لماذا يحكمنا الحمقى؟

فيينا – عيسي العيلة —-

فقد سجل التاريخ أن مخبولًا فاطميًّا حكم مصر خمسًا وعشرين سنة وسمى نفسه فيها الحاكم بأمر الله، قرر هذا الخليفة السادس الترتيب في الدولة الفاطمية أن ينام الناس نهارًاا ويعملوا ليلًا وذلك كله لأنه لا يحب الاستيقاظ مبكرًا، وهذا الأمر مستغرب ومستهجن، ولكنه بالنسبة للجنون الذي نراه اليوم يعد هينًا.

هذا وقد أجمع العقلاء على أن العالم اليوم يحكمه مجموعة من الحمقى، فهذا الذي أراد لمناعة القطيع أن تحارب فيروس كورونا، وكأن شعبه عبارة عن قطيع من الأغنام، وذلك الذي اتخذ من «تويتر» كرسيًّا لعرشه، يصدر منه قراراته المخبولة، ويصف الاحتباس الحراري بالكذبة، وهذا الأعرابي الذي هو أشد كفرًا ونفاقًا، والذي لم يدع عالِمًا إلا حبسه، وذلك الأراجوز الذي إذا تكلم غلب على ظنك أنه هارب من مستشفى المجانين، وهذا الذي يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة، حتى أضحت بلاده خاوية على عروشها.

وأنا لست هنا لإثبات حماقة هؤلاء، بل لأسأل سؤالًا واحدًا، ولا بد أن هذا السؤال قد خطر ببالكم، والسؤال هو: لماذا يحكمنا هؤلاء الحمقى؟ هل خلت البشرية من العقلاء؟ هل نحن صم وبكم وعمي إلى هذا الحد؟ ألا يوجد في هذه الأرض رجل رشيد؟

هذه الأرض التي أصبحت قرية صغيرة مع هذا الكم الهائل من التقدم التكنولوجي، وأصبح فيها الإنسان أقدر على مواجهة المخاطر والمخاوف، ومن كثرة الاكتشافات والاختراعات ما عدنا قادرين على الإلمام بهذا الكم الكبير من العلم، فما بالنا نُأمِّر علينا مترفينا ليفسدوا في الأرض ويسفكوا الدماء، ويسلكوا بنا سبل المهالك؟ ما بالنا نؤتي هؤلاء السفهاء أموالنا التي جعل الله لنا قيامًا، وكان أولى بنا أن نحجر عليهم من المهد إلى اللحد.

كيف جاءوا؟

قبل أن نعرف لماذا يحكمنا هؤلاء الحمقى، علينا أن نعرف كيف جاءوا بداية، والغريب أن غالب هؤلاء ساقتهم إلينا صناديق الاقتراع، بمعنى أننا غالبيتنا أيدهم وناصرهم وتبنى فكرهم، وأعجبه أسلوبهم فاختارهم على علم من بين غيرهم وأجلسهم فوق رؤوسنا، ويبدو أن الجلسة قد أعجبتهم ويبدو أنها تعجب أغلبيتنا.

من أين جاءوا؟

هؤلاء ليسوا من كوكب زحل، ويبدو أن كوكب زحل أوفر حظًّا من هذه الأرض، ومع أن إفساد هؤلاء يروق لقوم يأجوج ومأجوج، إلا أنهم ليسوا منهم أيضًا، للأسف هؤلاء من أنفسنا ولا يعز عليهم ما يعنتنا، وهم ليسوا بنا لا رؤوفين ولا رحيمين.

لماذا يحكموننا؟

انتشرت قبل فترة رقصة تسمى «كيكي»، وأصبحت «ترند» عالميًّا، وعجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وأنف منها القلة الغريبة كالعادة، وحذا حذوها الكثرة العجيبة كالعادة، وكيكي هي اخت تحدي المانيكان، والمانيكان هي أخت تحدي النجوم المتساقطة، وهذه العائلة الكريمة تشبه إلى حد كبير عائلة هؤلاء الحمقى الذين يحكموننا، ولكن هذا الطفح الجلدي لم يكن يومًا المشكلة، بل هو عرض جانبي وهو بمثابة ضوء أحمر اللون يخبرنا بأن هناك خرابًا كبيرًا في الداخل يحتاج إلى طبيب متمرس لعلاجه، ولكننا نحب أن نغمض أعيننا، وكذلك نحن لا نحب زيارة الأطباء.

أدرتها في رأسي كثيرًا، ولم أجد لها سببًا إلا واحدًا من اثنين، ولعلك تزيد عليهم ما تشاء، ولكن حسبي ما أعلم فأشاركك إياه، والاثنان برأيي هما الخوف والكسل.

أما الأول، فإني وجدت أخوف الناس هذه الأيام أعلمهم ووجدت أجهلهم أجرأهم، وهذا ليس بالغريب ولا عجب فيه، وقد قال إميل سيوران: «الوعي لعنة مُزمنة وكارثة مهولة، إنه الإقصاء الحقيقي، فالجهل وطن والوعي منفى»، وبهذا فإن الكثير من أهل العلم يرون أن الاعتزال أحوط وتكون إجابتهم عن كل سؤال «نحن بقدر ما نعلم إلا أننا لا نعلم».

وأما الثاني، فقد قال فيها عمر الفاروق كلامًا يكتب بماء العين، فقد قال «اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة»، فإن لهؤلاء الحمقى همة لو كانت عند أهل العقل لتبدل حال أهل الأرض جميعًا، وعلى الهامش «ليس كل ذكي بعاقل».

الخاتمة

قال الشَّعْبِيُّ رحمه الله: «الْعِلْمُ ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ، فَمَنْ نَالَ مِنْهُ شِبْرًا شَمَخَ بِأَنْفِهِ وَظَنَّ أَنَّهُ نَالَهُ، وَمَنْ نَالَ الشِّبْرَ الثَّانِيَ صَغُرَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ، وَأَمَّا الشِّبْرُ الثَّالِثُ فَهَيْهَاتَ لَا يَنَالُهُ أَحَدٌ أَبَدًا»، وأنا لا أدعي أنني أملك حلًّا سحريًّا، ولكنني أزعم أن أبا بكر وعمرًا وعثمان وعليًّا، رضي الله عنهم جميعًا، كانوا على علم، وكان هذا العلم جرأة لهم على الخوض في بحر لم يخضه من قبلهم من أحد، ولذا فإن الاستزادة من العلم تدفع الخوف، والاستزادة لا تؤتى إلا بالهمة، وأما الهمة فليست تؤتى إلا بالإخلاص لما تؤمن به، سواء أكنت على حق أم على باطل، وبه كان ميزان إبراهيم، عليه السلام، يثقل أمة كاملة، فقال الله عز وجل ممتدحًا إياه «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …