منذ مطلع القرن العشرين، عاشت أسرة هابسبورغ الحاكمة بالنمسا على وقع خلافات عديدة. فعقب انتحار الأمير رودولف عام 1889، حصل كارل لودفيغ، شقيق الإمبراطور فرانز جوزيف الأول، على لقب وريث العرش. لكن بحلول عام 1896، عرفت النمسا أزمة عرش ثانية، حيث فارق كارل لودفيغ الحياة عن عمر يناهز 62 عاماً، عقب إصابته بالحمى التيفودية لينال على إثر ذلك ابنه فرانز فرديناند لقب وريث العرش.
وكان الإمبراطور فرانز جوزيف الأول على خلاف مستمر مع وريث عرشه الجديد. ففي عام 1900، تزوج فرانز فرديناند زواجاً اعتبر غير متكافئ من صوفيا شوتك بسبب اختلاف الطبقة الاجتماعية بين الزوجين وافتقار الزوجة للدم الملكي. وإضافة لهذا الزواج الذي أثار غضب الإمبراطور، تميّز وريث العرش بآرائه الغريبة تجاه العديد من المسائل بالبلاد، الأمر الذي هدد وحدة الإمبراطورية النمساوية وزاد من حدة الخلاف بين الإمبراطور فرانز جوزيف وابن أخيه فرانز فرديناند.
ولم تكن إمبراطورية النمسا المجر أفضل حالاً، حيث عانت البلاد من تعدد العرقيات واختلاف في اللغة والثقافة. وقد جاءت حادثة ضم البوسنة والهرسك للنمسا عام 1908 لتزيد الطين بلة، وتساهم بشكل مباشر في صعود الحركات الانفصالية، وعلى رأسها البوسنة الشابة وتنظيم اليد السوداء السري، الذي دبر حادثة سراييفو يوم 28 حزيران/يونيو 1914، والتي اعتبرت السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الأولى.
وتزايد عدد محاولات الاغتيال التي طالت مسؤولين نمساويين. فبعد حادثة عام 1910 التي استهدف خلالها طالب بكلية الطب يدعى بوجدان سراجيتش (Bogdan Žerajić) شخصية نمساوية مرموقة بسراييفو، حاولت منظمة اليد السوداء مطلع عام 1914 اغتيال الجنرال أوسكار بوتيوريك (Oscar Potiorek)، الذي شغل منصب الحاكم النمساوي على البوسنة والهرسك حينها. ومع فشل هذه العملية، وجهت منظمة اليد السوداء أنظارها لولي عهد النمسا، فرانز فرديناند، الذي انتشرت أخبار إمكانية قيامه بزيارة لسراييفو أواخر حزيران/يونيو 1914.
وبحسب عدد من المؤرخين، علم الوزير الأول الصربي، نيقولا باشتش (Nikola Pašić)، خلال أيار/مايو 1914، بوجود مؤامرة لاغتيال ولي عهد النمسا عند حلوله بسراييفو عقب حصوله على معلومات بتدفق أسلحة نحو البوسنة والهرسك وعبور عدد من المتعصبين الصرب للحدود الصربية البوسنية.
وانطلاقاً من ذلك، نقل باشتش تحذيراً بشكل غير رسمي للسلطات النمساوية حول هجوم محتمل بسراييفو، تزامناً مع زيارة ولي العهد، فرانز فرديناند، عن طريق السفير الصربي بفيينا، يوفان يوفانوفيتش (Jovan Jovanović)، الذي تكفل بدوره بإخبار وزير المالية والمسؤول النمساوي عن البوسنة، ليون فون بيلنسكي (Leon Von Bilinski)، بالموضوع. وفي الأثناء، تجاهل المسؤولون النمساويون هذه التحذيرات، حيث توجه فرانز فرديناند مع زوجته صوفي لسراييفو.
وفي 28 حزيران/يونيو 1914، تلقى الإمبراطور النمساوي، فرانز جوزيف، أثناء ممارسته لرياضة الصيد، بدم بارد خبر مقتل وريث عرشه، فرانز فرديناند وزوجته صوفي، بسراييفو، ليشهد العالم بعد شهر واحد اندلاع الحرب العالمية الأولى عقب تفعيل سياسة التحالفات.