فيينا – سميرة بن عودة —-
ألم نكن نصدح بأعلى صوت ونردد أننا نريد تغييرًا حقيقيًا جذريًا عبرنا عنه بـمصطلح يتنحاو قــاع ألم نقل في بداية الطريق أننا نريد دولة القانون؟ مؤسسات دولة تحت مبادئ العدل والمساواة؟ ما الذي تغيير الآن؟ كيف تحول الصراع أفقيًا بين شعب وشعب؟ ونحن من كنا نعلم أن الصراع عمودي بين شعب ونظام؟
كيف أصبح الجميع يعملون على تخوين وتسفيف وتهييف الحراك ومطالبه بحجة رفضه تمرير حشوة الـ 12/12؟
كيف اختطفت أحلام الحراك واختفت في منعطف الطريق؟ أم أن الحراكيين تمادوا في رفع سقف آمالهم حتى كسرت أعناقهم؟
هل تعلم أن أكثر ما يحز في قلبي أننا نلدغ دائمًا من نفس الجحر وما يجعلني أكاد أنفجر حسرة، أن هذه الأنظمة لا تحتاج لتبديل أسلوبها الغبي في خداعنا فهي لا تتعب نفسها حتى، ماذا لو أبدعوا قليلًا في تمرير الانتخابات لقلنا لقد تعبوا واجتهدو فهنيئًا لهم رغم الحسرة.
تعالوا نسترجع الذكرى للعبرة، أذكر جيدًا محاكمة القرن في دولة مصر لقد كانت المثال الحي للمخادعة، حيث وُضع العجوز المسن خلف تلك الزنزانة المعدلة جيدا تمامًا على مقاس صاحب الفخامة، كانت على عينيه نظارات سوداء ملفتة وفي يد ابنه مصحف يظهر به توبة والله أعلم بالنية المبيتة أتذكر كل جزء بسيط منها واليوم ماذا حصل؟
نعم إنها البراءة الدامغة على كل جرائمه السابقة بعد عام فقط كانت الخاتمة، كل هؤلاء الذين رأيناهم وراء القضبان كلهم أحرار الآن ومن انتخبه الشعب الفراعني رئيسًا شرعيًا مات في السجن مظلومًا مقهورًا.
أنا أعلم أن الحقيقة الأكيدة هي أنه ما كانت لتكون أيضًا محاكمات للفاسدين في الجزائر لولا حراك 22 فيفري وبغض النظر عن إن كانت تصفية حسابات، أو مسرحية من مسرحيات السلطة، كما أني واثقة أيضًا أنه لو قام سعيد بوتفليقة بالإطاحة بقائد الأركان القايد صالح لرأيت نفس العبيد يساندون سعيد بكل وقاحة، ولو تغلب جناج سعيد بوتفليقة، لكان سيقدم قايد صالح والجنرالات الذين معه إلى المحاكمة ويقال لنا أن هؤلاء هم الفاسدين وسبب الخراب، كما أني على دراية بأن ليس مطلب المحاسبة ما جعلهم يضغطون هكذا وليس الفراغ الرئاسي، بل السر في مطلب تغيير قوانين وآليات الانتخابات وإسنادها للجنة شعبية مستقلة تسهر لتحقيق النزاهة.
إن هذه الانتخابات تعد سلاحهم للتمديد «الشرعي» لفسادهم وسطوتهم على الوطن، تعتبر تمثيلية سخيفة تعيد الشرعية لنظام عاث في الأرض فسادًا، تأكد يا عزيزي بأن العسكر في ظل غياب الرئيس وسلمية الحراك لن يستطيع القيام بخطوة واحدة ولو بقينا لمدة قرن دون رئيس، كنت أتمنى من السلطة الفعلية أن تملك ذرة من العقل لتجنبنا هذا الوضع وتجب الأمة هذا الانشقاق الشعبي بين مؤيد لهذه المناورة ومعارض لها، فالانتخاب في هذا الظرف ليست قضية رأي ورأي مخالف بل هي ذهابك مع كل العصابة التي خرجت ضدها في فبراير أو إعادة رسكلة ما تبقى منها من جديد، فالورقة التي يضعها المواطن في الصندوق شهادة ترفعه فوق أو تسقطه أسفل بحجة الانتخاب لأجل الوطن وليس لأجل الأشخاص، هذه الخدعة التي طبقتها السلطة مع الشعب، والمؤسف أن بعض المثقفين انطلت عليهم بحيث يلجؤون إليها كتبرير منطقي لقرارهم الشخصي باختيارهم الانتخاب وهو ما أسموها بممارسة حقهم حتى ولو تم وضع ورقة تحمل بيضاء، أنا لم أشاهد ولم أسمع أو أقرأ أي برنامج واضح من برامج التي قدمها المترشحون الخمسة يشمل جميع القطاعات يحقق أحلام وطموحات هذا الشباب اليائس من المستقبل هل في مشاريعهم الانتخابية ما يساعد على تطوير الوطن وخدمته؟ بل كان كل منهم يريد أن يثبت أن فرنسا هي عدوته الأولى، مجرد وعود عرقوبية لا تنطلي على طفل بريء فما بالك بشخص واع ومسؤول واصفين الرافضين للانتخاب بالشرذمة أو العناصر وحتى بالشواذ والمثليين وأيضًا بالأيادي الخارجية متهمينهم بالخيانة والعمالة وكأنهم لا ينتمون إلا هذا الوطن ولا تهمهم مصلحته بل وكأنهم أعداء له.
لقد أصبح هذا النظام المتعفن مفلسًا، لن تقوم له قائمة، هذا النظام سيسقط عاجلا غير آجل فقد مات إكلينيكيًا بالمصطلح الطبي لم يبق إلا نزع الأجهزة من جسمه لدفنه، لذا وجب علينا مواصلة النضال بقوة رجل واحد، فقد تعودنا في الجزائر على مساندة السلطة وإدارتها وإعلانها لمرشحها بكل الوسائل، لكن هذه المرة اختلف الأمر بحيث تتحكم السلطة في خمسة مرشحين وليس واحدًا كلهم من رحم بوتفليقة ونظامه وهذا سبب كاف لاستمرار هذا الحراك الذي لا يثور على شخص واحد بل ضد السيستم الذي أنتجه، هذا الحراك الشعبي أنه عرَّى الجميع مِن أكبر هرم في السلطة إلى أبسط مواطن، الذي عرَّى من يدَّعون الرجولة والوطنية وضعهم أمام حقيقتهم رغم كل المؤشرات التي تدل على أن السلطة مصرة على انتخابات مرفوضة من قبل شريحة كبيرة من الشعب، بتحالف مع بقايا النظام وجنرالات الفساد والإعلام المرتزق، إلا أنه كل المؤشرات تدل على أن الحراك مستمر يجابه نظام الحكم الداخلي بأجهزته وإعلامه وأدواته وأحزابه ومؤيديه، بل أيضًا يجابه القوى الخارجية الكبرى التي تدعمه وتطيل في بقائه، لا بد لنا من الأمل العريض والنفس الطويل والتمسك بالحق وعدم الظلم حتى تُشرق شمس الحقيقة.
إن كنت تظن أن دورك فقط هو وضع ورقة في الصندوق، وبهذا تكون مهمتك انتهت، فأنت مخطئ، ستتحمل مثلهم الفساد إن أفسدوا، والفشل إن فشلوا وستتحمل كل روح ماتت غرقًا في قوارب الموت هاربة بأحلامها خارج الوطن، فالكل مسؤول على ما آلت اليه حالة البلاد والعباد، كل من موقعه من أبسط مواطن إلى أعلى هرم السلطة، سوف يتحمل المسؤولية الجميع كل وحسب حدود قدرته فإن كان قادرًا على جلب منفعة فالعجلة واجبة وله كل الاحترام والتقدير وإن كان قادرًا على دفع بلاء فلا يتأخر في الدفع بكل ما أوتي من قوة وله الأجر الوفير، أما عن الحراكيين الذين يشكلون البعبع الذي سيقام له ألف حساب من النظام وبقاياه تعتبر المقاومة والناضل من أجل كل هؤلاء دون إقصاء شرفكم حتى وإن كانت النتيجة محسومة، فميل الحراك إلى العقلانية مكّنه من رؤية مسار اعتقد النظام أنه مستحيل، عقلانية جنبته الصدام وسمحت له بعدم الالتفات إلى الانتقادات التي كان هدفها إثارة ردود الأفعال، فلم يُعر لها بالاً، عقلانية مضادة للاعقلانية التي يسير بها هذا النظام والتي جعلت واجهاته تتهاوى يومًا بعد يوم.