تعيش الليرة السورية في هذه الآونة حالة من الانهيار والتراجع الذي يعد الأسوأ في تاريخها، بقيمتها السوقية غير المسبوقة أمام الدولار الأمريكي، الذي وصل سعره خلال اليومين الماضيين نحو 2000 ليرة سورية.
وهو الأمر الذي دفع إلى التأثير على الأسعار، التي ارتفعت بشكل جنوني، وانعكس ذلك بشكل مباشر على المواطن السوري الذي بات لا حول ولا قوة له أمام أسوأ أزمة اقتصادية تمر بها البلاد.
تقشف وفقر..
أبو منذر، موظف حكومي من محافظة حماة وسط سوريا، قال إن الشعب السوري يعيش منذ ما يقارب العام حالة من التقشف والفقر، وإنه واحد من هؤلاء، فرغم أنه موظف حكومي ويتقاضى راتباً شهرياً بقيمة 55 دولاراً، فإنه يعيش وأسرته حالة من الفقر والحرمان على وقع المتغيرات الاقتصادية والأزمات المالية المتلاحقة التي تعصف بالبلاد.
ويضيف: “مع دخول الأزمة الاقتصادية الحالية والتراجع الرهيب بقيمة الليرة السورية، بات الوضع المعيشي لا يطاق، بسبب ارتفاع أسعار السلع بمختلف أنواعها بشكل جنوني في الأسواق، والمؤلم أكثر أن الأزمة الاقتصادية تزامنت مع شهر رمضان واقتراب عيد الفطر، وبإمكاننا القول إن ثمة مجاعة باتت تلوح بالأفق، في ظل عجز النظام عن توفير الحلول لإنقاذ الوضع، إضافة إلى توقف كثير من المصالح والمنشآت عن العمل”.
ولفت أبو منذر إلى أنه وعدداً كبيراً من أقاربه بات لديهم شعور مشترك بمجاعة قادمة ليس بمقدور النظام الحد منها، وهو الأمر الذي دفعهم إلى الاستعداد لمثل هذا الاحتمال الخطير، من خلال اتباع سياسة التقشف الشديدة بالاعتماد على الحد الأدنى من المصاريف كالاعتماد على الخضراوات الرخيصة، مثل البقدونس والبقلة في طبيخهم، والاعتماد على البرغل والخبز المجفف كوجبات رئيسية.
لا يستطيع كثير من السوريين حالياً تأمين اللحمة التي وصل سعرها مؤخراً إلى 10000 ليرة سورية، ومثلها أسعار الزيوت والسمون وأسعار الخضار، فمثلاً أصبح كيلو الفاصوليا بـ2000 ليرة ومثلها أسعار البندورة والباذنجان، فضلاً عن أسعار الشاي والسكر الجنونية.
انهيار لم تشهده من قبل..
أم بلال ربَّة أسرة في العاصمة دمشق، وأُمٌّ لـ8 أولاد، قالت إن حالة الانهيار الاقتصادي والفقر والغلاء الفاحش لم تشهدها منذ أن بلغت شبابها وحتى الآن، حيث كانت تنوي شراء كسوة العيد لأبنائها هذا العام ولكن بسبب غلائها في الأسواق لم تتمكن.
تقول أُم بلال: “سعر البنطال الجينز وصل إلى 30 ألف ليرة سورية، هذا عدا الحذاء والكنزة أو القميص التي تتراوح أسعارها بين 15 و20 ألف، وهو الأمر الذي أجبر شريحة كبيرة من السوريين على عدم شرائها، بسبب أحوالهم المادية المتردية”.
وختمت بأنها كانت تتوقع أن يكون هناك شيء من الغلاء في الأسواق، بسبب جشع بعض التجار، ولكن الآن الأمر زاد على كل التوقعات، حيث الغلاء الفاحش بسبب انهيار الاقتصاد السوري والعملة المحلية، مستذكرةً أيام زمان عندما كان البنطال بـ100 ليرة والقميص بـ50 ليرة، وحلويات العيد لا تتجاوز تكلفتها 500 ليرة.
أسباب مؤشرات الانهيار..
وتشير تقارير صحفية إلى أسباب وعوامل رئيسية أدت إلى انهيار الاقتصاد بشكل غير مسبوق، منها عوامل اقتصادية، وسياسية وإدارية، مفنّدةً كلاً منها على حدة، وأبرزها:
توقُّف شبه كامل لعجلة الإنتاج، وخروج البترول والقمح والبقوليات وعدد من السلع الاستراتيجية المهمة من أيدي النظام، وانخفاض الناتج القومي المحلي في سوريا، وتوقف عجلة الإنتاج والاقتصاد بدرجة كبيرة.
بسبب قيام النظام بتدمير المصانع وخطوط الإنتاج بنسبة 80%، وإلى ذلك انخفاض أسعار البترول في السوق الدولية، والذي أثر بشكل سلبي على الدول الداعمة للنظام، بسبب اعتمادها على تجارة البترول بشكل كبير في اقتصاداتها.
وانخفضت على أثر ذلك مساعدات إيران النقدية لسوريا، وخلا البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي والذهب، حيث يعتبر وجود احتياطي العملات الأجنبية والذهب من الركائز الأساسية التي تستند إليها العملات الوطنية.
وقد أصبح البنك المركزي فارغاً من احتياطي النقد الأجنبي، بسبب توقف ايرادات ترانزيت النقل البري والبحري والجوي، وتوقف التصدير.
عوامل سياسية وإدارية..
ثمة عوامل سياسية وإدارية ساهمت في انهيار الاقتصاد السوري والعملة المحلية كالعقوبات الاقتصادية على الدول الداعمة للنظام السوري، إيران أولاً ثم روسيا، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في كل من دول الجوار لسوريا “لبنان والعراق”، والعقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على شخصيات رئيسية في النظام السوري، تعتبر أذرعه الاقتصادية، مثل رامي مخلوف، وسامر الفوز، ووسيم قطان.
إضافة إلى انحسار المال والتجارة بأيدي أمراء الحرب وقادة ميليشيات محلية مساندة للنظام، وهيمنتهم على مؤسسات الدولة والبنك المركزي والتي تعاني من الشلل، وعدم القدرة على اتخاذ القرار السيادي المناسب، وعدم قدرة المسؤولين على التصدي لمشكلة هبوط الليرة.
الصراع الأخير الذي بدأ بين رامي مخلوف أحد المقربين من نظام الأسد وحكومة الأخير إثر مطالبتها رامي مخلوف بالتنازل عن جزء كبير من شركاته وأبرزها شركة الاتصالات الخليوية “سيرتيل” لصالح الدولة، ساهم أيضاً في تثبت الانهيار الإقتصادي الحاصل في سوريا.
هل روسيا راغبة فيما يحصل بسوريا من تدهور اقتصادي؟
يقول الناشط الميداني في العاصمة دمشق أدهم الحسن: “كانت روسيا تقدم بعض المساعدات الإنسانية للشعب السوري خلال السنوات الأخيرة الماضية مع بدء تنامي حالة الفقر بين السوريين، إلا أنها منذ 6 أشهر أغلقت مراكزها ولم تعد تقدم أدنى مساعدة إنسانية للمواطنين، وتحديداً ذوي القتلى من قوات النظام”.
وعلى الرغم من أنها تسيطر على الموانئ البحرية السورية ومطار حميميم في اللاذقية التي تعتبر بوابة على العالم، وبإمكانها جلب كميات كبيرة من الغذاء والدواء، فإنها لم تحرك ساكناً أمام المجاعة التي بدأت تلاحق السوريين في الداخل وهذا دليل على أنها راغبة، والكلام على لسان أدهم الحسن.
كل ذلك مجتمعاً شكَّل أسباباً لانهيار الاقتصاد السوري الذي يعاني بالأساس منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، والتي دفعت ملايين السوريين إلى اللجوء والنزوج بحثاً عن حياة ولقمة عيش كريمة.