انتهاكات الدستور المصرى على كل لون يا باتيستا!

ange-mostafa

القاهرة – انجى مصطفى —

ربما يتعجب القراء الكرام من استخدامي لمثل شعبي، وهم قد اعتادوا مني لونًا مغايرًا، إلا أنني وبعد كل ما نخابره يوميًا لا يمكنني إلا السير على ركاب ما هو دارج، خصوصًا أن الشئون السياسية، أصبحت “باتيستا” بالفعل وعلى كل لون كذلك!

فإدراج اتفاقية “باطلة دستوريًا” في أروقة المحاكم الإدارية هو إدراج غير سليم من الأساس، لأن الاتفاقية تمثل تعديًا على الدستور، وتحديدًا على المادة 151 والتي تنص على أن “رئيس الجمهورية يمثل الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة .

” لذا، فالمعنى بالنظر في هذه القضية هي المحكمة الدستورية العليا، وهي صاحبة القول الفصل بتوافق أي قرار أو مرسوم أو قانون أو حكم قضائي مع الدستور الذي هو التشريع الأعلى في البلاد. والبداية كانت في اتخاذ سدة الحكم في مصر قرار سياسي، المفترض به أنه يمثل مبادرة أو معاهدة أو اتفاق، ينتج عن تنفيذه تنازل عن أراضٍ مصرية، والمتتبع لحيثيات القضية، يجد أنه لم توجد أصلاً أي مبادرات نتج عنها تنازلات، بل كان “اتفاق تنازل” أصيلاً وجذريًا منذ البداية! وهذا معناه، أنه اتفاق معيب وغير صحيح، ولو كان يخضع لسلطة الرئيس في نفس المادة، إذ إن الأصل هو إبرام معاهدات أو اتفاقات دولية، والفرع هو النتائج التي تترتب عن مثل تلك القرارات، ولما كان الأصل هو التنازل، إذا فالاتفاقية مخالفة جملة قبل تفصيلاً لمادة تشكل قلب الدستور المصري، وبانتهاكها ينتهك الدستور ذاته، ويقوض على أساسه كل وجود رسمي يمثل الشعب في البلاد.

هذا أولاً، أما ما تبع القرار من أنه أحيل إلى محكمة القضاء الإداري، وهي محكمة غير صاحبة اختصاص في النظر في قضية سيادة، إذ إن اختصاصات محكمة القضاء الإداري، تتعلق بحدود البلاد، وتنظر فقط في قضايا داخل الحدود، كإبعاد المواطنين عن الحدود وفي الفصل في منازعات الأراضي وفي الحقوق والحريات العامة وفي البناء والتخطيط العمراني.. إلخ.

دونا عن “الدستورية” التي تفصل في القضايا التي تتعلق بحدود البلاد، لذا فالإحالة غير سليمة، وإن كنت لا أستطيع الجزم بالبطلان، إذ إن الإجراءات التي اتخذت، حددت مسارها دون وجود عوائق حقيقية، وقاربت على إنهاء فصل من فصول المسرحية الهزلية، بإلغاء الاتفاقية وكل ما يترتب عليها.

وعندما نقضت الدولة القرار (مائة علامة تعجب!)، استمرت القضية بالتبعية قيد الأروقة، حتى انتقلت منها إلى طاولات الوزراء! ففهمنا الرسالة، وفهمنا أن مجلس “الصك” انتقل إلى هناك، وكأنه لا يوجد في مصر قضاء، ولا يوجد قضاة ولا مجلس شعب، ولا وزراء، وأن كل الأجهزة السياسية في البلاد ما هي إلا أجهزة “صك” تدار بالريموت الرئاسي.

وبعيدًا عن سخرية ما حدث، والإهانة الجلل للقضاء، إلا أن توقيع رئيس الوزراء على الاتفاقية، هو مهزلة أخرى تضاف إلى مهازل القضية، لأن المعنى بإبرام الاتفاقات الدولية هو رئيس الجمهورية وليس رئيس مجلس الوزراء! ولا يوجد معنى لموافقة سيادته عليها، إلا ذر لأعين المعترضين، ولو كان يمثل ما فعله انتهاكًا صريحا لدستور أستبيح انتهاكه بانتظام، حتى أصبح لدي شك، من وجود دستور في “شبه” جمهورية مصر العربية.

وبإحالة الاتفاقية إلى مجلس الشعب، بكل عوارها الدستوري “المسكوت عنه”، “وجب” عرضها على الشعب للاستفتاء، لتأخذ دورها في رحلة الصناديق التي لا تلد إلا أعلى الدرجات المشرفة للمرشحين والقرارات! وبعيدًا عن مصالح المملكة في الجزيرتين، وجب على القيادة السياسة في مصر وفي المملكة، أن يعلموا تمامًا أن الشعب المصري يرفض بتاتا رفضا قاطعا، المساس بشبر واحد من أراضيها، وأن الألعاب السياسية التي تمارسها القيادات، لا تعنيه بقدر ما يعني هذا الشعب سيادته واستقلال أراضيه، والتحذير من أن أمنه وسلامته ليست ملكا لهذه السلطات، وحتى ليست ملكا له في الوقت الحالي، حتى تحرم منها أجيال لاحقة، لأجل مصالح مؤقتة أو مداهنات من أي نوع.

 

 

 

Check Also

النمسا ترسل 81 جندياً إلى مهمة الأمم المتحدة في لبنان

أرسلت النمسا 81 جندياً، من بينهم 10 سيدات، للانضمام إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في …