفسه، ولكن بوفاته لم يتمكن الاسمان الجديدان من الصمود.