السعودية لم تكتفِ بالبيان الهزيل رداً على ما أقدم عليه رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بحق مسلمي كشمير، بل اتخذت خطوة هامة لتعميق علاقاتها الاقتصادية مع الهند، بينما سيزور مودي الإمارات ويتم تكريمه بوسام زايد، كما ستستقبله البحرين في أول زيارة لرئيس وزراء هندي للمنامة، هذه الأخبار تكشف مدى ما وصل إليه بعض قادة العرب فيما يخص قضايا المسلمين، وفي الوقت ذاته قادة العالم المتحضر يباركون القمع في أبشع صوره، فما هي القصة؟
خيانة عربية لمسلمي كشمير
الأسبوع الماضي أعلنت أرامكو السعودية أنها ستشتري 20% من عمليات النفط التابعة لشركة ريلاينس اندستريز، وهي واحدة من كبريات الشركات الهندية، يمتلكها موكيش أمباني، أغنى رجل في قارة آسيا، وتربطه علاقات وثيقة بمودي، ومن المنتظر أن يلعب دوراً محورياً في غزو الهند لكشمير اقتصادياً، وبعد مكالمة هاتفية من مودي، الأسبوع الماضي، طالبه خلالها بزيادة الاستثمارات في كشمير، وعد أمباني رئيس الوزراء بتشكيل «قوة عمل خاصة» لتنفيذ «احتياجات التنمية» في كشمير، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وفي نفس السياق، أعلنت الهند هذا الأسبوع، أن مودي سيزور الإمارات، حيث سيتم تكريمه بأعلى وسام مدني في البلاد، وهو «وسام زايد»، كما سيقوم بأول زيارة لرئيس وزراء هندي إلى البحرين، بحسب تقرير لصحيفة هندو الهندية.
سفير الإمارات في الهند كان قد علَّق على خطوة مودي بالقول إنها «شأن هندي داخلي قد يساعد على تحسين كفاءة الإدارة والتنمية الاجتماعية الاقتصادية في المنطقة»، وهذه العبارات نصاً هي ما تبرر به الحكومة الهندية بعد أن ألغت الوضع الخاص لكشمير في الدستور الهندي قبل أسبوعين.
قمع المسلمين حول العالم
الحقيقة أن ما يحدث في كشمير لا يسقط ورقة التوت عن قادة السعودية والإمارات والبحرين فقط، لكنه أيضاً يعرّي قادة العالم المتحضر، ويكشف عن مدى التدهور الأخلاقي الذي أوصلنا إليه هؤلاء القادة، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزينغ شي الصيني، ومودي وغيرهم.
جيمس دورسي وهو زميلٌ أول في كلية الدراسات الدولية في جامعة راجارتنام بسنغافورة، كتب تقريراً بهذا المعنى نشره موقع لوب لوغ الأمريكي بعنوان: «أزمة كشمير تُسلِّط الضوء على شكل العالم الحضاري» .
يُعَد قرار الهند بحرمان كشمير من استقلاليتها، وفرض السلطات الصينية إجراءات صارمة في إقليم شينجيانغ المضطربة في شمال غربي الصين، وضم إسرائيل أراضي عربية بدعمٍ من الولايات المتحدة أحدث مؤشراتٍ على شكل نظامٍ عالمي جديد بقيادة زعماء حضاريين.
ففي إطار التعامل مع بعض النزاعات الأخيرة، خلق ترامب ونتنياهو ومودي ورؤساء عرب ومسلمون نظاماً عالمياً جديداً، يُمكِّن الزعماء الحضاريين من انتهاك القانون الدولي دون عقاب.
ويسمح لهم كذلك بالتخلي عن الدبلوماسية، وفكرة الدولة القومية كما عرفها العالم منذ معاهدة وستفاليا التي أبرِمَت عام 1648، وتجاهل الحقوق القومية والعِرقية والدينية وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان.
فمودي أوفى بوعدٍ انتخابي قطعه منذ فترةٍ طويلة، وسحب حق ولاية كشمير في الحكم الذاتي سحباً من طرفٍ واحد، وهذا يُشبه ما فعله ترامب حين حقق وعداً انتخابياً كذلك، واعترف من جانبٍ واحد بضم إسرائيل للقدس الشرقية وهضبة الجولان.
زعماء عرب فقدوا المصداقية
لكنَّ الذي مكَّن هذا الاعتراف هو بعض الزعماء العرب والمسلمين الذين تخلَّوا عن أي تظاهر بالتضامن الإسلامي، وفقدوا المصداقية في أحاديثهم الانتقائية الفارغة، التي تفتقر إلى أفعال، عن محنة إخوانهم في العِرق أو الدين.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ تصرفات مودي ترامب ونتنياهو هي تصرفات قادةٍ حضاريين يُحدِّدون حدود بلدانهم وفقاً لادِّعاءاتٍ تاريخية، وتمثيل حضاراتٍ بدلاً من أمم ذات حدودٍ مُعترف بها دولياً، وتضم سكاناً، ولها لغةٌ خاصة بها، ورفض حقوق الآخرين.
انقلاب على السياسة الهندية ذاتها
وأشار ويليام دارليمبل، المؤرِّخ المتخصص في تاريخ جنوب آسيا، مُعيداً إلى الأذهان مبادئ السياسة الهندية في السنوات الأولى من استقلال الهند، إلى أنَّ مودي ابتعد ببلده عن رؤية الدولة القومية التعددية الديمقراطية التي تصوَّرها جواهر لال نهرو، الناشط المؤيِّد للاستقلال وأول رئيس وزراء هندي.
إذ قال نهرو في عام 1952: «كشمير ليست مِلكاً للهند ولا باكستان، بل ملكٌ للشعب الكشميري. فعند ضمِّ كشمير إلى الهند، أوضحنا لزعماء الشعب الكشميري أننا سنلتزم في نهاية المطاف بقرار استفتائهم. وإذا طلبوا منَّا الخروج، فلن أتردد في مغادرة كشمير. لقد نقلنا القضية إلى الأمم المتحدة وأعطينا كلمة شرف بالالتزام بحلٍّ سلمي. وبصفتنا دولة عظيمة، لا يمكننا أن ننقضها» .
وأظهرت استطلاعات هندية أنَّ حوالي ثلثي سكان ولاية كشمير، إحدى أبرز المناطق المُعسكَرة في العالم، يريدون الاستقلال.
وجديرٌ بالذكر أنَّ مودي نفسه أشار إلى أنه يعرف أنَّه يلعب بالنار في المنطقة التي أطلق عليها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ذات مرة «أخطر الأماكن في العالم» .
إجراءات قمعية في كشمير
وتحسُّباً لأن تلقى هذه الخطوة رفضاً من جانب الجالية المسلمة في الهند، التي كانت بالفعل في موقفٍ دفاعي للهجمات التي تتعرَّض لها من أنصار القومية الهندوسية، أرسل مودي عشرة آلاف جندي إلى كشمير قبل إلغاء استقلالها، واحتجز العشرات من الزعماء السياسيين، وأمر السياح بمغادرة المنطقة، وأغلق المدارس وقطع خطوط الهاتف والإنترنت.
وصحيحٌ أنَّ توقيت هذه الخطوة ربما يكون مدفوعاً بالعرض الذي قدَّمه ترامب مؤخراً للتوسُّط في نزاع كشمير، والذي رفضته الهند رفضاً قاطعاً، والمفاوضات الأمريكية مع طالبان التي يمكن أن تؤدي إلى انسحاب أمريكي من أفغانستان، وربما إلى سيطرة طالبان على الأراضي الأفغانية، مما قد يُقوِّي شوكة باكستان، الغريمة اللدودة للهند، لكنَّ مودي بمساعدة وتحريض من القادة الحضاريين ذوي العقليات المتشابهة، أعاد تعريف فكرة نهرو عن العظمة بصياغتها في قالب القومية الهندوسية، بدلاً من القومية الهندية، وهو نهجٌ يسمح له بنقض الوعود وعدم الوفاء بالالتزامات القانونية والسياسية الأخلاقية التي قطعها أسلافه.
ترامب ودوره الخطير
وهذا ينطبق على ما فعله نتنياهو، حتى لو كان الضم الإسرائيلي القانوني للأراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967 مدعوماً بقوانين أصدرها أسلافه.
وربما يكون ترامب قد جرَّأ مودي على تلك الخطوة حين انتهك القانون الدولي سابقاً، باعترافه بضم إسرائيل من جانبٍ واحد للقدس الشرقية، التي استولت عليها من الأردن، وهضبة الجولان التي استولت عليها من سوريا، وكذلك بموافقته على النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية.
وهو ما ينطبق كذلك على ما فعله الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي تمكن من ضمان استمرار صمت العالم الإسلامي، الذي لم يكتف بالصمت، بل أيَّد في بعض الأحيان حملة القمع الوحشية على المسلمين الأتراك في إقليم شينجيانغ، التي تُمثِّل أبرز الاعتداءات المباشرة على أحد الأديان، في العصر الحديث.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذه التحركات الحضارية في كشمير وشينجيانغ والأراضي التي تحتلها إسرائيل قد تُسفر على المدى القصير و/أو البعيد عن إشعال شرارة صراع عنيف، بما في ذلك مواجهة بين القوتين النوويتين الهند وباكستان، واندلاع اضطرابات شعبية هائلة.
إذ خرج نحو عشرة آلاف كشميري إلى الشوارع في الأيام الأخيرة، احتجاجاً على إلغاء الحكم الذاتي حالما خفَّفت الهند من حظر التجول الذي فرضته الحكومة هناك.
وكذلك فالانقسامات في العالم الإسلامي حول كيفية الردَّ على التحركات الحضارية في النزاعات الطويلة الأمد التي تتضمَّن مجتمعاتٍ إسلامية يمكن أن تصبح سيفاً ذا حدين للقادة العرب والمسلمين، الذين يهتمون اهتماماً متزايداً بتفضيل ما يرونه مصلحة قومية لدولهم على التضامن الإسلامي والدفاع عن الأمة الإسلامية.
وكانت تركيا وماليزيا من بين الدول الإسلامية القليلة التي انتقدت هذه الخطوة الهندية علناً، مثلما كانا من الدول الإسلامية القليلة التي انتقدت الوضع في شينجيانغ والأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل.
استعداد للتضحية بقضايا المسلمين
ويُمكن القول إنَّ اختلاف ردود العالم الإسلامي على الأزمات المتعددة التي تستهدف حقوق المسلمين لا تشير إلى ضعفه فحسب، بل توحي كذلك بوجود استعدادٍ متزايد للتضحية بهذه القضايا في سبيل المصالح القومية والمزايا الاقتصادية المتصوَّرة.
والسؤال هنا: هل كنا سنرى تأييداً شعبياً لهذا النهج لو كانت الشعوب في العديد من البلدان الإسلامية تحظى بحرية تعبير غير مقيدة بشدة؟ الخطر هنا يكمن في أنَّ عجز القادة عن قياس الرأي العام أو رغبتهم في تجاهله سينقلب عليهم في نهاية المطاف.