الوساطة الأمريكية في أزمة سد النهضة، أو «سد العطش» كما يطلق عليه المصريون، تشوبها كثير من علامات الاستفهام بداية من طريقة الإعلان عنها وصولاً إلى الطرف الذي يرعاها من داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، فما القصة؟
وزير الخزانة وليست الخارجية؟
بحسب وسائل الإعلام المصرية، توجه وزير الخارجية سامح شكري إلى واشنطن، لحضور اجتماعات بشأن سد النهضة مع نظيره الإثيوبي برعاية وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين، وذلك يوم الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهذه النقطة تحديداً -وهي كون مينوتشين وليس وزير الخارجية مايك بومبيو هو الراعي للاجتماعات- تطرح علامة استفهام كبيرة.
مستشارة البيت الأبيض كيليان كونواي قالت لموقع «فويس أوف أميركا«، أواخر أكتوبر / تشرين الأول الماضي، إن إدارة ترامب «نشطة جداً حول العالم، وتعقد اجتماعات مختلفة، وتقوم بالأمور بطريقة غير تقليدية تماماً ومختلفة»، لكنها لم تقدم أي تفاصيل بشأن اجتماع سد النهضة الإثيوبي الذي وُجه إليها السؤال بشأنه.
الخطاب الذي وجهه مينوتشين إلى وزراء خارجية مصر والسودان وإثيوبيا وإلى رئيس البنك الدولي ديفيد مابلاس، لم يذكر طبيعة «الاجتماعات أو المناقشات»، ولا يوجد ذكر لوساطة أو إذا ما كان الهدف هو التفاوض أو النقاش.
لا للوساطة ولا للتفاوض!
وزير المياه الإثيوبي، في تعليقه على اجتماع واشنطن، أكد أن بلاده ستقبل دعوة وزير الخزانة الأمريكي، لكن ذلك لا يعني قبول وساطة طرف خارجي أو التفاوض، لكن الباب مفتوح للنقاش بشأن الأمور الفنية فقط، وهو ما يطرح علامة استفهام أخرى حول ما يطمح الجانب المصري إلى تحقيقه من الاجتماع مع وزير الخزانة الأمريكي.
إثيوبيا ترفض الوساطة بناء على الورقة القانونية الوحيدة التي وقعت عليها مع الجانب المصري، وهي إعلان اتفاق المبادئ الموقع في مارس/آذار 2015، في الخرطوم، ووقع عليه عن مصر الرئيس عبدالفتاح السيسي، وينص في المادة العاشرة منه على أن «اللجوء إلى وساطة طرف خارجي يتم بموافقة الأطراف الموقعة على الاتفاق»، ولهذا ترفض إثيوبيا الوساطة وتواصل بناء السد.
أين نجحت الإدارة الأمريكية الحالية في الوساطة؟
إدارة ترامب لا تحمل سجلاً حافلاً في الوساطة بالنزاعات حول العالم، ففي ملف كشمير عرض ترامب بنفسه الوساطة، فأغلت الهند الوضع الخاص لكشمير وأعلنتها ولاية هندية، وحاولت واشنطن التوسط بين تركيا والأكراد في سوريا بشأن إقامة منطقة آمنة على الحدود وفشلت، وأعلنت سحب قواتها من المنطقة.
أما في ملف الصراع العربي – الإسرائيلي، فقد أعلن ترامب عما سماها «صفقة القرن» وكيف أنها ستكون الحل الجذري للصراع في منطقة الشرق الأوسط بعد فشل كل الرؤساء الذين سبقوه، في حل تلك القضية، وها هو ترامب يدخل عامه الأخير من فترة رئاسته الأولى دون حتى أن ترى صفقته النور، والتوتر في المنطقة أصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى.
فما بالنا الآن أمام وساطة برعاية وزير الخزانة وليس الخارجية أو البيت الأبيض، يأتي إليها الطرف المتمسك بموقفه وهو إثيوبيا، معلناً رفض الوساطة أو التفاوض، فلماذا تُظهر القاهرة حماسة تجاه تلك الوساطة الأمريكية؟ وماذا تتوقع منها؟
المؤشرات جميعها إذن تصب في اتجاه كون الوساطة الأمريكية بالنسبة لإثيوبيا مجرد إثبات، لأنها غير متعنتة وتسعى لإيجاد حل وسط يقلل من مخاوف القاهرة، في حين يؤكد الواقع أنها ربما تمثل لهم فرصة لاستهلاك مزيد من الوقت حتى يكتمل بناء السد، الذي وصل إلى 80% بالفعل.
الجانب الأمريكي لم يكن متحمساً من الأساس للدخول على خط أزمة السد، شأنه شأن بقية القوى الدولية، ولم يقم بتحركه الأخير إلا بعد إلحاح النظام المصري في طلب الوساطة، فجاءت الوساطة بهذا الشكل الغريب وبرعاية وزير الخزانة وحضور رئيس البنك الدولي، وهو ما يعكس النزول على رغبة الجانب الإثيوبي، الذي يرفض إضفاء أي صفة سياسية على ذلك الاجتماع.
الجانب المصري -وهو ما ينعكس في تغطية وسائل الإعلام المقربة من وجهة النظر الرسمية- تصوَّر اجتماع واشنطن على أنه تتويج لجهود مصر الدبلوماسية وأنَّ تدخُّل واشنطن سيؤدي إلى حدوث انفراجة؛ نظراً إلى علاقتها القوية والاستراتيجية مع كلا الطرفين، وهو ما قد يكون مؤشراً على قبول إثيوبيا ما تطرحه مصر بشأن فترة ملء خزان السد وتشغيله، وهما النقطتان الخلافيتان بينهما.
ويرى مراقبون أن القاهرة ربما تريد الضغط لفرض اتفاق جديد في واشنطن، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية سامح شكري، حيث قال في تصريحات، إن بلاده «تتطلع إلى توقيع اتفاق قانوني مع إثيوبيا والسودان» في مفاوضات واشنطن، وهو ما يبدو في نظر المراقبين أمراً صعباً؛ نظراً إلى تمسك إثيوبيا بمواقفها السابقة.