تسببت جائحة كورونا في فقدان ملايين الناس حول العالم لوظائفهم، وهو ما حسم الجدل، وبدأت الدول في رفع إجراءات الإغلاق الاقتصادي، رغم عدم وجود علاج أو لقاح للفيروس القاتل الذي يواصل حصد الأرواح حول العالم، لكن هل تأثر أصحاب الأعمال فعلاً جراء الجائحة؟
مصائب للفقراء فقط
منذ منتصف مارس/آذار الماضي فقد أكثر من 50 مليون أمريكي أعمالهم، وارتفعت نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى 14.7%، وهي نسبة غير مسبوقة منذ الكساد الاقتصادي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو ما جعل الرئيس دونالد ترامب مصمماً على إعادة فتح النشاط الاقتصادي في البلاد، وهو أمر منطقي، فما فائدة محافظة الشخص على حياته إن كان لا يملك قوت يومه؟
وقد اتخذت الإدارة الأمريكية إجراءات غير مسبوقة أيضاً لمحاولة التخفيف من تداعيات جائحة كورونا، وأقر الكونغرس حزمة تحفيز اقتصادية قياسية بلغت 2.3 مليار دولار، ومن المهم هنا التوقف عند نصيب الفقراء ومحدودي الدخل ومن فقدوا وظائفهم من هذا المبلغ، حيث إن هؤلاء حصل كل منهم على 1200 دولار في صورة إعفاءات ضريبية.
وما يحدث في الولايات المتحدة يحدث في كل دول العالم تقريباً، حيث ترصد الحكومات – كل دولة على حسب ظروفها – أموالاً لمساعدة المتضررين من الجائحة، وهنا كما يقال “الشيطان يكمن في التفاصيل”، ولنتوقف عند تقرير أصدره معهد دراسات السياسة، وهو أحد المعاهد البحثية ذات المصداقية العالية في واشنطن، بعنوان “بونانزا المليارديرات 2020: مكاسب الثروة ورفع الضرائب والمتربحين من الوباء”، ذكر بالأرقام كيف استفاد أصحاب الثروات من جائحة كورونا بينما ازداد المواطنون فقراً.
الأغنياء يجنون مزيداً من الثروات
الأرقام لغة جافة لا تعرف المشاعر أو الانحيازات، وهي هنا كاشفة لحقيقة التأثير الاقتصادي للجائحة، ومن هم المتضررون منها ومن المستفيدون، فقد ذكر موقع تيليبوليس الألماني مؤخراً أن ثروات المليارديرات الأمريكيين قد زادت 282 مليار دولار في الفترة من منتصف مارس/آذار وحتى آخر أبريل/نيسان، وهي الفترة نفسها التي فقد فيها أكثر من 50 مليون أمريكي أعمالهم.
وبينما حصل بعض الأمريكيين المحتاجين للمعونة على 1200 دولار في صورة إعفاء ضريبي، حصل 43 ألفاً من أثرياء أمريكا (ومن بينهم ترامب وأفراد عائلته) على تعويضات وإعفاءات ضريبية بلغت 70 مليار دولار.
التقارير المختصة بترتيب الأثرياء وثرواتهم حول العالم تظهر أن عدد أصحاب المليارات قد شهد زيادة ملحوظة في الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، رغم أن التأثير الاقتصادي للجائحة يوصف بأنه كارثي وغير مسبوق في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشمل القائمة الطويلة من المستفيدين من كارثة الوباء أسماء معروفة مثل جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون والملياردير إيلون موسك مؤسس والمدير التنفيذي لشركة تيسلا للسيارات الكهربائية والمدير التنفيذي السابق في مايكروسوفت ستيف بالمر ومؤسس زوم إريك يوان، بالإضافة إلى روكو كوميسو المؤسس والرئيس والمدير التنفيذي لشركة ميدياكوم للاتصالات.
ففي الفترة من 1 يناير/كانون الثاني وحتى 1 أبريل/نيسان هذا العام، ارتفعت ثروات 43 مليارديراً أمريكياً بعشرات الملايين من الدولارات، وزادت ثروات 8 منهم بأكثر من مليار دولار، لكن بيزوس كان الرابح الأكبر حيث أضيف لثروته 35 مليار دولار منذ بداية العام وحتى منتصف أبريل/نيسان، وهي زيادة غير مسبوقة في الثروة في تلك الفترة الزمنية على الإطلاق.
وفي الفترة من 18 مارس/آذار وحتى 10 أبريل/نيسان، فقد أكثر من 22 مليون أمريكي وظائفهم، بينما زادت ثروات أصحاب المليارات في الولايات المتحدة في نفس الفترة، وهي ثلاثة أسابيع فقط بمقدار 282 مليار دولار، أي زادت ثرواتهم بنسبة أكثر من 10% مقابل وصول البطالة لمستوى قرب 15%.
القصة ليست جديدة
قصة تضخم ثروات الأغنياء مقابل ازدياد الفقراء فقراً بصفة خاصة أثناء الأزمات ليست حصرية ولا جديدة في زمن وباء كورونا، فالأمر يتكرر مع كل أزمة حرباً كانت أو أزمة مالية أو وباء، وما حدث في الأزمة المالية قبل 12 عاماً مثال آخر واضح.
ففي عام 2008، عندما ضربت الأزمة المالية العالم، فقد ملايين العاملين وظائفهم وازدادت نسبة الفقراء حول العالم، وكان التأثير الأبرز للأزمة أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية، فماذا حدث للأثرياء هناك؟ تظهر تقارير رصد الثروات أنه في الفترة من 2010 – أي بعد الأزمة بعامين – وحتى هذا العام، تضخمت ثروات مليارديرات أمريكا بنسبة 80.6%، وفي الفترة من 1990 وحتى 2020، زادت ثروات نفس الأشخاص بنسبة 1130% مقابل 5.37% فقط زيادة في متوسط دخل المواطن الأمريكي العادي.
رقم آخر كاشف في هذه المقارنات هو أن نسبة الإعفاءات الضريبية التي حصل عليها أصحاب المليارديرات في الولايات المتحدة منذ 1980 وحتى 2018 بلغت 79%، وهو ما يمثل أحد أسباب تضخم تلك الثروات.
ملياردير مصري هدد بالانتحار
القصة في العالم العربي لا تختلف كثيراً في عنوانها الكبير وإن اختلفت في تفاصيلها باختلاف الظروف ومستوى المعيشة بشكل عام، لكن المؤكد أن الوصول للأرقام بدقة يظل أمراً أقرب للمستحيل، فالوصول بِحُرية للمعلومات بشأن ثروات أصحاب المليارات العرب يواجه صعوبات شأنه في ذلك شأن كل شيء آخر.
فالتقرير الدوري الذي تنشره مجلة فوربس حول الأغنياء العرب وثرواتهم وترتيبهم عالمياً لا يحتوي على أصحاب المليارات السعوديين لأسباب غير معلنة، وذلك للعام الثالث على التوالي، وهو التقرير الذي أظهرت نسخنه الأخيرة أن رجل الأعمال المصري محمد منصور قد زادت ثروته هذا العام 2020 بنسبة 43.4% عن العام الماضي 2019، حيث زادت ثروته بقيمة مليار دولار لتصبح 3.3 مليار دولار بعد أن كانت 2.3 مليار دولار العام الماضي.
ملياردير مصري آخر هو المهندس نجيب ساويرس بلغت ثروته 3 مليارات دولار يحتل بها المركز السادس عربياً في قائمة الأغنياء العرب هذا العام، بينما أظهر موقع متابعة ثروة نجيب ساويرس على فوربس اليوم الخميس 14 مايو/أيار أن ثروته انخفضت مليون دولار، وربما هذا ما يفسر شكاوى المهندس نجيب الرافضة للإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة الوباء، مثل تعليق الدراسة وفرض حظر جزئي، ووصل الأمر به إلى التهديد بالانتحار على الهواء آخر مارس/آذار الماضي إذا أقدمت الحكومة على تجديد حظر التجول الجزئي.
تهديد ساويرس بالانتحار أصبح تريند على تويتر وقتها، مما اضطره لتوضيح وجهة نظره بأنه يقصد أنه “سينتحر بسبب الحبس والخنقة والبعد عن أهلي وأصحابي”، نافياً أن يكون يقصد بسبب “خسائر” وقف العمل، رغم أن الحظر في مصر جزئي ولا يمنع رجل الأعمال أو غيره من ممارسة حياتهم بشكل عادي، وبعد أن احتدم الجدل أصبح نجيب ساويرس أكثر وضوحاً مطالباً بإعادة “الناس إلى أعمالها فوراً”، وأعلن أنه خفض رواتب العاملين لديه بنسبة 50% كخطوة أولى، موضحاً فيما بعد أن ذلك في أعماله في قطاع السياحة.
اللافت أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية أخذت في الاعتبار التأثيرات الاقتصادية للوباء، وخفضت الضرائب على الشركات ورجال الأعمال، ووجهت بتأجيل سداد مستحقات البنوك، إلى جانب إجراءات أخرى تصب في صالح رجال الأعمال والشركات الكبرى، ورغم ذلك فإن رجال الأعمال هم الأكثر شكوى من إجراءات مكافحة الفيروس، ووصل الأمر بأحدهم وهو حسين صبور أن طالب مطلع أبريل/نيسان الماضي “بإعادة الناس للشغل فوراً.. لما شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلس” (عامية مصرية تعني: أن يموت البعض أفضل من أن تفلس البلاد).