مترجم – صحيفة ذي أتلانتك هل يجعل ترامب 2020 أسوأ عام في تاريخ أمريكا الحديث؟

يعقد مراسل مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية في الولايات المتحدة، جيمس فالوز، مقارنة تاريخية بين عامَي 2020 و1968، ويحاول أن يستخلص من أحداث هاتين الحقبتين الزمنيتين المختلفتين بعض الدروس التي يرى أنها جديرة بإثارة قلق الأمريكيين في الوقت الحاضر. 

كان العام الذي أدى إلى أكبر صدمة في التاريخ الأمريكي الحديث هو عام 1968. ولكن بعد مرور هذه المياه الكثيرة تحت الجسور، ما هو العام الآخر الذي تسبب في أكبر ثاني صدمة للولايات المتحدة؟ الإجابة التي يقدمها جيمس فالوز هي: إنه هو العام 2020، على الرغم من أنه لا يزال ابن سبعة أشهر. 

والمقارنة بين العامين، في رأي الكاتب، تمنح القليل من الراحة، وتثير قدرًا أكبر من دواعي القلق. متسائلا باستهجان: كيف يمكن أن يكون أي عام آخر أسوأ من العام الحالي، الذي شهد زيادة عدد الأمريكيين العاطلين عن العمل بمعدلات أكبر مما شهدته فترة الكساد الكبير، وكان عدد من ماتوا فيه – بينما كان يمكن إنقاذهم – يفوق عدد من لقوا حتفهم في حروب أمريكا العديدة مجتمعة؟

ويضيف: هل يمكن أن يبدو النظام الداخلي أكثر اهتراءً وفشلًا مما كان عليه قبل أسبوع؛ عندما انتشر مقطع فيديو يوثِّق لحظة قتل ضابط شرطة أبيض في مينيابوليس رجلًا أسودًا، يُدعى جورج فلويد، بينما كان الضباط الآخرون يشاهدون ما يحدث، دون أن يطرف لهم جميعًا جفن؟ ولا غروَ أن يشعل ذلك جذوة الاحتجاجات في أنحاء البلاد.

انزلقت الاحتجاجات في بعض المدن إلى أعمال نهب أو تدمير. وحين انبرى رجال الشرطة والجنود بكامل عددهم وعتادهم لمواجهة المتظاهرين في العديد من المدن، كما لو كانوا يحاربون في بغداد عام 2003؛ لم يفلحوا سوى في تأجيج جذوة العنف، وكان استخدامهم لأساليب العصا الغليظة كفيلًا بتعجيل التدهور الذي سيشعل ولا شك شرارة احتجاجات جديدة، حسبما يحذر فالوز.

الصحافيون في بؤرة استهداف الشرطة الأمريكية

يلفت المقال إلى أن معظم اعتقالات الشرطة كانت في صفوف المدنيين، لكن في بعض المدن – وهي قائمة تزداد بسرعة؛ أولًا مينيابوليس، ثم لويزفيل، وسياتل، وديترويت، وأماكن أخرى – بدا أن الشرطة تستهدف الصحافيين مباشرة، وليس مصادفة، حين يجدون أنفسهم عالقين على خط الصدام: 

– في مينيابوليس، قبضت الشرطة على مراسل شبكة سي إن إن عمر جيمينيز أثناء بثٍ مباشر للجمهور الوطني. 

– وفي مينيابوليس أيضًا، وفقًا لمولي هينيسي – فيسك من صحيفة لوس أنجلوس تايمز، اقترب أفراد دورية شرطة ولاية مينيسوتا من مجموعة تضم عشرات الصحفيين، وجميعهم يحملون تصاريح رسمية، بينما كانوا يعلنون بصوت مرتفع لتعريف أنفسهم بأنهم صحافة، و«أطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع… من مسافة قريبة».

– وفي لويزفيل، صرخت مراسلة محطة WAVE 3 التابعة لشبكة إن بي سي، كايتلين روست، أمام الكاميرا: «إنهم يطلقون عليّ النار!» بينما وثَّق مصورها، جيمس دوبسون، لحظة تصويب ضابطٍ بندقية رذاذ الفلفل بدقة ويطلقها باتجاهها مباشرة. 

– وفي ديترويت، لم تحم شارة الصحافة مراسل صحيفة ديلي برس المحلية، جاي سي ريندل، من رش رذاذ الفلفل على وجهه. 

والنماذج كثيرة على استهدف الصحافيين، بحسب مراسل مجلة «ذي أتلانتك».

وفقًا لدراسة أجرتها لجنة حماية الصحافيين بتأنٍ، بدأ دونالد ترامب يصف الصحافة بأنها «عدو الشعب» منذ حوالي ثلاث سنوات. وهو مصطلح يصفه الكاتب بأنه «خسيس، يطير بجناحين تاريخيين إحداهما ينذر بالخطر والآخر متجرد من الإنسانية»؛ إذ استُخدِم خلال الثورتين الفرنسية والروسية، وفي مقامات أخرى، لتبرير التجاوزات الأخلاقية تجاه الآخرين. 

يضيف فالوز: إنه الوصف الأكثر خِسّة. ويتفاقم خطره إلى أبعد حدّ عندما يستخدمه الأشخاص الذين يمسكون بزمام السلطة، بينما تستمر الهجمات على قدمٍ وساق. هذه هي بالضبط الظروف التي استخدم فيها ترامب هذا الوصف مرة أخرى قبل أيامٍ، في تغريدة أخرى: 

كل هذا سيئ، ويزداد سوءًا. لكن كيف تقارنه مع أحداث الماضي البعيد التي وقعت عام 1968؟ يجيب مراسل ذي أتلانتك: بطبيعة الحال، لا توجد مقارنة موضوعية يمكن عقدها بين مختلف أشكال المعاناة أو الارتباك. فالخوف والخسارة وتوقف عجلة الحياة واليأس كلها مشاعر حقيقية بما يكفي للأشخاص الذين يتجرعون مرارتها، بغض النظر عما حدث لشخص آخر في زمنٍ آخر.

لكن هذا ما سيذكره أي شخص عاش في تلك الآونة عن عام 1968، هو ما يلي: اغتيالات في الداخل. وحرب في الخارج. ومذبحة تدمي جسد الوطن. وسفك للدماء. وفوضى وانقسام سياسي. والأجواء التي خيمت على أجزاء من الولايات المتحدة خلال الأيام الماضية، احتجاجًا على المظالم، هي الأجواء نفسها التي ظلّت تخيم على معظم أرجاء البلاد يومًا بعد يوم. حتى أن الكاتب لا يعتقد أن أسبوعًا واحدًا انسلّ بهدوء منذ بدء هذا العام المكتظ بالحوادث، دون أن يترك بصمته المرهقة في ذاكرته. 

اغتيالات في قلب الوطن

يسترجع مراسل ذي أتلانتك أحداث أبريل (نيسان) من عام 1968، حين قُتِل مارتن لوثر كينج الابن، أحد أعظم قادة النضال الأخلاقي الأمريكي، بالرصاص في ممفيس، عن عمر يناهز 39 عامًا. ويقول عنه: كان شخصية أكثر إثارة للجدل في ذلك الوقت مما هو مناسب لاستحضاره اليوم؛ إذ كان مثيرًا للجدل بين العديد الناس البيض باعتباره رجلًا أسودًا «مغرورًا». يتذكر الكاتب، نقلًا عن مسنين محافظين للغاية في مسقط رأسه المحافظ، إشارات ساخرة إلى «الدكتور مارتن لوثر نوبل» تعريضًا بفوزه بجائزة نوبل للسلام في عام 1964.

كان مارتن لوثر مثيرًا للجدل حتى بين الديمقراطيين في العام السابق لوفاته؛ حين وسَّع ما كان حركة عدالةٍ عرقية، ليجعلها حملة أكبر مناهضة لحرب فيتنام في الخارج، ومدافعة عن العدالة الاقتصادية في الداخل. وكان اغتياله حدثًا مركزيًا في التاريخ الأمريكي، لكنه كان حلقة واحدة فقط في سلسلة من الصدمات العنيفة التي ضربت الولايات المتحدة في تلك السنة الصاخبة.

مارتن لوثر كينج الابن

بعدها بعامين، قُتِلَ روبرت ف.كينيدي بالرصاص في لوس أنجلوس، بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في كاليفورنيا، وأصبح حصان رهان الحزب في السباق الانتخابي، وربما الأوفر حظا للفوز بكرسي الرئاسة. يُعَلِّق فالوز على ذلك الحادث قائلًا: لا يمكن لأحد أن يعرف كيف كانت سيناريوهات «ماذا لو» ستتكشف. ولكن ربما لو لم يُطلَق عليه الرصاص، لما وصل نيكسون إلى سدة الرئاسة، ولما كانت هناك خمس سنوات أخرى من الحرب في فيتنام، و… لن نعرف. 

حدث ذلك بعد أقل من خمس سنوات من تغيُّر التاريخ الأمريكي برصاص لي هارفي أوزوالد (الذي اغتال كينيدي)، مثلما فعل جون ويلكس بوث (الذي اغتال لينكولن) قبل قرن من الزمان. كانت عمليات إطلاق النار ذات الدوافع السياسية كثيرة جدًا في تلك الأيام؛ إذ قُتِل مالكولم إكس في عام 1965، ولحق به زعيم الحزب النازي الأمريكي جورج لينكولن روكويل في عام 1967، وفي وقت لاحق أُطلق النار على جورج والاس ما أصابه بالشلل في عام 1972. لدرجة أن الناس في تلك الآونة كانوا كلما سمعوا جملة «خبر عاجل» عن سياسي في نشرة إخبارية ساورهم الخوف لوهلة مما يمكن أن تحمله إليهم تلك الأنباء. 

حربٌ أمريكية في الخارج

ينتقل مراسل ذي أتلانتك من أجواء الاغتيالات التي صبغت الداخل الأمريكي بلون الدماء إلى حرب الولايات المتحدة في الخارج، فيقول: حتى ذلك الحين، كانت المعارك الأمريكية في فيتنام لا تزال محتدمة منذ عدة سنوات. لكن بحلول عام 1968، كانت الكارثة وصلت إلى ذروتها؛ إذ تسارعت وتيرة تسجيل أسماء المؤهلين للخدمة العسكري، وبموازاة ذلك ارتفع عدد الضحايا. 

كان عمر الكاتب آنذاك 18 عامًا، وكان لا يزال في عامه الجامعي الثانيّ، وكانت السنة الدراسية لا تزال في بداياتها. وكانت أعمار زملائه في المدارس الثانوية العامة تتراوح بين 18 و 20 عامًا. سُجِّل أسماء الكثيرين منهم، أو جُندوا في صفوف الجيش. وسرعان ما قُتل العديد منهم بالفعل بحلول بداية العام، ولحقهم آخرون بحلول نهايته. وخلال عام 1968، كان حوالي 50 جنديًا أمريكيًا يلقون حتفهم على أرض المعركة في فيتنام كل يوم، بالإضافة إلى العديد من الفيتناميين. 

في أوائل فبراير (شباط)، شنَّت القوات الفيتنامية الشمالية والجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام (فيت كونغ) هجوم التيت (يستمد اسمه من الاحتفالات الفيتنامية المحلية ببداية السنة القمرية). وربما حكم المؤرخون العسكريون على ما حدث آنذاك في نهاية المطاف، من منظور عسكري صارم (كما جادل البعض)، باعتباره انتصارًا باهظ الثمن أحرزته القوات المناوئة للولايات المتحدة، ولكن في ذلك الوقت، كان لما حدث تأثير كبير في تعرية عبثية الجهود الأمريكية، على حد وصف فالوز.

في أواخر شهر فبراير عام 1968، قدَّم مذيع سي بي إس نيوز، والتر كرونكايت – وهو شخصية لا نظير لها في عالم اليوم (تخيل، لو كان هذا ممكنًا، مزيجًا من أوبرا وأنتوني فاوتشي وتوم هانكس وميشيل أوباما) – نشرة إخبارية متشائمة نعى فيها الخسارة العسكرية في فيتنام. ومع ذلك، ظل الجنود الأمريكيون يحاربون هناك ويلفظون أرواحهم طيلة سبع سنوات أخرى. وفي مارس (آذار) 1968، ارتكبت القوات الأمريكية مذبحة ماي لاي، التي أصبحت أسوأ مذبحة جماعية للمدنيين في تلك الحرب. ورغم ذلك، لم يتوقف القتال، ولا القتل. 

 مذبحة تدمي جسد الوطن

يسترجع المقال خطاب تنصيب دونالد ترامب الذي تحدث فيه عن «المذبحة الأمريكية»؛ ليستهل رئاسته بتدنيس المنبر الذي استغله جميع أسلافه لاستنهاض الإمكانات الأمريكية وبعث روح الأمل الأمريكي. وتحت قيادته، رأينا نوعًا جديدًا من المذبحة مؤخرًا، على حد وصف الكاتب.

في عام 1968، اشتعلت النيران في العديد من المدن الأمريكية، وعلى نطاق أوسع بكثير مما رأيناه قبل أسبوع. ففي أوائل فبراير من ذلك العام، قتل ثلاثة أمريكيين من أصل أسود، وجرح عشرين آخرين، بأيدي رجال الدوريات على الطرق السريعة، وقوات الشرطة في «مذبحة أورانجبورغ» في ولاية كارولينا الجنوبية، بعد احتجاجات إلغاء التمييز العنصري.

يتابع المراسل: بعد مقتل مارتن لوثر كينج الابن، اندلعت الاحتجاجات ثم الانتفاضات العنيفة من الساحل إلى الساحل، في أكثر من 100 مدينة أمريكية. (في اليوم الذي قُتل فيه كينج، تصادف أن والدي كان يزورني، في رحلة عمل إلى بوسطن من كاليفورنيا، خلال عطلة الربيع في الكلية. ذهبنا إلى مطعم لتناول العشاء، دون أن نعرف ما حدث. عندما خرجنا، كانت المدينة قد انفجرت).

ويضيف: احتلت القوات المسلحة التابعة للحرس الوطني بعض الأحياء التي أصبحت أكثر أناقة الآن في واشنطن العاصمة. أمضيتُ الفترة من يونيو (حزيران) إلى سبتمبر (أيلول) من عام 1968 في ألاباما وميسيسيبي، أعمل في صحيفة للحقوق المدنية تسمى The Southern Courier. وفي الأماسيّ، كنتُ أستمع إلى البرامج الإذاعية أو أشاهد تغطيات التلفاز للاضطرابات التي تموج بها بقية أنحاء البلاد، بما في ذلك «أعمال الشغب البوليسية» في شيكاغو، أثناء انعقاد المؤتمر الديمقراطي في ذلك الصيف. دون أن يتوقف. 

فوضى سياسية

يدير المراسل دفة الحديث إلى الفوضى السياسية، مستحضرًا ما حدث في أوائل مارس 1968، حين حصل يوجين مكارثي- سيناتور مينيسوتا الديمقراطي المعارض لحرب فيتنام- على نسبة مفاجئة بلغت 42٪ من الأصوات في الانتخابات التمهيدية في نيوهامبشاير، مقابل 49٪ فقط للرئيس آنذاك، ليندون جونسون، الذي كان قد فاز بأكبر حصة على الإطلاق من التصويت الشعبي ضد باري جولد ووتر قبل أربع سنوات، وبدت هيمنته كاسحة لدرجة أن معارضي الحرب أمثال بوبي كينيدي لم يكونوا يحلمون حتى بتحديه في معركة إعادة انتخابه. 

بعدما افتضح ضعف جونسون، دخل كينيدي السباق في منتصف مارس، وفي نهاية الشهر، دهش الجميع عندما أعلن جونسون أنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية ثانية. كان ذلك قبل 52 عامًا، حين كان الكاتب مراهقًا، ورغم مرور كل تلك السنوات حتى أصبح اليوم مُسِنًّا، فهو يؤكد أنه لم يكن هناك أي شيء يضاهي وقع المفاجأة المذهلة على الجمهور وهم يسمعون جونسون يصل إلى نهاية خطابه، ليعلن أنه لن يسعى، ولن يقبل، ترشيح حزبه له لفترة أخرى رئيسًا للبلاد.


الرئيس الأمريكي السابق ليندون جونسون

محاولة تقريب المفاجأة، يقول المراسل: تخيَّل خطابًا متبجحًا كالذي اعتاد ترامب إلقاءه هذه الأيام، وهو يختمه بشيء مشابه. تخيّل أيضًا، زعيمًا مثل جونسون أمضى حياته كلها مفتونًا بالقوة المسيطرة، لكنه قرر، من أجل مصلحة الأمة، التخلّي عنها. خلال تلك الحملة الانتخابية، اختطفت أنياب الاغتيالات أرواح كينج وكينيدي بعد إعلان جونسون، وشهدت تلك الفترة أيضًا ترشيح هوبرت همفري، وعودة ريتشارد نيكسون وصعوده، وعشرات من تعقيدات والمآسي الأخرى التي وقعت تباعًا. 

خلال ذلك الخريف، حدث التدخل الأجنبي الأكثر اقتحامًا على الإطلاق في شؤون الانتخابات الأمريكية، على الرغم من التستر عليه في ذلك الوقت. (باختصار: كان لحملة ريتشارد نيكسون صلات عبر قنوات خلفية مع حكومة جنوب فيتنام، وحثتها على المضي ببطء في المفاوضات لإنهاء الحرب، على أمل التوصل إلى شروط أفضل إذا ساعدت نيكسون على الفوز).

في يوم الانتخابات، حصد نيكسون أصوات 32 ولاية، و301 من مندوبي المجمع الانتخابي، وبدأ هيمنة طويلة للجمهوريين على البيت الأبيض (وبالتالي المحكمة العليا). في تلك الفترة، فاز الحزب الجمهوري بخمسة سباقات رئاسية من أصل ستة: اثنين لصالح نيكسون، واثنتن لصالح رونالد ريجان، وواحد لصالح جورج بوش الأب، ولم تقع الخسارة إلا أمام جيمي كارتر في عام 1976. 

لكن في سباق 1968، لم يحصد همفري سوى أصوات 13 ولاية، مع 191 صوتًا من مندوبي المجمع الانتخابي. بينما حصل المرشح الديمقراطي المؤيد للفصل العنصري، جورج والاس، الذي كان حاكم ولاية ألاباما، على 46 صوتًا من مندوبي خمس ولايات في أعماق الجنوب، هي: أركنساس ولويزيانا وميسيسيبي وألاباما وجورجيا.

كان مراسل ذي أتلانتك عضوًا في هيئة تحرير صحيفة الكلية خلال الانتخابات التي أجريت في الخريف، ويتذكر مناقشات هيئة التحرير حول المرشح الذي يستحق التأييد. هل يدعمون همفري؛ كدفاع ضد نيكسون؟ أم نيكسون؛ لمعاقبة همفري على دعمه حرب فيتنام؟ أم يذهبون إلى حد دعم والاس؛ «لتكثيف التناقضات» وتجلية الحاجة إلى تغيير أعمق؟

لم يكن فالوز بلغ السن القانونية التي تؤهله للتصويت في تلك الانتخابات – التعديل السادس والعشرون، الذي خفض سن التصويت إلى 18 عامًا، كان لا يزال أمامه عدة سنوات – ولم يعد بإمكانه الآن حتى استحضار كيف جرى ذلك النقاش. لكنه يتذكر أنه رأى نيكسون وهو يلقي خطابًا غاضبًا في وسط مدينة بوسطن، قبل وقت قصير من الانتخابات، ودار في خلده: ربما سيفوز. وهذا ما حدث بالفعل. 

لقد كانت فترة سيئة ومريرة، على حد وصف المراسل جيمس فالوز. صحيحٌ أن الاقتصاد كان يشهد تحسنًا في ذلك الوقت، على عكس الانهيار الحالي، ولكن رياحًا أخرى كثيرة لم تكن تجري كيفما تشتهي السفن. حتى الوباء – موجة أنفلونزا H3N2 القاتلة التي اشتهرت بين العوام باسم إنفلونزا هونج كونج – عندما انتشر لم يكد يسترعي الانتباه الشعبي أو السياسي. إذ كانت البلاد وكأنها تسير على الجمر، وكان ريتشارد نيكسون قد تولى القيادة للتو. 

حقيقتان لابد من استصحابهما حتى تكتمل الصورة

يتابع فالوز: في بعض النواحي، قد يشعر بعض الأمريكيين اليوم بالارتياح حين يقارنون بين أحداث عامي 1968 و 2020، أو على الأقل يجدون في مآسي الماضي سلوى عن وقائع الحاضر. لكن على الجانب الآخر، ثمة حقيقتان لابد عن استصحابهما لتكتمل الصورة: 

أولًا: كل من ينافس على السلطة في الساحة السياسة الأمريكية في تلك الآونة كان كفؤًا. كانوا جميعًا مسلحين بتجارب في الحكم. وأدرك معظمهم – حتى جورج والاس (الذي شبّه جو بايدن ترامب به) – أن الواجب المفترض أن يقوم به القائد يحتم عليه أن يكون ممثلًا لكل أطياف الشعب الأمريكي. 

مبنى مشتعل أثناء الاحتجاجات التي تلت اغتيال مارتن لوثر كينج الابن – بالتيمور أبريل 1968 

كان منهم المبتلى بحظه من الغرور والتجاوزات وقصر النظر، بالإضافة إلى قدر من الفساد، مثلهم في ذلك كجميع الشخصيات القوية. صحيح أنهم استغلوا التحيز الأمريكي، لكنهم جميعًا أدركوا ما كان متوقعًا منهم قوله. كان هذا واضحًا لـ جونسون كما تجسد في خطابه «سننتصر!». وبالنسبة لهومفري، الذي حقق اختراقًا سياسيًا في شبابه عندما كان عمدة وهو يدافع بحماسة عن حقوق الإنسان في مينيابوليس، في أربعينات القرن العشرين، كان يسدد فاتورة تورطه في الدفاع عن حرب فيتنام كل يوم. 

يتابع فالوز: إذا عدتَ اليوم إلى الخطاب الذي ألقاه نيكسون في المؤتمر الجمهوري الذي انعقد عام 1968، وقارنته بالخطاب الذي أدلى به دونالد ترامب في كليفلاند عام 2016 وقال فيه: «ليس بمقدور أحد غيري إصلاح هذا»؛ سترى الفارق بين الأمس واليوم جليًا. ذلك أن ترامب لا يعرف سوى الحديث عن نفسه، وعن منتقديه. بينما نيكسون كان يستطيع أن يتظاهر على الأقل بحمل شعلة تنير لنا جميعا الطريق. 

يضرب المراسل على ذلك مثالًا: بعدما قتلت الشرطة جورج فلويد في مينيابوليس، كان ترامب شخصيًا هو الذي غرد عن «البلطجية» وقال: «عندما يبدأ النهب، سيبدأ إطلاق النار». بينما لم يكن نيكسون سيتفوه بمثل هذا الكلام الفظ. 

ثانيًا: الحقيقة الأخرى التي تستحق التأمُّل هي التشابه بين أحداث عام 1968 وما يقع اليوم. حينذاك، عرف نيكسون أن شبح الاضطراب – خاصة حين ينفلت عنان الأمريكيين السود في مواجهة الشرطة – كان أحد أقوى أسلحته. وقال الكثير عن ذلك في خطابه ذاك: 

عندما ننظر إلى أمريكا؛ نرى مدنًا محاطة بالدخان واللهب.
نسمع دوي صفارات الإنذار تشق قلب الليل… 

نرى الأمريكيين يكرهون بعضهم البعض. يتقاتلون مع بعضهم البعض. ويسفك بعضهم دماء بعض على ثرى الوطن. 

وبينما تصكُّ مسامعنا هذه المآسي؛ فإن ملايين الأمريكيين يصرخون من شدة الكرب.

ويتساءلون والألم يعتصرهم: هل قطعنا كل هذه المسافة؛ لنلقى في النهاية هذا المصير؟

أهذا ما لقي أبناء الوطن حتفهم من أجله؛ حين دفعت أمريكا بلفذات كبدها إلى أتون نورماندي وكوريا وفالي فورج؟ 

يقول مراسل ذي أتلانتك معلقًا على ذلك: عندما يغزو الخوف القلوب، يتطلع الناس إلى رجل يدَّعي أنه قوي. وعندما تنحسر الثقة في النظام العاديّ؛ يرتفع نجم المرشحين الذين يؤيدون فرض «القانون والنظام».

هل يوقف ترامب «المذبحة».. أم يزيد الطين بلة؟

لقد كانت الرياح التي هبت في عام 1968 محملة بما يشتهي ريتشارد نيكسون، مقارنة برياح اليوم بالنسبة لـ دونالد ترامب. والأهم من ذلك كله أن نيكسون، القادم من خارج النخبة الحاكمة، كان بمقدوره أن يصب جام انتقاده على كل ما هو خطأ في البلاد، بينما يتعين على ترامب، بصفته شاغل المنصب، الدفاع عن إدارته وسجله المثقل بمستوى قياسي من البطالة. 

بيدَ أن الاحتجاجات والخوف من الفوضى – ولا سيما الخوف من الفوضى التي قد يشعلها السود الغاضبون – جذب الناس إلى نيكسون باعتباره المرشح الذي يدافع عن «القانون والنظام» في عام 1968، وقد كان يدرك ذلك تمام الإدراك. 

أما دونالد ترامب فلم يستطع أن يتعامل مع هذه النقطة بعناية مثلما فعل نيكسون، ولكن يتعين عليه أيضًا استيعاب أن رد الفعل العكسي ضد الفوضى، من الأشخاص الذين صنفهم على أنهم «الآخر» و«العدو»، هو أمله الرئيس – بل أمله الوحيد – في الانتخابات.

واختتم فالوز مقاله بالقول: وعد ترامب في خطاب تنصيبه بأن تتوقف «المذبحة الأمريكية» هنا والآن. لكن ما يظهر حاليًا هو أنه يحاول وببلادةٍ أن يزيد الطين بِلَّة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «شبكة رمضان الإخبارية»

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …