“منذ الخريف الماضي وأنا أتلقى العديد من رسائل التهديد عبر فيسبوك، أخشى أن يتم وضعي في أحد سجون البرتغال، خصوصا ذاك الذي بلشبونة، لأنني لن أتركه وأنا حي” الجملة السابقة ليست لقاتل أو مجرم حرب، وإنما لـ “كاشف الفساد”.
نعم، كاشف الفساد يُدعى روي بينتو، برتغالي الجنسية ويعيش في المجر، لكنه لا يحصل على معلومات بالطرق العادية وإنما متهم بالحصول عليها بطرق غير مشروعة لذا معرض للسجن ويواجه 147 تهمة متعلقة بالاختراق والتجسس ونشر معلومات شخصية.
تهرب كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي وجوزيه مورينيو من الضرائب، إعادة فتح قضية اغتصاب رونالدو لفتاة أمريكية، وتلاعب مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان بقواعد اللعب المالي النظيف. كلها ملفات فتحت بسبب روي بينتو، أو بمعنى أدق سربها البرتغالي عبر موقع “Football Leaks”.
ملفات بينتو المُسربة كانت سببا في التحقيق مع أصحابها، وآخر نتائجها حرمان مانشستر سيتي لمدة موسمين من اللعب في بطولات أوروبا للأندية بعد خرق النادي الإنجليزي لقواعد اللعب المالي النظيف.
ولأنه لم يحصل على معلوماته بطرق عادية فإن المعلومات التي نشرها ليست بالعادية أيضا، ليتم القبض عليه في مارس الماضي خلال تواجده في المجر.
في سبتمبر 2015 أُطلق الموقع الخاص بتسربيات كرة القدم، ونشر العديد من الخبايا والتفاصيل المهمة التي كانت سببا في إيقاف أشخاص والتحقيق معهم لخروجهم على القانون.
تعاون الموقع مع شبكة التعاون الاستقصائي الأوروبي وبدوره نُشرت الوثائق التي حصل عليها في صحف “دير شبيجل” الألمانية و”موندو ديبورتيفو” الإسبانية، لكن روي بينتو كان يتعامل معها تحت اسم مستعار يُدعى “جون”.
التعاون أثمر عن نقل “جون” أو روي بينتو إلى 70 مليون مستند وحوالي 3.4 “تيرابايت” من المعلومات للصحف، تضمنت رسائل البريد الإلكتروني لأشخاص وصفتهم الصحافة بـ “ذات نفوذ” في عالم كرة القدم.
هذا الكم من المستندات لم يحصل عليه روي بينتو من الاختراق فقط.
فيوضح بينتو “لست وحدي. مع مرور الوقت حصلت على مصادر إضافية وتم تزويدي بالمستندات، ومن هنا نمت قاعدة البيانات”.
لكن هدف بينتو في البداية لم يكن كشف الفساد، وإنما الحصول على “مصالح شخصية”.
الضربة الأولى التي وجهها بينتو كانت بالكشف عن اختراق نادي تفينتي الهولندي لقواعد الاتحاد المحلي بعدما اتفق مع شركة “دوين سبورتس” لوكالة اللاعبين بإبرام عقود تخرق النصوص المتفق عليها وذلك في عام 2015.
الكشف عن تلك الاتفاقيات كان سببا في منع النادي من اللعب في المسابقات التي ينظمها الاتحاد الأوروبي لـ3 مواسم، ليتجه بينتو للدوري البرتغالي.
بينتو استخدم “قرصنة” لجمع معلومات وتفاصيل متعلقة بالعديد من عقود اللاعبين في فرق الدوري البرتغالي مع شركة دوين سبورتس أيضا بحسب ما نشرته صحيفة “ماركا” الإسبانية، لكنه لم يرد نشرها على موقعه.
ابتز بينتو شركة دوين سبورتس لعدم الكشف عن التفاصيل مقابل 500 ألف يورو، لكن مع رفض الشركة قام بنشرها على موقع “mercado de benfica” الخاص بنادي بنفيكا، ليتم تغريم بورتو مبلغ 50 ألف فرانك سويسري من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” بعدما أبرم عقودا غير شرعية، وهو ما جعل النادي يصدر بيانا يعترف فيه بأنه قد أبرم عقودا مع شركة دوين أثرت على سياسيات الفريق في سوق الانتقالات.
الضربات استمرت ونشر موقع football leaks تهرب رونالدو وميسي ومورينيو من الضرائب في الأشهر التالية، ليفتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” تحقيقا موسعا في عملية تهرب اللاعبين من الضرائب.
وهنا دفع بينتو ضريبة تسربياته.
الشرطة البرتغالية كانت قد توصلت لهويته، ووصفته بـ “عبقري الكومبيوتر”، لكنه نفى أن يكون له أي صلة بهذه التسربيات، ورغم ذلك بدأت التهديدات.
يقول بينتو “لقد تغيرت حياتي. صورتي كانت على صفحات الجرائد في جميع أنحاء البرتغال، تلقيت العديد من التهديدات بالقتل عبر فيسبوك وبريدي الإلكتروني”.
لكن بينتو لم يستسلم واستمرت ضرباته.
في صيف 2018 كشف الموقع عن قضية كاثرين مايورجا الفتاة التي اتهمت رونالدو باغتصابها، ونُشرت الوثائق التي وقعت عليها بعد توصلها لاتفاق مع المحامين الخاصين برونالدو لإنهاء الموضوع، وهو ما جعل الفريق القانوني لرونالدو ينفيها بقول “إنها مُلفقة من قِبل قراصنة إنترنت”.
بعدها بـ6 أسابيع نشر تسربيات بخصوص تدخل جياني إنفانتينو، رئيس فيفا، للتفاوض والتوصل للتسوية مع باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي حتى لا يخرقان قواعد اللعب المالي النظيف، ثم تخطيط أندية النخبة الأوروبية لإقامة بطولة “السوبر الأوروبي” والتي أُرسلت عبر البريد الإلكتروني لفلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد.
ضربات روي بينتو المتتالية جعلت السلطات تعتقله في 16 يناير 2019 في بودابست بعد حصوله على منحة إيراسموس ليدرس التاريخ في المجر.
لكن ما فعله بينتو جعل العديد من الأشخاص تتعاطف معه، ومنهم بيبو روسي عالم الاجتماع بجامعة فلورنسا والمتخصص في كرة القدم.
يقول روسي:”بينتو ليس مجرما بالنسبة لي ويجب حمايته. من الغريب بالنسبة لي أن يتم العثور عليه بعد 3 أعوام رغم أن هويته كانت معروفة وتمتلك السلطات صورة له وتعرف أين يعيش”.
كما قامت جماهير فرايبورج بدعمه خلال مواجهتهم ضد فولفسبورج في الدوري الألماني في الموسم الماضي.
جماهير فرايبورج رفعت لافتة كتبت عليها “روي بينتو.. كن قويا”
أما وليام بوردون المحامي الخاص ببينتو فيرى أن موكله قد يحدث طفرة في عالم كرة القدم.
“قد يكون ما فعله علامة فارقة وحقيقية في عالم كرة القدم لأنه قد يجعل الناس تكشف أي مخالفة يتم ارتكابها في عالم اللعبة دون خوف من مقاضاتهم”.
“الكثير يرغب في أن تكون نهايته في السجن، ويعتقدون أن بسجنه ستتوقف التسربيات، لكن لا أعتقد أن إيقاف شخص واحد سيجعل التسربيات تنتهي”.
“(بينتو) اعترف لي بأنه كان ساذجا بما فعله مع شركة دوين (بطلب أموال)، وأنه يشعر بالأسف، لكنني أنكر أنه قد ارتكب أي جريمة جنائية”.
صحيح أن روي بينتو اخترق خصوصية العديد من الأشخاص في عالم كرة القدم، لكنه لم يستغل ما فعله لأمور شخصية، وسرعان ما عاد إلى طريقه حين انحرف وطلب أموالا لعدم نشر العقود التي تخالف القانون، ولم يسرب رسائلهم الشخصية المتعلقة بحياتهم.
فتسربياته كانت متعلقة بالكشف عن الفساد في محاولة للوصول لعالم مثالي، لكنه الآن يواجه عقوبة السجن على ما فعله.