الصين تعزل أطفال الإيغور المسلمين عن عائلاتهم لنزعهم من جذورهم بشكل ممنهج

في الوقت الذي تحتجز فيه الصين مئات الآلاف من المسلمين الإيغور الأقلية بالبلاد، تمارس فصلاً متعمداً للأطفال المسلمين عن عائلاتهم، والبيئة الدينية واللغوية الخاصة بهم، وتضعهم في مناطق بعيدة بإقليم شينجيانغ.

وتكشَّف ذلك في أدلة جمعتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، التي نشرت أمس الخميس 4 يوليو/تموز 2019، تقريراً عن المدارس التي تستخدمها الصين لفصل الأطفال عن آبائهم. 

وقالت الشبكة إنها جمعت بعضاً من أشمل الأدلة حتى الآن على ما يحدث للأطفال في منطقة شينجيانغ، استناداً إلى الوثائق المتاحة للعامة وعشرات اللقاءات مع أفراد العائلة خارج البلاد.

وتُظهر السجلات أنه في قرية واحدة فقط، فقدَ أكثر من 400 طفل كلا أبويه بأحد أشكال الاحتجاز، إما بالسجن وإما في المعسكرات.

نزع الأطفال من جذوزهم

وتشير الأدلة إلى أنه إلى جانب جهود تحويل هوية بالغي شينجيانغ، فإن هناك حملة موازية بغرض انتزاع الأطفال من جذورهم على نحو ممنهج.

وقالت إحدى الأمهات مشيرة إلى صورة بناتها الثلاث: «أنا لا أعرف من يعتني بهن الآن». وأضافت: «لا يوجد أي سبل للاتصال».

وقالت أُمٌّ أخرى تحمل صورة لثلاثة أبناء وابنة، وهي تمسح دموعها: «سمعت أنهم أُخذوا إلى ملجأ أيتام».

وقالت BBC إن الآباء والأقارب أفصحوا في 60 لقاءً منفصلاً، عن تفاصيل اختفاء أكثر من 100 طفل في شينجيانغ، وذلك خلال أمواج متلاحقة من الشهادات القلقة التي يكسوها الحزن.

والإيغور طائفة عرقية ذات أغلبية مسلمة، وتربطها بتركيا روابط قديمة قائمة على اللغة والدين، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، وجدوا أنفسهم محاصَرين بعد أن بدأت الصين اعتقال آلاف من أبناء الإيغور والأقليات الأخرى في معسكرات ضخمة.

وتقول السلطات الصينية إن الإيغور يتعلمون في «مراكز تعليم مهني»، بغرض كبح التطرف الديني العنيف. لكن الأدلة أوضحت أن كثيرين اعتُقلوا، لأنهم ببساطة أظهروا عقيدتهم -بالصلاة أو ارتداء الحجاب- أو من أجل وجود علاقات خارجية مع أماكن مثل تركيا.

وأصبح الاتصال الهاتفي صعباً؛ فحتى التحدث إلى الأقارب في الخارج خطير جداً الآن بالنسبة لمن يعيشون في شينجيانغ.

أطفال من الإيغور الأقلية الدينية في الصين 

بناء المدارس لفصل الأطفال

وقال أبٌ اعتُقلت زوجته لدى عودتها إلى شينجيانغ، إنه يخاف أن يكون أحد أبنائه الثمانية الآن في حوزة الدولة الصينية، مضيفاً: «أظن أنهم أُخذوا إلى معسكرات تعليم الأطفال».

وكشف تقرير BBC أن مساحات المدارس التي تستخدمها الصين للفصل بين الأطفال وعائلاتهم قد ازدادت، حيث بُني فيها مزيد من بنايات سكن الطلاب، وازدادت السعة على نطاق ضخم. 

واتضح أن الحكومة زادت بدرجة كبيرة من قدرتها على الرعاية الدائمة لعدد أكبر من الأطفال، في الوقت نفسه الذي تبني فيه معسكرات الاعتقال.

وخلال عام 2017 وحده، ازداد عدد الأطفال المسجلين بمرحلة رياض الأطفال في شينجيانغ بأكثر من نصف مليون طفل. وتُبين الأرقام الحكومية أن الإيغور وبقية الأقليات المسلمة يشكلون أكثر من 90% من هذه الزيادة. 

ونتيجة لهذا، ارتفع مستوى التسجيل في مرحلة رياض الأطفال بعد أن كان أقل من متوسط مستوى التسجيل بالصين، ليصبح الأعلى في الصين حتى الآن.

وأنفقت السلطات في جنوب شينجيانغ وحدها، وهي منطقة تضم التركيز الأكبر من السكان الإيغور، 1.2 مليار دولار على بناء دور رياض الأطفال وتطويرها.

ويشير تحليل أجراه أدريان زنز، وهو باحث ألماني يعود الفضل إليه في كشف الأبعاد الكاملة للاعتقالات الجماعية بالصين، إلى أن هذه الطفرة في البناء تضمنت إضافة كميات كبيرة من مساحات السكن الداخلي للطلاب.

ويبدو أن التوسعة التعليمية في شينجيانغ تقودها الروح نفسها التي قادت الاعتقال الجماعي للبالغين. ولا شك في أنها تؤثر في كل أطفال الإيغور والأقليات الأخرى أيضاً، سواء كان آباؤهم في المعسكرات أو لا.

توطين للأطفال

وفي عام 2018، بدأ العمل بموقع أو موقعين لمدرستين داخليتين جديدتين في مدينة يتشينغ جنوبي شينجيانغ (تُعرف بـ «كارغيليك» بلغة الإيغور)، بحسب ما أظهرته الصورة. 

وبسحب الخط في المنتصف ستُكتشف مساحة بناء المدرستين الداخليتين، اللتين تفصلهما مساحة مشتركة للملاعب الرياضية، وكل منهما أكبر بثلاثة أضعاف من متوسط مساحة المدارس في بقية أنحاء البلاد، ولم يستغرق البناء سوى ما يزيد قليلاً على العام.

وفي شهر أبريل/نيسان 2019، أعادت سلطات الإقليم توطين ألفي طفل من القرى المحيطة، ووضعتهم في مدرسة متوسطة داخلية ضخمة بمقاطعة يتشينغ رقم 4.

ويمجد إعلام الدولة فضائل المدارس الداخلية، مثل أنها تساعد في «الحفاظ على الاستقرار والسلام الاجتماعي»، حيث «تتولى المدرسة دور الأبوين». ويقول زنز إن هناك أغراضاً دفينة لهذا الأمر.

ويجادل قائلاً: «المدارس الداخلية هي السياق المثالي لإعادة هندسة ثقافية مستمرة لمجتمعات الأقلية».

ومثلما يحدث في المعسكرات، يوضح بحثه أن هناك الآن حملة ممنهجة للتخلص تماماً من استخدام لغة الإيغور واللغات المحلية الأخرى داخل حرم المدرسة، في حين تحدد التنظيمات الفردية في المدرسة عقوبات صارمة مبنيَّة على النقاط، تشمل الطلاب والمدرسين إذا تحدثوا بأي لغة غير الصينية داخل المدرسة.

ويتسق هذا مع التصريحات الرسمية الأخرى التي تدَّعي أن شينجيانغ حققت بالفعل التعليم الكامل للغة الصينية في كل مدارسها.

معاناة كبيرة لعائلات المسلمين الإيغور نتيجة فصل الأطفال عن عائلاتهم 

مشكلات اجتماعية

وفي حوار له مع هيئة الإذاعة البريطانية BBC، أنكر شو غوي شيانغ، المسؤول الكبير بإعلام الدولة، أن تكون الدولة ملزمة برعاية الأعداد الكبيرة من الأطفال الذين تُركوا بلا آباء نتيجة للأحداث.

وقال ضاحكاً: «إذا أُرسل كل أفراد عائلتي إلى مراكز التدريب المهني، فالعائلة لديها مشكلة شديدة بالتأكيد. لم أرَ حالة كهذه قط»، بحسب تعبيره.

بيد أن أبرز جزء في عمل زنز ربما يكون دليله الذي يوضح أن أبناء المعتقلين يوجَّهون بالتأكيد إلى نظام المدارس الداخلية وبأعداد كبيرة.

وتوجد استمارات تفصيلية تستخدمها السلطات المحلية لتسجيل أوضاع الأطفال الذين دخل آباؤهم إلى مراكز التدريب المهني، أو إلى السجن، وكي يقرروا مدى حاجتهم لرعاية مركزية.

وعثر زنز على إحدى الوثائق الحكومية التي تفصل أشكال الدعم الحكومي المختلفة المتاحة لهذه «الجماعات المعدمة»، التي تشتمل على هذه العائلات التي ذهب منها «كلٌّ من الزوج والزوجة إلى مراكز التدريب المهني».

ومن الواضح أن تأثير الاعتقال الجماعي على الأطفال يُنظر إليه الآن باعتباره مشكلة اجتماعية، وأن هناك بعض الجهود المبذولة للتعامل معها، لكنه شيء لا تريد السلطات عرضه على العامة.

ويبدو أن بعض الوثائق الحكومية التي كُشفت كانت مخبَّأة عن عمد من محركات البحث، عن طريق استخدام رموز غامضة بدلاً من مصطلح «التدريب المهني». ويقال إن بعض معسكرات البالغين يُبنى بجوارها دُور رياض أطفال. وعند زيارتها، امتدح مراسلو إعلام الدولة الصينية فضائلها، وفقاً لـBBC.

تحسين سمعة المدارس

وقال المراسلون إن المدارس الداخلية تسمح لأطفال الأقليات بتعلُّم «عادات حياتية أفضل» ونظافة شخصية أفضل مما كانوا يتعلمونها في منازلهم، مشيرين إلى أن بعض الأطفال بدأوا الإشارة إلى مدرساتهم باسم «ماما». 

وقالت BBC إنها اتصلت بعدد من مكاتب التعليم في شينجيانغ، محاوِلةً معرفة المزيد عن السياسة الرسمية في هذه الحالات. لكن رفض معظمُ الأشخاص التحدث.

ونقلت الهيئة البريطانية عن عائلات مشتَّتة من الإيغور موجودة في إسطنبول، حالة اليأس التام والأسى العميق الذي يسيطر عليهم. 

وقالت إحدى الأمهات: «فصلوا آلاف الأطفال الأبرياء عن آبائهم، ونحن ندلي بشهاداتنا باستمرار». وأضافت: «لماذا يلتزم العالم الصمت وهو يعرف هذه الحقائق؟!».

وأظهر البحث في شينجيانغ أن كل الأطفال الآن يجدون أنفسهم في مدارس مؤمَّنة بـ «تدابير إدارية انعزالية مغلقة»، وتعج كثير من المدارس بنظام مراقبة كامل، وإنذارات خارجية، وأسوار مكهربة بعشرة آلاف فولت. وتحتوي بعض المدارس على أنظمة أمنية تتفوق على الأنظمة الأمنية في المعسكرات.

وقد نُشرت السياسة ببدايات عام 2017، في الوقت الذي بدأت فيه الاعتقالات تزداد زيادة حادة. ويتساءل زنز: هل كانت الدولة تستبق بذلك أي احتمالية من جانب الآباء الإيغور لمحاولة استعادة أطفالهم بالقوة؟

ويقول زنز: «أعتقد أن الفصل الممنهج بين الآباء وأطفالهم دلالة واضحة على أن حكومة شينجيانغ تحاول تربية جيل جديد منفصل تماماً عن جذوره ودينه ولغته».

وأضاف: «أعتقد أن الدليل أمامنا يشير إلى ما يجب أن نسميه تطهيراً عرقياً ثقافياً».

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …