خطة الاتحاد الأوروبي لمواجهة تداعيات كورونا الاقتصادية التي يجري التحضير لها قد تكون الأكبر في تاريخ القارة الأوروبية وقت السلم.
واقترب الموعد النهائي المعين لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي للتقدم بخططهم المقترحة المتعلقة بمواجهة التداعيات الاقتصادية لانتشار وباء كورونا، حسبما ورد تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
فقد طلب قادة الكتلة الأوروبية منهم الخروج بمجموعةٍ من المقترحات للمساعدة في التخفيف من حدة الآثار الاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا بنهاية هذا الأسبوع، ومن ثم يهدف الوزراء من جانبهم إلى التوصل إلى توافق فيما بينهم خلال اجتماعٍ عبر الفيديو من المقرر عقده اليوم الثلاثاء.
والمرجح أن يتفق وزراء المالية على مجموعة متكاملة من الأدوات والإجراءات المقترحة التي تصل المبالغ المخصصة لها إلى أكثر من نصف تريليون يورو، والتي قد يصدّق عليها قادة تلك الدول في وقت لاحق من الأسبوع. وقد بلغ حجم التدابير المالية الوطنية بالفعل نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى ضمانات السيولة النقدية التي بلغت ما يعادل نحو 18% من الإنتاج الكلي لدول الكتلة. كما أطلق البنك المركزي الأوروبي برامج إتاحةٍ غير مسبوقة لشراء سندات الأصول، وكل تلك الإجراءات ضمن ما يمكن أن يصبح أكبر حزمة إنقاذ اقتصادية تشهدها القارة في وقت السلم طوال تاريخها.
إليك المقترحات المعروضة في خطة الاتحاد الأوروبي لمواجهة تداعيات كورونا الاقتصادية ، واحتمالات قبولها
صندوق الإنقاذ المالي الأوروبي: موافقة مبدئية
في اجتماعهم الأخير الذي جرى في 24 مارس/آذار الماضي، وصل رؤساء المالية إلى “إجماع واسع” يتعلق باستخدام صندوق إنقاذ منطقة اليورو لتقديم خطوط ائتمان [تسهيلات مالية] تصل إلى 2% من الناتج الداخلي لجميع أعضاء الكتلة، وحتى تجاوز هذا المبلغ في الحالات الاستثنائية.
مميزات الاقتراح: قروض بسرعة كبيرة والوصول لـ410 مليارات سيولة
ويُفترض بتلك التسهيلات أن تقلل من تكاليف الاقتراض السيادية للدول في منطقة اليورو، وبالتالي إتاحة تلك القروض بسرعة كبيرة إذا دعت الحاجة إليها. كما أن النفاذ إلى الدرع المالي لبرامج آلية الاستقرار المالي الأوروبي (ESM) التي تتوفر على سيولةٍ تبلغ 410 مليارات يورو (440 مليون دولار) يتيح للبنك المركزي الأوروبي شراء كميات هائلة من السندات السيادية للدول الأوروبية من خلال برنامج “المعاملات النقدية الصريحة” (وسيلة يدعم بها البنك اقتصادات الدول الأوروبية).
النقاط الخلافية: هل يكون من أجل كورونا فقط؟
كانت النقطة الشائكة هي الشروط التي أُلحقت بتلك الخطوط الائتمانية، ومع ذلك فإن الدول الأوروبية تقترب الآن من صفقة يُفترض أنها ستشهد الحد الأدنى من القيود ذات الصلة.
إذ سيتعين فقط على الدول إظهار أن الأموال ستستخدم لمواجهة تأثير الفيروس وتداعياته فقط.
لكن، وفي حين أن معظم البلدان على الرأي ذاته، فإن بعض الدول، مثل النمسا وهولندا، جادلت بأنه على المدى المتوسط يجب تضمين بعض الشروط المتعلقة بالصحة المالية [الأوضاع المالية وسلامة خطط الإنفاق ومعدلاته] للبلاد.
ودعت إسبانيا وإيطاليا جميع البلدان إلى التقدم بطلب للحصول على خط ائتماني، للحدِّ من وصمة العار المفترضة لطلب المساعدات المالية. لكن الأرجح أن الدول المحتاجة فقط هي التي ستتقدم للحصول على تسهيلات ائتمانية.
بنك الاستثمار العام: هدفه إنقاذ الشركات من نقص السيولة
ومن المقترحات التي لم تثر جدلاً كبيراً كغيرها هو المقترح المتعلق بإنشاء “صندوق ضمان أوروبي” يديره بنك الاستثمار الأوروبي. ويُفترض أن يسعى الصندوق إلى ضمان حصول الشركات السليمة مالياً من جميع الأحجام [صغيرة ومتوسطة وكبيرة] على السيولة النقدية التي تحتاج إليها للتغلب على الأزمة الصعبة التي حلّت بها، وذلك وفقاً لوثائق جرى تداولها بين دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي واطلعت وكالة Bloomberg عليها.
مميزات الاقتراح: يمكنه جمع 200 مليار دولار
والمفترض أن يحصل الصندوق على 25 مليار يورو تُجمع على نحو متناسب من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن الاقتصادات الأكبر، مثل ألمانيا، ستقدم أكثر من غيرها. وبحسب مذكرة فرنسية عُمِّمت على دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، يمكن لهذا الصندوق أن يجمع ما يزيد على 200 مليار يورو.
كما تريد فرنسا من الدول الأعضاء تقديم المزيد لزيادة رأس مال بنك الاستثمار الأوروبي، وهو الذي يعد بالفعل أكبر مؤسسة مالية متعددة الأطراف في العالم.
نقاط الخلاف: حجم المبالغ النهائية
ويحظى الاعتماد على بنك الاستثمار الأوروبي بدعمٍ واسع النطاق بين حكومات الدول الأوروبية، ومن المتوقع أن يتمتع كذلك بدعم وزراء المالية، وإن كانت المبالغ النهائية لم تحدد بعد.
برنامج الدعم الخاص بتعويض البطالة: 100 مليار خلال فترة قصيرة
اقترحت المفوضية الأوروبية برنامجَ دعمٍ يصل حجم مبالغه إلى 100 مليار يورو لإقراضه للدول التي تواجه ارتفاعاً متزايداً في معدلات البطالة بين مواطنيها بسبب أوضاع الإغلاق العام. وفقاً للخطة المعروفة باسم SURE، يتاح لحكومات الاتحاد الأوروبي طلب مساعدة مالية إذا “زاد الإنفاق العام فجأة وبدرجة حادة اعتباراً من 1 فبراير/شباط 2020، بسبب اعتماد تدابير وطنية تتعلق مباشرة بخطط العمل قصيرة الأجل” جراء انتشار فيروس كورونا.
وتتضمن الخطة زيادة الاتحاد الأوروبي لرؤوس الأموال المتاحة في الأسواق الدولية مدعومةً بضمانات من الدول الأعضاء.
ورغم أنه من المتوقع أن يخوض الوزراء بعض النقاشات بشأن هذا الأمر، فإن الرأي المتوقع على نطاق واسع أن تنتهي المناقشات بحصول هذا المقترح على دعمهم.
القضايا التي يتوقع عدم الاتفاق بشأنها
اقتراح بـ80 مليار دولار إضافية من صندوق الإنقاذ
وينظر مسؤولو الاتحاد الأوروبي أيضاً في برنامج تكميلي للإقراض الممول من صندوق الإنقاذ.
وتشير مسودات الخطط التي نوقشت بين دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي إلى أن البرنامج التكميلي يفترض أن يموّل نفقات الطوارئ المخصصة لمواجهة الكوارث الطبيعية، ومنها الأوبئة، كما يمكن استخدامها جنباً إلى جنب مع خطوط الائتمان. ويُفترض أن تظل هذه القروض متاحة لمدة 12 شهراً، إلا أنه يمكن استخدامها فقط لتمويل الاستجابة للطوارئ ذات الصلة.
سيكون المبلغ الإجمالي المتاح في الصندوق 80 مليار يورو، وآجال القروض لمدة تصل إلى خمس سنوات، مقارنةً بمدة العشر سنوات المتاحة لخطط الائتمان. ومع ذلك، وبالنظر إلى الإجماع المتزايد حول خطوط الائتمان، فإنه من المستبعد أن تحصل هذه الخطة على الدعم اللازم لتكون ضمن مجموعة التدابير النهائية للإنقاذ.
السندات المشتركة.. القضية الأكثر إشكالية تشهد محاولة لإيجاد حل وسط
طوال الفترة الماضية، ضغطت إحدى عشرة دولة من دول اليورو من أجل إطلاق آلية مشتركة جديدة بشأن الديون [إصدار سندات مشتركة]، لتمويل جهود إعادة الاستقرار إلى الاقتصادات المتضررة. ومن شأن هذه الآلية أن تخفف من الضغط الواقع على البلدان المثقلة بالديون مثل إيطاليا، وبدرجة أقل إسبانيا وفرنسا، كما تقلل من خطر رد فعل عنيف قد يذهب إليه مستثمرو السندات.
لكن دولاً مثل ألمانيا وهولندا لطالما عارضت فكرة الإصدار المشترك للسندات. وحجتهم أن ذلك لن يحلّ المشكلة المطروحة، كما أنهم قلقون من أن ينتهي بهم الأمر في مأزقٍ يقتضي منهم تحمل إنفاقات دول الجنوب الأوروبية الأفقر من الناحية الاقتصادية.
تجدر الإشارة إلى أن عمليات الاقتراض في دول اليورو تتم حتى الآن عبر سندات مستقلة، تُصدرها كل دولة أوروبية عضوة في الاتحاد على حدة، وتطرحها في أسواق المال العالمية للحصول على ما تحتاجه من قروض.
وتختلف نسبة الفائدة على هذه القروض وفقاً لمدى توازن موازنة كل دولة وقوة اقتصادها.
وتدفع الدول التي تعاني أزمات مثل أيرلندا واليونان فوائد على القروض المستدانة أضعاف ما تدفعه الدول المستقرة، حيث تتراوح الفوائد بين 3% لألمانيا و11% لليونان.
وعلى الرغم مما تشهده هذه الأداة من انقسامات سياسية بشأنها، فإن فكرة السندات المجمعة هذه يمكن أن تساعد في التغلب على إحدى أكبر التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي: ألا وهي كيفية الدفع إلى مزيد من التكامل المالي وتقاسم المخاطر بين دول القارة.
ومع ذلك، فإن كلاوس ريغلينغ، رئيس برنامج “آلية الاستقرار المالي الأوروبي”، حذّر من أن إنشاء مؤسسة جديدة لإصدار سندات مشتركة قد يستغرق ما يصل إلى ثلاث سنوات، ومن ثم فإن الأفضل استخدام مؤسسة قائمة بالفعل مثل المفوضية الأوروبية أو بنك الاستثمار الأوروبي أو صندوق الإنقاذ المالي الأوروبي ذاته.
ومن المستبعد إلى حد كبير أن يتوصل وزراء المالية الأوروبيين إلى اتفاق بشأن دعم هذه الآلية في هذه المرحلة. لكن السؤال هو ما إذا كان بيانهم سيلمّح إلى احتمال بشأنها في المستقبل.
وفي حين كان مجرد تلميح كهذا لفترة طويلة عاملاً حاسماً في غياب الإجماع، فإن بعض الدول الاخرى كانت ترفض أيضاً المضي قدماً ما لم يكن خيار إصدار “سندات كورونا مشتركة” [سندات مشتركة لمواجهة تداعيات أزمة كورونا] على الأقل مطروحاً للنقاش.
الخطة الفرنسية.. حيلة لسد الفجوة بين الطرفين
في محاولة لسد الفجوة بين الطرفين، تقترح فرنسا إنشاء صندوق انتعاش اقتصادي مؤقت. وقد تعهد الفرنسيون بأن خطتهم لا تقصد إلى الحديث عن أي إصدار مشترك لسندات كورونا، وإنما يدور اقتراحهم حول “إطلاق مشترك لأدوات تداين تتيح تنظيماً مشتركاً لتبادل تكلفة الأزمة”.
ومن المفترض أن يكون الصندوق المقترح موجوداً لمدة تتراوح من 5 إلى 10 سنوات، وتديره المفوضية الأوروبية، ويضطلع بتمويل البرامج المصممة لتلك الاقتصادات المتضررة. ووفقاً للخطة المقترحة التي اطلعت عليها Bloomberg، فإن القروض المقترحة يمكن سدادها من خلال ضريبة تضامن خاصة أو من ميزانية الاتحاد الأوروبي.
ولا تتعمق الخطة في تفاصيل كثيرة –مثل مقدار الأموال المفترضة وشروط الحصول عليها- لأن الفرنسيين يطلقونها كبالونٍ تجريبي يحاولون تجنب رفضه منذ البداية.
الخطة الهولندية.. تبرعات ضئيلة بدلاً من القروض
بعد النقد الذي وجِّه إليها بسبب عدم تضامنها مع الدول الأكثر تضرراً، جاء الهولنديون ببادرة سلام من نوع ما: صندوق طوارئ بقيمة 20 مليار يورو.
وتشير وثيقة أخرى اطلعت عليها Bloomberg، إلى أن الصندوق من المفترض أن يُستخدم فقط للمساعدات الطارئة المتعلقة بمواجهة وباء كورونا، دون أي تدابير اقتصادية أوسع نطاقاً، ويُموّل من خلال مساهمات متبادلة من الدول الأعضاء.
وعلى الرغم من أن الخطة الهولندية تتضمن تبرعات مباشرة بدلاً من القروض، فإن المبلغ المقترح ضئيلٌ إذا قورن بما هو مطلوب فعلاً لإعادة بناء الاقتصاد الأوروبي، لذا فمن المستبعد للغاية أن تلبي تلك الخطة مطالب دول الجنوب بالتضامن.
خطة الاستعانة بميزانية الاتحاد الأوروبي
تعتمد تلك الخطة على أن تكون ميزانية الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل جزءاً من استجابة الاتحاد الاقتصادية في مواجهة أزمة كورونا.
وميزانية الاتحاد الأوروبي هي الأداة الرئيسة للتحويلات المالية المباشرة من الدول الأعضاء الأكثر ثراءً إلى الدول الأفقر في الاتحاد.
ولكن مع وجود السقف التي تخضع له تلك المخصصات وهو ما يقارب 1% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي على مدى سبع سنوات، ومع كون معظم أموالها تُوجّه إلى المزارعين ومشاريع البنية التحتية، فإن تلك الميزانية لا تملك القوة الكافية لمواجهة تداعيات ركود اقتصادي، ناهيك عن أزمة بالغة السوء كتلك التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي الآن.
ويقول مسؤولون إن الميزانية المقررة حالياً تنتهي هذا العام، وإن الأموال المتبقية التي يمكن توزيعها أو استخدامها كضمانات لإصدار ديون جديدة محدودةٌ إلى حد كبير. لكن الخطة الخمسية القادمة التي من المقرر الاتفاق عليها في الأشهر المقبلة، ستركز إلى حد كبير على مساعدة دول الاتحاد على التعافي من آثار هذه الأزمة.
ويذهب تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، إلى فكرة مفادها وضع ميزانية موسعة خاصة للسنة أو السنتين المقبلتين، وفقاً لعدد من الدبلوماسيين الذين اطلعوا على الخطط. والفكرة هي تعزيز القدرة الشرائية للاتحاد الأوروبي، ومع ذلك فإن الغرض من تحديد المدة هو جعلها أكثر استساغة لدول الشمال الغنية.
ومن ثم فإنه على الرغم من استبعاد أن يشهد هذا الأسبوع كثيراً من النقاشات المتعلقة بخطة الميزانية، فإن المتوقع أن تظهر في خيارات الدعم الأوسع التي سيقدمها وزراء المالية لقادتهم.