فيينا : مصطفي درويش : –
منذ بضع أسابيع يدور الجدال والنقاش بشأن ارتداء الحجاب في النمسا بصفة عامة وفي مجالات القطاع العام بصفة خاصة . وقد قام كاتب هذه الكلمات بترجمة موضوعات تناولتها الصحافة النمساوية في هذا الشأن من اللغة الألمانية إلى اللغة العربية وتم نشرها لدي شبكة رمضان الإخبارية . وبالأمس كتبت مقالة جاء بها بعض خواطري في هذا الشأن تحت عنوان ” حجاب الأطفال فريضة إسلامية أم بدعة سلفية ” علي نفس الصفحة السالفة الذكر كما نشرتها على صفحتي الخاصة بشبكة التواصل الإجتماعي فيسبوك تحت عنوان ” لاتسرقوا الطفولة ” وختمت تلك الخواطر قائلآ ” أهلا بالنقاش بقلب مفتوح وعقل رشيد وتدبر عميق …” . وكنت أعتقد أنني بذلك قد انتهيت من خواطري ولم أكن أعلم انها كانت بداية لطوفان من الأسئلة والأطروحات التي تتطلب بحق القلب المفتوح والعقل الرشيد والتدبير العميق .
عدت لأقرأ عن الحجاب في الإسلام فلم أجد كلمة واحدة عن ما يسمي الأن بحجاب الأطفال لأن الحجاب أمر خاص بالنساء خاصة . فالحجاب إذن تكليف من الله علي لسان نبيه في أمر النساء . وبهذا لا أري أي جدوي من استمرارية النقاش في شأن حجاب الأطفال لأنه بحسب رأي الشخصي أمر مفتعل ولا يستحق الإهتمام ، بل وإن كان ولابد فإنه قد يستحق بعض النصح والإرشاد . فإذا قيل أن هناك أولياء أمور يفرضون على أطفالهن الحجاب في سن مبكر جدآ وجب هنا التدخل واجراء الحوار معهم برفق ووعي وحكمة . وإذا قيل أنه من باب المحاكاة من قبل الأطفال فلا جرم في هذا مادام في البيت وبين ذويهم حتي يعتادونه ويألفنه ولكن ليس للذهاب به إلى المدرسة الإبتدائية ويكون ذلك مع توعيتهن بما يفعلن حتي إذا وصلن سن التكليف وارتدتين الحجاب فعلا استطاعوا أن يجبن على مايطرح عليهن من أسئلة في هذا الشأن بعقل رشيد وفهم عميق .
أما الأمر في شأن النساء فقد جاءت فيه آيات متعددة نذكر منها هنا على سبيل المثال قول الحق سبحانه وتعالي ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ” الأحزاب 59 ، وقوله في سورة النور ” وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ … ” النور 31 . وقد أجمع علماء المسلمين علي فريضة الحجاب للمرأة المسلمة بداية من الأسرة الصغيرة الخاصة بالرسول الكريم تتمة بأسرة الإسلام بأسرها . فلنرجع لأهل الذكر كي نعلم منهم الأهداف المنشودة من هذه الآيات ومنها في المقام الأول صيانة المجتمع وسلامته .
وبالرغم من هذا فلا أكراه للمرأة على ارتداء الحجاب حيث جاء التكليف بكلمة التبليغ ” قل ” وذلك لأنها قضية إيمانية تنبع قبل كل شيء من القلب التقي الذي يتلقي الأمر السماوي فلا يجادل فيه . وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يحق لأي شخص آخر أن يجبر المرأة المحجبة على أن تتخلي عن حجابها حتي لا تكون هناك إزدواية في المعايير .
أما بالنسبة للنساء المسلمات في النمسا فالأمر بالنسبة لهن ليس بالهين حيث أنهن يعيشن كأقليات في دولة تحكمها شؤون غير إسلامية ، وهذا يعني أن ما هو مسلم به في المجتمع الإسلامي ليس مسلم به في مجتمع علماني يفصل بين الدين والدولة وتخضع فيه المؤسسات الدينية لسيطرة المؤسسات الحكومية السياسية . وفي هذا الأمر تتشابك المنظومة ما بين سياسة وأمنية وقضائية ويخضع الدين لسيطرة هذه المنظومة وهو أمر غير معتاد بالنسبة للمسلمين . وهنا تكمن المعضلة في هذه القضية بأسئلة متعددة ومفتوحة :
ما هو كم الإسلام الذي يسمح لي به هذا المجتمع العلماني ؟
هل يتعارض هذا السؤال مع قضية حرية الأديان التي كفلها الدستور في النمسا ؟
هل هذا النقاش يشمل المسلمين فقط دون غيرهم من أصحاب الديانات الأخري ولماذا ؟
ونظرآ لتعدد هذه الأسئلة وتنوعها بل وتشابكها مع موضوعات شتى وجب فتح باب النقاش على أن يكون كما قلت سابقا ” بقلب مفتوح وعقل رشيد وتدبر عميق ” من أجل مجتمع آمن وسالم للجميع .