يروي ستيفن والت في بداية مقال نشره في موقع مجلة «فورين بوليسي» أن الكثير من الخبراء السياسيين، مثل صامويل هانتغتون وروبرت كابلان وبيل مكابين، قد توقعوا خلال العقود الماضية أن الحضارة البشرية في العالم تتجه نحو الصدام. وفي وقتنا الحالي، يحذر الكثيرون أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سينهي الديمقراطية كما نعرفها ويجرنا إلى واقع سياسي جديد.
هذا في حين ينادي آخرون من المتفائلين مثل ستيف بنكر وجوشوا غولدستاين وجون مولر بأننا نتجه نحو عالم أفضل وأكثر أمنًا وسلامًا وأقل عنفًا مقارنة بالحضارة البشرية قبل 500 عام من الآن. ويقول الكاتب إنه وعلى الرغم من كونه إنسانًا متفائلًا في العادة، إلا أن هناك بعض الأشياء التي تخيفه بشدة حول مستقبلنا. وهذه هي قائمة بالأشياء السيئة التي يخشاها الكاتب:
1- تغير المناخ
يقول ستيفن إننا لم نكن نعرف عن التغير المناخي الناتج عن وجود الإنسان من قبل، لكن الأدلة المقلقة على عواقبه السلبية لا تزال تتراكم. علاوة على ذلك، يبدو أن سرعة التغيير ومداه أقرب إلى أسوأ نهاية ممكنة. من المؤكد تقريبًا أننا نرى ارتفاعًا يزيد عن 2.7 درجة فهرنهايت (1.5 سلسيوز) في درجة حرارة الغلاف الجوي خلال العشرين عامًا القادمة على سبيل المثال، وتشير دراسة كبيرة أجرتها لجنة الأمم المتحدة العلمية المعنية بتغير المناخ إلى أن الارتفاع بهذا الحجم سيؤدي إلى حدوث أضرار حول العالم بقيمة 54 تريليون دولارًا تقريبًا!
لكن الجزء المقلق بحسب الكاتب هو الاستجابة غير الفاعلة. لقد حاولت مجموعة كبيرة ممولة من الناس الرافضين لعلم المناخ السائد إقناعنا بأن المشكلة غير موجودة، وعملوا على عرقلة اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ. وعندما يرفض رئيس الولايات المتحدة قبول أن تغير المناخ يحدث أصلًا ويريد إحياء الفحم (أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلوثًا)، فأنت تعلم أننا في ورطة. ويعتقد الكاتب أن التكيف مع هذه المشكلة سوف يؤثر على السياسة والمجتمع بطرق بالكاد بدأنا في تخيلها.
يقول الكاتب إن التعامل مع هذا التحدي أمر ليس بالسهل، فمن الصعب حث الناس على تقديم تضحيات اليوم من أجل الأجيال المقبلة، وهناك قضايا كبيرة تتعلق بالعدالة بين الأجيال. ويعتقد أن تطوير استجابة عالمية فعالة للاحتباس الحراري هو أكثر اختبار سياسي إثارة للإزعاج واجهته البشرية على الإطلاق. ونستمر حتى الآن بتعريض مجتمعات بأكملها للخطر.
2- حل الدولتين بين فلسطين والكيان الإسرائيلي
يعتبر الكاتب أن أحد الأحداث التي ستغير العالم كما نعرفه هو حل الدولتين، فيقول إنه منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، كانت فكرة «دولتين لشعبين» هي الحل الافتراضي للصراع الطويل والمرير بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كان هذا هو الهدف المعلن لثلاثة رؤساء أمريكيين، معظم الزعماء الفلسطينيين، وشخصيات متكررة مِمَن يسمون بمبعوثي السلام في الشرق الأوسط، وعدد قليل من رؤساء وزراء إسرائيليين. لم يكن الحل الأمثل بأي حال من الأحوال، لكنه كان أفضل حل وسط بين المطالب المتعارضة للقومية الإسرائيلية والفلسطينية والعدالة التاريخية والأمن الدائم.
يقول الكاتب إنه لا يعرف طبيعة الحل السحري الذي يعتزم مستشار الرئاسة الأمريكية جاريد كوشنر تقديمه في الفترة القادمة، لكنه لن يكون طريقًا جادًا لحل الدولتين. بالنظر إلى الحقائق على الأرض والانجراف اليميني الدائم لسياسة إسرائيل الداخلية، فمن المرجح أن يكون طرح كوشنر هو المسمار الأخير في نعش القضية. لقد تخلت إدارة ترامب عن حجة الاستقامة في هذه القضية، بعد أن عيّنت مؤيدًا قويًا لحركة الاستيطان سفيرًا للولايات المتحدة في إسرائيل، وهو رجل أخبر حشودًا الأسبوع الماضي أن لدى إسرائيل سلاحًا سريًا: «فهي مؤيدة من الله». على ذلك يعلق الكاتب أن هذا ليس موقفًا دبلوماسيًا متكافئًا على الإطلاق.
ولكن كما حذر عددًا لا يحصى من الناس (بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك وإيهود أولمرت) ، فإن زوال حل الدولتين لا يترك سوى بدائل أسوأ. أحد الخيارات هو الفصل العنصري، وفيه تسيطر إسرائيل على كل ما يسمى بإسرائيل الكبرى بينما تحرم «رعاياها» الفلسطينيين من أي حقوق سياسية ذات معنى. حل آخر هو الطرد القسري (الملقب التطهير العرقي)، وهي جريمة ضد الإنسانية. الاحتمال الثالث هو نسخة خفية من الثانية: تجعل إسرائيل تدريجيًا ومع مرور الوقت من المستحيل على الفلسطينيين البقاء في مجتمعاتهم الحالية كجزء من استراتيجية طويلة الأجل لجعلهم يذهبون إلى مكان آخر. نسميها التطهير العرقي في حركة بطيئة.
يقول الكاتب إنه إذا ظهر أي من هذه السيناريوهات كما وصفها، فستكون جريمة تاريخية كبرى، وستكون الولايات المتحدة متواطئة فيها. مرة أخرى، فإن ادعاءات أمريكا الفخرية بأنها مدافعة عن حقوق الإنسان في العالم سوف تكون مجروحة. هذا هو ما نتجه إليه بحسب الكاتب، الذي يأمل أن يكون مخطئًا.
3- نهاية الاتحاد الأوروبي
يقول الكاتب إن المفهوم الأصلي للاتحاد كان جريئًا ومبدعًا، وقد دعم الاتحاد الأوروبي وسلفه (الجماعة الأوروبية للفحم والفولاذ والجماعة الاقتصادية الأوروبية) النمو الاقتصادي في أوروبا لسنوات عديدة، وساعدوا في نشر الديمقراطية والتسامح شرقًا بعد الحرب الباردة، وقاموا بذلك جزء لمنع توجه كامل للسياسة الأوروبية نحو الوطنية.
ولكن وبحسب الكتاب، من الصعب أن نكون متفائلين بشأن الآفاق طويلة الأجل للاتحاد الأوروبي. بريطانيا تغادر (عاجلًا أم آجلًا)، والولايات المتحدة تحت ترامب معادية للاتحاد علنًا. أصبح الشعبويون المناهضون للاتحاد الأوروبي أكثر شعبية في العديد من الدول الأوروبية – بما في ذلك الأعضاء الرئيسيون مثل إيطاليا وألمانيا – ولم تتمكن بروكسل من كبح جماح القوميين غير الليبراليين مثل فيكتور أوربان من المجر أو حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا.
الجهود المتكررة لتأسيس صوت أوروبي حقيقي حول السياسة الخارجية أو قوة دفاع أوروبية مشتركة لم تذهب إلى أي مكان (كما تقدم أوروبا ردود صوتية ولكن عقيمة على تهديدات الولايات المتحدة بفرض موجة ثانية من العقوبات على التجارة مع إيران). أضف إلى هذا الضغط المتزايد للانسحاب من الحدود المفتوحة لاتفاقية شنجن، ومن السهل أن نتخيل تراجعًا تدريجيًا بعيدًا عن هدف «اتحاد أعمق من أي وقت مضى» والعودة إلى اتجاه شيء أقرب إلى السوق المشتركة القديمة.
بالتأكيد، أثبت الاتحاد الأوروبي حتى الآن أنه أكثر مرونة مما توقع بعض المراقبين، وستكون تكاليف التخلي عن اليورو والعودة إلى ترتيبات أقل مركزية كبيرة. ويشير الكاتب إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يتعثر لعقود دون أن ينهار تمامًا. لكنه بالتأكيد لا يتوقع أن يزدهر. ويأمل أن يكون مخطئًا مرة أخرى.
4- أزمة نووية مع إيران
كان الغرض الأساسي من الاتفاق النووي الإيراني – بحسب الكاتب – هو إبقاء طهران بعيدا عن السلاح النووي الفعلي، وكسب الوقت لمعرفة ما إذا كان من الممكن تخفيف الخلافات الأخرى بين الولايات المتحدة معها. لقد كان هذا النهج لعنة للإسرائيليين وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في العالم مثل «متحدين ضد إيران النووية (United Against Nuclear Iran)» و«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (Foundation for Defense of Democracies)» والمانحين الجمهوريين الأثرياء مثل شيلدون أدلسون ودول مثل المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج.
لسوء الحظ، تمكنت هذه المجموعات من إقناع رئيس أمريكي ساذج – على حد تعبير الكاتب – بأن الصفقة كانت «فظيعة» وأقنعته باستبدالها بسياسة ما يسمى بالضغط الأقصى. ويشير الكاتب أن ليس من الواضح تمامًا ما تأمل الإدارة بأن تستفيده من هذا النهج أو كيف سيكون تحسينًا عما أنجزه الرئيس السابق باراك أوباما. يحاول ترامب ومستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبو إبقاء إيران في خانة الجزاء لإبقائها ضعيفة قدر الإمكان ومنعها من إقامة علاقات طبيعية مع الآخرين.
وما يقلق الكاتب أنه الضغط الأقصى لن يسقط النظام أو يقوي الأصوات المعتدلة في إيران أو يحل أي من الاختلافات الأخرى بين واشنطن وطهران. بدلًا عن ذلك، من الأرجح أن يشجع إيران على استئناف التطوير النووي وإعادة تشغيل برنامج الأسلحة النووية في نهاية المطاف، وهو ما لم تفعله حتى الآن. لقد قتل كيم جونج أون من كوريا الشمالية أقاربه وخصومه ويدير دولة بوليسية وحشية، ويحظى بلقاءات خاصة مع ترامب، الذي يقول إن الاثنين «وقعا في حب». ويتساءل الكاتب لماذا يعامل كيم بهذه الطريقة؟ ويجيب: لأن كوريا الشمالية لديها ترسانة أسلحة نووية متنامية.
على عكس ذلك، إيران مجرد قوة نووية خامدة – يمكنها صنع قنبلة إذا أرادت ذلك ولكنها لم تفعل ذلك بعد. في الواقع، لا تزال تمتثل امتثالًا تامًا للاتفاقية النووية وهي من الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. كيف ترد واشنطن على ضبط النفس الإيراني؟ بالمزيد من العقوبات والهجمات الإلكترونية والتهديدات العسكرية والاقتراحات غير الخفية من كبار المسؤولين بأن هدف أمريكا الحقيقي هو تغيير النظام. لا تزال واشنطن بدون علاقات دبلوماسية مع طهران وليس لديها قناة اتصال منتظمة معها.
إذا قررت إيران أن التعاون مع الولايات المتحدة (وغيرها) والتخلي عن سلاح نووي لم يؤت ثماره، فسنعود على طريق الحرب. ولأن السياسيين والنقاد الأمريكيين تحدثوا عن الحرب الوقائية ضد إيران منذ عقود، فإن الفكرة كلها أصبحت تدريجية طبيعية في الثقافة الأمريكية. في الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، أشار عنوان في «واشنطن بوست» إلى أن ترامب «ليس مقتنعا بأن الوقت مناسب» للحرب مع إيران كما لو كان التوقيت هو الشيء الوحيد المهم.
لا يقول الكاتب إن الحرب مع إيران أمر لا مفر منه، ولكن باستثناء إعادة التفكير بصورة أكثر جوهرية في نهج الولايات المتحدة برمته تجاه الشرق الأوسط، فإنها تظل إمكانية حية. ولأن بدء الحروب غير الضرورية في الشرق الأوسط لم ينجح بشكل جيد بالنسبة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، يأمل الكاتب أن يكون مخطئًا.
5- الانهيار التدريجي للتحالفات الأمريكية الآسيوية
لأسباب واقعية وجيدة منطقية على حد وصف الكاتب، تود الولايات المتحدة الحفاظ على وجود أمني مهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لماذا؟ لمنع الصين من أن تصبح هيمنة إقليمية في آسيا. إذا كانت الصين ستؤسس موقعًا في آسيا أقرب إلى موقع الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي – أي موقع لا تعود فيه الصين مضطرة للقلق كثيرًا بشأن المعارضة الإقليمية – فستكون حرة في إبراز قوتها الصاعدة في جميع أنحاء العالم، كما تفعل الولايات المتحدة الآن. وقد تشمل تلك الجهود شراكات أمنية كبيرة في أمريكا اللاتينية، وطمس مبدأ مونرو وإجبار الولايات المتحدة على تكريس المزيد من الاهتمام للمسائل القريبة من الوطن
من الناحية النظرية، يجب أن يكون منع هذه النتيجة سهلًا إلى حد ما. كما تتنبأ نظرية موازين القوى (أو بتعبير أدق، نظرية توازن التهديدات)، فإن الدول التي تتزايد قوتها وطموحاتها تميل إلى أن تبدو مهددة للآخرين، مما يدفع الأخيرة إلى توحيد جهودها لردع أو احتواء مبادرات القوة الناشئة. ليس من المستغرب أن يثير صعود الصين مخاوف عدد من الدول الآسيوية وجعل معظمها متحمسًا لاستمرار العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة.
لكن إدارة ائتلاف موازنة للقوى في آسيا لن يكون سهلًا، وإدارة ترامب ليست الأفضل لهذه المهمة. سيكون التحالف المناهض للصين غير عملي وهش لأن 1) المسافات الضخمة، والتي تغري البلدان الآسيوية المختلفة بتجاهل المشاكل في بعض الحالات، 2) لا تريد هذه الدول تعريض علاقاتها الاقتصادية مع الصين للخطر، و 3) بعض منهم لديهم نزاعات كبيرة مع بعضها البعض. يستدعي الموقف وجود قيادة تحالف تتسم بالبراعة واليقظة، والتي يمكن أن توفرها الولايات المتحدة إذا فهم قادتها مدى أهميتها.
يعلق الكاتب إنه ولسوء الحظ، فقد فعل ترامب كل شيء بشكل خاطئ. غادر اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، والتي من شأنها أن تعزز موقف أمريكا في آسيا. وتنمر على كوريا الجنوبية واليابان بشأن القضايا التجارية، في حين انخرط في مغازلة خاطئة وغير ناجحة وسوء التخطيط مع كوريا الشمالية. بدأ رئاسته بمكالمة هاتفية مثيرة للخلاف وغير ودية مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تيرنبول، مما أدى إلى توتر العلاقات مع حليف قديم للولايات المتحدة.
لا يعتقد الكاتب أن الصين مهتمة بالتوسع الإقليمي (باستثناء تلك الجزر الاصطناعية التي تبنيها في بحر الصين الجنوبي)، فهي تريد فقط إنشاء مكانة هيمنة في الجوار. من يستطيع إلقاء اللوم عليها؟ ما هي القوة العظمى التي تريد أن تكون محاطة بمجموعة من الدول المتحالفة رسميًا مع الولايات المتحدة، في ترتيبات تسمح لواشنطن بنشر وتشغيل قوات بحرية وجوية قوية بالقرب من الأراضي الصينية؟
بالنسبة لبكين، فإن معالجة هذا الوضع يعني إخراج الولايات المتحدة من آسيا. ليس عن طريق خوض حرب، ولكن عن طريق إقناع القوى الآسيوية الأخرى بأن الولايات المتحدة ضعيفة للغاية ومشتتة ومتقلبة وغير موثوقة ولا يعتمد عليها. وحتى الآن، يساعدهم ترامب وبومبيو على إثبات ذلك. باستثناء أي جهد جاد لتكوين محور حقيقي في آسيا -والذي سيعتمد على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بقدر ما سيعتمد على الوجود العسكري- فهناك قلق حقيقي بشأن المستقبل طويل الأجل للموقف الاستراتيجي الأمريكي في آسيا. لكن الكاتب يأمل أن يكون مخطئًا.
يختم الكاتب قائلًا: إنه ترك بعض الاحتمالات المقلقة الأخرى: مثل انتصار طالبان في أفغانستان، وأزمة اللاجئين المتزايدة مدفوعة بمزيج من التركيبة السكانية وتغير المناخ وتفاقم الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة. لمجرد أن الأمور تبدو قاتمة لا يعني أنها لن تتفاقم. وأنه قد يكون مخطئًا كما كان من قبل، وسيكون ممتنًا بكل تواضع إذا لم تنجح أي من هذه النبوءات المظلمة.