أونوريه أوديلون ، مسيحي فرنسي يعرفه رواد المسجد الكبير في باريس، حيث دأب على المشاركة في تمويل وإعداد موائد الإفطار الرمضانية للمسلمين داخل وخارج المسجد منذ أكثر من ربع قرن، لكن قليلين من يعرفون حكاية هذا الفرنسي الهائم في محبة الصائمين والمتودد للمسلمين وغير المسلمين في رحاب المسجد الكبير بباريس منذ عام 1993.
ولد أونوريه أوديلون، 45 عاماً (صاحب مجموعة مخابز في باريس) عام 1974، لأب وأم يعملان في مجال صناعة الخبز، وكانا عمالاً لدى الآخرين لا يملكان مخبزاً خاصاً بهما. ويقول: في عام 1983م مات والدي، وتولت أمي مسؤولية تربيتي أنا وشقيقتى التي كانت تصغرني بعامين، كنت آنذاك أبلغ من العمر 9 سنوات، وكانت شقيقتي 7 سنوات، كانت الحياة صعبة والمسؤولية كبيرة بالنسبة لأمي، لا سيما أن والدي مات فجأة بسبب مرض صدري لم يمهله الوقت، وفي عام 1984 تركت أمي المخبز الكبير الذي كانت تعمل فيه والتحقت بالعمل في مخبز آخر أصغر مملوك لشخص تونسي يدعى صفوان مسكين، كان مسلماً ودوداً وحنوناً، كان يعيش وحيداً في منزله القريب من المخبز بحي «مونتمرتر»، وبعد شهور تزوج والدتي وانتقلنا للعيش معه بصحبة والدتي، كان يعلمنا كأننا أبناءه، كان عقيماً ولا ينجب ولهذا انفصل عن زوجته قبل زواجه من والدتي بعامين تقريباً، وأصبح صفوان أبي رغم اختلاف الأصول والديانة.
ويضيف: أنفق أبي صفوان على تعليمي أنا وشقيقتي، وكان حنوناً علينا أكثر من والدي نفسه، أحببناه كما لم نحب أحداً، كان يذهب إلى الجامع الكبير في باريس يوم الجمعة، وفي رمضان، كان يصوم ويشارك في موائد الإفطار في المسجد الكبير طوال شهر رمضان، وكنت أذهب معه أحياناً كثيرة لأساعده في نقل الأغراض «لوازم الإفطار» فأحببت هذا العالم وهؤلاء الأشخاص الذين يشبه أغلبهم أبي صفوان في كل شيء.
وفي عام 1993 توفي صفوان. يقول أوديلون: كانت صدمة كبيرة لنا، تأثرنا بموته أنا وأمي وشقيقتي، فتوليت أنا المسؤولية وكان وقتها لدينا مخبزين تركهما لنا صفوان، ومع حلول أول رمضان عام 1993 بعد وفاته بثلاثة شهور فقط قررت أن أقيم المائدة الرمضانية التي كان يحرص على إقامتها كل عام، وبالفعل خضت التجربة وشعرت بسعادة بالغة، شعرت بروحه تصاحبني، وحلمت به في الليل يضحك ويعانقني، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أحرص على هذه العادة كل عام، خاصة أن عملي توسع وأصبح لدي مجموعة مخابز عددها 4 مخابز في باريس، كان الفضل فيها للأب صفوان، لهذا أحرص أنا وشقيقتي وأمي على الوصل بالمسجد الكبير، ودعم المحتاجين وغير المحتاجين مسلمين وغير مسلمين عرفاناً لأبي صفوان، ذلك المسلم الحنون الذي لم يجبرنا على تغيير ديننا وعاملنا كأننا أولاده، فجميع من في هذا المسجد يشبهونه، وأراه في وجوههم