إيران والعرب من يصل للنووي أولًا؟

قد لا يعلم الكثيرون أن البدايات الأولى للبرنامج النووي الإيراني قد بدأ فعليًا في فترة خمسينات القرن العشرين بمساعدة من الولايات المتحدة نفسها التي ترفض اليوم وتعارض البرنامج النووي الإيراني، وكان ذلك جزءًا من برنامج «الذرة من أجل السلام»، حيث قام الشاه بوضع الأساس لبرنامج إيران النووي يوم 5 مارس (آذار) عام 1957 عندما تم الإعلان عن «الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الإستخدامات السلمية للطاقة الذرية» تحت رعاية برنامج أيزنهاور الذرة من أجل السلام.

وبعد 10 سنوات وفي عام1967 تأسس مركز طهران للبحوث النووية (TNRC)، وتديره منظمة الطاقة الذرية الإيرانية. وقد تم تجهيز مركز طهران بمفاعل أبحاث نووية حينها بقدرة خمسة ميجاوات، والتي منحتها الولايات المتحدة والتي قامت بتغذيته بيورانيوم عالي التخصيب.

من حق إيران كما كل دول العالم أن تصبح قوة عظمى في وجه القوى العظمى الأخرى المتحكمة والمسيطرة على مقدرات كل شعوب العالم. كما أصبحت الهند وباكستان، ومن قبلهما الصين، وحتى كوريا الشمالية الذين امتلكوا أسلحة الردع النووي، لكن مع فارق أن هذه الدول لم تؤذ جيرانها، ولا المجتمع الدولي، ولا تتدخل في شؤون إقليمها كما تفعل إيران التي منذ أربعة عقود، وهي تتعملق وتتعظم على جيرانها العرب المسلمين المسالمين تسفك الدماء وتدمر المدن والقرى هذا ليس من العظمة في شيء، وإنما إسفاف وسفاهة جيو سياسية، فالتاريخ المعاصر والقديم كله عبر ودروس لمن يفهم العبرة، فإمبراطورية اليابان تعسفت في احتلالها لجيرانها دمرت وخربت وقتلت الآلاف من أجل أن تكون إمبراطورية عظمى، وتحقق لها ذلك فترة من الفترات، حيث أصبح شرق آسيا بالكامل مستعمرة يابانية، لكن عندما تمادت كثيرًا وأرادت الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك، فما كان إلا أن يتدخل الأمريكان لوقف التمدد الياباني لتبدأ قصة القوة العظمى الجديدة شرطي العالم الولايات المتحدة، وعندما سعت ألمانيا لتصبح قوة عظمى فاشية وحققت ذلك، حيث سقطت أمامها أكبر قوتين في العالم حينها بريطانبا وفرنسا ونصف أوروبا، فما كان إلا أن يتدخل الأمريكان لإنقاذ أوروبا والعالم من الفاشية وهزيمتهم وتحرير أوروبا والعالم.

إيران ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية

قامت إيران على إثر تأسيس مركز البحوث النووية بتوقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 1968، وصدقت عليها في عام 1970؛ مما جعل البرنامج النووي الإيراني تحت المراقبة ومتابعة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حيث كانت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية الغربية الداعمين والمساهمين في البرنامج النووي الإيراني حتى قامت الثورة الايرانية عام 1979، وأطاحت بالشاه، حينها أوصى الخميني بحل كل أبحاث الاسلحة النووية السرية للبرنامج، حيث اعتبر هذه الأسلحة محظورة بموجب الأخلاق والدين الإسلامي.

ولكنه سرعان ما أعاد السماح بإجراء بحوث صغيرة النطاق في الطاقات النووية، وسمح بإعادة تشغيل البرنامج خلال الحرب الإيرانية العراقية، ولكن خضع البرنامج لتوسع كبير بعد وفاة الخميني في عام 1989. وقد اكتمل هذه المرة بمساعدة روسيا عبر وكالة روساتوم الروسية الحكومية. وكانت إيران قد أعلنت أنها تعمل على إنشاء محطة جديدة للطاقة النووية قدرته 360 ميجاوات. فالبرنامج النووي الإيراني شمل عدة مواقع بحث، اثنين من مناجم اليورانيوم ومفاعل أبحاث، ومرافق معالجة اليورانيوم التي تشمل محطات تخصيب اليورانيوم الثلاثة المعروفة.

يعتبر مفاعل بوشهر أول محطة للطاقة النووية في إيران، وكانت إيران قد أوضحت بأنها تسعى لتصنيع محطات متوسطة الحجم لإنتاج الطاقة واستكشاف مناجم اليورانيوم في المستقبل. وذلك في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، وقد انتقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجلس محافظي إيران. وبعد تقرير الوكالة خلص إلى أن إيران على الأرجح قد أجرت البحوث والتجارب الرامية إلى تطوير قدرات الأسلحة النووية قبل عام 2003.

مصر وبرنامجها النووي

الحقيقة أن أول بلد عربي فكر وبدأ برنامج للطاقة النووية هي جمهورية مصر العربية وذلك في عام 1954؛ عندما تم إنشاء أول مفاعل نووي للأبحاث حمل اسم مفاعل البحث والتدريب التجريبي -1 (ETRR-1) وقد تم الحصول عليه من الاتحاد السوفيتي عام 1958 حينما أعلن جمال عبد الناصرعن افتتاح المفاعل في (أنشاص الرمل) على مقربة من دلتا النيل.

وذلك في عام 1964، وكان من المقرر أن يُنتج المفاعل 150 ميجاوات، وفي عام 1976 تأسست محطات طاقة نووية صغيرة إلى أن تأسس مفاعل نووي هو الأهم والأبرز في مدينة الضبعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط عام 1983.

ومن المعروف أنه في عام 1968 وقعت مصر على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، لكنها أجلت التصديق عليها بعدما تُأكد لها أن إسرائيل قامت بتطوير برنامج للأسلحة النووية، لكن بعد كارثة تشيرنوبيل 1986جمدت مصر كل ما يتعلق بمشروعاتها النووية مما افقد مصر الكثير من الخبراء والعلماء الذين اضطروا إلى السفر إلى الخارج بحثًا عن فرص العمل. بعضهم انضم للعمل في برنامج العراق النووي، وآخرون هاجروا باتجاه كندا وهولندا.

العراق وبناء المفاعل النووي

أما العراق فقد بدأ البرنامج النووي لديهم بعد توقيع مذكرة تفاهم مع الاتحاد السوفيتي في17 أغسطس (آب) عام 1959، لبناء مفاعل نووي، وفي 1968 تم الانتهاء من بناء مفاعل بحثي صغير من نوع (IRT-2000) مع منشآت قادرة على إنتاج النظائر المشعة بالقرب من بغداد،وفي سنة 1975، قام صدام حسين بزيارة موسكو وطلب بناء محطة نووية متطورة، ولكن السوفييت اشترطوا أن تكون المحطة تحت سيطرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولكن العراق رفض، وبعدها في 15 أبريل (نيسان) من نفس السنة، وقعت اتفاقية تعاون بين الطرفين وتعد هذه الاتفاقية تالية لاتفاقية عام 1959، وبعدها بستة أشهر وافقت فرنسا على بيع 72 كيلوجرام من اليورانيوم بدرجة 93، كما وافق الفرنسيون على بناء محطة نووية دون سيطرة من  الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبكلفة 3 مليار دولار.

في أواخر السبعينات أمر صدام بإنشاء برنامج أسلحة نووية سري حينما اشترى العراق مفاعل نووي من طراز (Osiris)، وكان المفاعل معد لأغراض نووية بحثية سلمي، ولكن إسرائيل شككت بدوافع العراق، واعتبرت أنه سيستخدم لصناعة أسلحة نووية، ولكن في 7 يونيو (حزيران) 1981 قامت إسرائيل بشن هجوم مفاجئ بسرب طائرات إف-16، منطلقة من قاعدة سيناء، والتي كانت تحت السيطرة الإسرائيلية آنذاك، وعبر أراضي المملكة السعودية ووصولًا للعراق، وقامت بتدمير مفاعل «تموز 1»، و«تموز 2»، الذي كان تحت قيد الإنشاء على بعد 17 كيلومتر من جنوب شرق بغداد، كما تم قصف المنشآت النووية العراقيية بشدة في حرب الخليج الثانية، وتلتها فترة التفتيش على المنشآت من قبل المفتشين الدوليين، ومرت بمراحل عدة بين المنع والسماح لهم بالتفتيش، وتعرضت المنشآت النووية لأضرار وسرقت في حرب الخليج الثالثة.

العرب وضرورة السير في برنامجهم النووي

لكن تبقى الحقيقة التي يجب علينا كعرب أن نعلمها ونفقهها جيدًا أن الولايات المتحدة لن تستطيع منع إيران من امتلاك السلاح النووي مهما حاولت وقالت وعاقبت، فهي لم تستطع منع كوريا الشمالية من صنع قنبلتها النووية والذرية وربما حتى امتلاكها للقنبلة الهيدروجينية، وهي التي مفروض عليها عقوبات وحصار دام أكثر من خمسة عقود، ولم تستطيع مراجعة إسرائيل ومنعها من صنع قنابلها النووية، ولم تتمكن من حرمان باكستان الإسلامية في خطو نفس خطوة جارتها الهند في امتلاك سلاحها النووي، فكيف لن نصدق أو نثق في أن الولايات المتحدة ستمنع إيران من حقها النووي والمعلوم لدينا أن البرنامج النووي الإيراني أساسه الولايات المتحدة التي قدمت برنامجها الشاه قبل 60 عامًا تحت عنوان (الذرة من أجل السلام).

فما على العرب وحلفاء الولايات المتحدة إلا السير على خطا إيران، والبدء ببرنامجهم النووي الموحد والدخول معمان الدول المنتجة للطاقة النووية والقادرة على امتلاك وصنع قنابلها النووية للردع أولًا وليطلق عليه ( برنامج النووي من أجل الأمن والأمان).

فالسعودية والإمارات رسميًا أعلنوا عن تطلعهم، بل بالفعل اتخذوا خطوات جريئة في سبيل امتلاك الطاقة النووية سلميًا، ورحلة الألف ميجاوات تبدأ بخطوة.

لا خيار أمام العرب إلا ذلك؛ فكل الإمكانات المادية والعلمية متوفرة لدى العرب، ولم يبق إلا الشروع في عدة برامج نووية بعدة بلدان عربية تحت هدف واحد: الردع أولًا لتحقيق الأمن، والأمان ثانيًا.

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …