ماذا سيحدث لو اندلعت حرب نووية؟ ما أكثر الدول تضرراً؟ كم عدد البشر الذين سيموتون؟ إنها ليس مجرد تساؤلات خيالية، بل سيناريوهات كادت تقع عدة مرات.
فلا نبالغ إذ قُلنا إنَّ احتمالية اندلاع حربٍ نووية شاملة في أثناء فترة الحرب الباردة كانت تُمثِّل «الكابوس الأفظع» لأولئك الذين نشأوا وكبروا في تلك الفترة، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ففي ذلك كانت توجد احتمالية حقيقية -وإن كانت مستبعدة- أن يشهد أيُّ يومٍ عادي آنذاك إطلاق صافرات إنذار الغارات الجوية، وسماع دوي آلات الزامور، والشعور بالحرارة الناتجة عن وقوع انفجارٍ نووي.
ماذا سيحدث لو اندلعت حرب نووية؟ عصر حجري وتحلُّل المجتمع ومليار قتيل
وبالفعل عرضت بعض الأفلام التلفزيونية مثل The Day After وThreads تصويراً واقعياً للهجوم النووي والتحلُّل التدريجي للمجتمع في أعقاب الهجوم.
فإذا وقع هجومٌ نووي شامل، فستعود معظم دول العالم الصناعي إلى العصر الحجري مرةً أخرى، بالإضافة إلى مقتل مئات الملايين مباشرةً.
وربما يصل عدد القتلى بسبب الإشعاع والمرض والمجاعة في فترة ما بعد الحرب، إلى مليار شخص أو أكثر.
خطة أمريكية خاصة بالحرب النووية
وفي أثناء معظم فترات الحرب الباردة، كانت خطة الولايات المتحدة الخاصة بالحرب النووية تُعرف باسم SIOP، أو خطة التشغيل المتكاملة الوحيدة.
وكانت أول خطة SIOP، والتي قُدِّمَت في عام 1962، تُعرف باسم SIOP-62، وجرى توثيق آثارها على الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو والصين في وثيقة تعليماتٍ أُعِدَّت لهيئة الأركان المشتركة، وكشفت عنها مؤسسة أرشيف الأمن القومي في عام 2011.
وكانت هذه الوثيقة تفترض اندلاع أزمةٍ جديدة ببرلين، على غرار الأزمة التي وقعت في عام 1961، لكنَّها كانت ستتصاعد إلى حربٍ واسعة النطاق بأوروبا الغربية، وفقاً للوثيقة.
ما أكثر مناطق العالم التي يُحتمل أن تتضرر من الحرب النووية؟
ومع أنَّ سيناريو الحرب كان خيالياً، فإنَّ تقديرات ما بعد الهجوم النووي كانت حقيقيةً للغاية. ووفقاً للوثيقة، فإن توقعات مستقبل دول الكتلة الشيوعية، التي كانت ستتعرَّض للثِقَل الكامل للقوة الذرية الأمريكية، كانت قاتمة.
وقد قسَّمت الوثيقة سيناريوهات الهجوم إلى فئتين: السيناريو الأول كان من المنتظر أن يشهد ضرب الاتحاد السوفييتي وحلفائه بقوة الإنذار النووي الأمريكية، التي تُمثِّل نسبةً من إجمالي القوى النووية تكون في حالة تأهب دائم. أمَّا السيناريو الثاني، فكان سيشهد استخدام الثقل الكامل للقوة النووية، والمعروف باسم القوة الكاملة.
وحسبما جاء في الوثيقة، كان من المفترض أن تُضرَب «نحو 1000» منشأة مرتبطة بـ «القدرة على التوصيل النووي». وكان السيناريو، الذي افترض تحذيراً مسبقاً من وقوع هجوم سوفييتي وتوجيه ضربة وقائية أمريكية، سيشهد مهاجمة 75% من هذه الأهداف بقوة الإنذار. وكان الهجوم سيكون بمنزلة ضربة «قوة مضادة» إلى حدٍّ كبير، إذ كانت القوات النووية الأمريكية ستهاجم القوات السوفييتية وحلف وارسو وقوات القيادة والتحكم والقوات النووية الصينية. وذكرت الوثيقة أنَّ نسبة الأهداف التي كانت ستُدمَّر تتراوح بين 83 و88%، مع ضمان تدمير 70%.
لن تصدق حجم خسائر الهجوم النووي المحدود!
وفي سيناريو الهجوم بقوة الإنذار، كان من المنتظر ضرب 199 مدينة سوفييتية، عدد سكانها يبلغ خمسين ألف نسمة أو أكثر. وهذا الهجوم كان سيحول 56% من سكان المناطق الحضرية و 37% من مجموع السكان إلى ضحايا، معظمهم كان سيموت في نهاية المطاف، بسبب انهيار المجتمع بعد الهجوم.
وفي الصين، كان الهجوم سيضرب 49 مدينة، وهو ما كان سيحوِّل 41% من سكان المناطق الحضرية و10% من إجمالي السكان إلى ضحايا.
أمَّا في شرق أوروبا، فكان الهجوم سيضرب أهدافاً عسكرية بحتة فقط، وكان عدد القتلى المتوقع هناك بسبب الهجمات النووية الأمريكية يبلغ 1.378.000 شخص.
أما الهجوم الشامل فسيؤدي إلى مقتل أكثر من 300 مليون نسمة في هذه الدول!
بيد أنَّ هجوم القوة الكاملة الشامل كان سيكون أسوأ بكثير؛ إذ كان سيسفر عن تدمير 295 مدينة، تاركاً خمس مدنٍ فقط، يبلغ عدد سكانها خمسين ألف نسمة أو أكثر، دون أذى.
في حين كان 72% من سكان المناطق الحضرية و54% من إجمالي السكان سيصبحون ضحايا، وفقاً لأرشيف الأمن القومي.
وهو ما يعني مقتل 108 ملايين نسمة من إجمالي 217 مليون نسمة.
وبالصين، كان الهجوم سيضرب 78 مدينة، وهو ما كان سيؤثر في 53% من سكان المناطق الحضرية و16% من إجمالي السكان.
في حين بشرق أوروبا، كان عدد الضحايا سيزيد إلى أكثر من ضعف ضحايا هجوم قوة الإنذار، ليصل إلى 4.004.000 شخص.
وإجمالاً، كان من شأن الهجوم الأمريكي النووي الشامل على الاتحاد السوفييتي والصين والدول التابعة لهما في عام 1962، أن يؤدي إلى مقتل 335 مليون شخص في غضون أول اثنتين وسبعين ساعة.
وماذا عن الخسائر الأمريكية؟
وصحيحٌ أنَّ تلك الوثيقة لم تحاول تقدير الخسائر الأمريكية في حال اندلاع حرب نووية. لكن هناك تقريرٌ أُعِدَّ في عام 1978 لمكتب تقييم التكنولوجيا التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، بعنوان The Effects of Nuclear War أو «آثار الحرب النووية»، أوضح بتفصيلٍ قاتم ما سيحدث إذا أطلق الاتحاد السوفييتي ترسانته النووية على الولايات المتحدة.
إذ ذكر ذلك التقرير أنَّه في حالة الهجوم السوفييتي على القوات النووية الأمريكية، وأهدافٍ عسكرية أخرى، وأهداف اقتصادية وأهداف سكانية، فقد يسفر ذلك عن مقتل عددٍ يتراوح بين 60 و80 مليون أمريكي.
ولكن يمكن تقليل القتلى إلى نحو 50 مليوناً من البشر
ومع افتراض إطلاق تحذير قبل الهجوم بوقتٍ كاف، يمكن إخلاء المدن الكبرى والمناطق الصناعية، لكن ذلك سيؤدي فقط إلى خفض القتلى إلى عددٍ يتراوح بين 51 و47 مليون شخص.
وبالطبع كانت هناك هجمات نووية ستقع على حلفاء الولايات المتحدة، وضمن ذلك دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) واليابان وكوريا الجنوبية، لكنَّ الدراسة لم تتطرَّق إليها.
وكان هناك تقريرٌ آخر، عنوانه «Casualties Due to the Blast, Heat, and Radioactive Fallout from Various Hypothetical Nuclear Attacks on the United States» أو «الخسائر الناجمة عن الانفجار والحرارة والتهاطل الإشعاعي الناتج من هجمات نووية افتراضية مختلفة على الولايات المتحدة»، افترض وقوع هجومٍ سوفييتي ضد «1215 هدفاً أمريكياً استراتيجياً نووياً.
ويشمل ذلك الهجوم الافتراضي نحو 3 آلاف رأس حربي، يبلغ إجمالي قوتها التدميرية نحو 1340 ميغاطن. ونظراً إلى افتراض أنَّ تلك الهجمات ستُشَن ضد منشآتٍ مُحصَّنة، لا سيما صوامع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز MX وMinuteman III، افتُرِض تنفيذ الهجمات باستخدام صواريخ باليستية عابرة للقارات من طراز SS-18 المعروفة باسم «الشيطان»، تحمل عشرة رؤوس حربية تتراوح قوتها التدميرية بين 550 و750 كيلوطن. وافتُرِضَ كذلك تنفيذ هجمات على القاذفات وقوات التزويد بالوقود بصواريخ باليستية عابرة للقارات وصواريخ باليستية تطلقها غواصاتٌ متمركزة قبالة الساحل.
لماذا ستكون الخسائر الأمريكية أقل من الروسية؟
وذُكَر في التقرير أنَّ عدد القتلى الناجم عن هذا الهجوم المتواضع، الذي كان سيُهمل التركيز على المدن الأمريكية إلى حدٍّ كبير من أجل مهاجمة القوات النووية في الغرب الأوسط، يتراوح بين 13 و43 مليون قتيل، في حين يتراوح عدد الضحايا الإجمالي بين 25 و64 مليون ضحية. أي إنَّ الولايات المتحدة إذا تعرَّضت لهجومٍ بنحو 1215 سلاحاً نووياً، فستخسر ضحايا أقل بكثير من الضحايا الذين كانوا سيلقون حتفهم في الاتحاد السوفييتي عام 1962، حسب تقدير القيادة الجوية الاستراتيجية الأمريكية.
ربما يرجع هذا التفاوت إلى القوة التدميرية الكبيرة للأسلحة النووية الأمريكية في الستينيات مقارنةً بقوة الأسلحة النووية السوفييتية بالثمانينيات. لكن هناك سببٌ آخر، وهو أنَّ القوات النووية السوفييتية وقت كتابة تقرير القيادة الجوية الاستراتيجية كانت تعتمد في الأساس على القاذفات.
إذ كان الاتحاد السوفييتي لديه في عام 1962 ما بين 300 و320 سلاحاً نووياً، جميعها كانت تعتمد على القاذفات باستثناء 40 سلاحاً فقط. وربما كانت قواعد القاذفات أقرب إلى المناطق السكانية الرئيسة.
ومن العوامل الأخرى التي كانت ستجعل الهجوم الأمريكي النووي يُركِّز على المدن السوفييتية وجود مطارات محلية بجوار المدن، كانت القاذفات السوفييتية المُسلحة نووياً ستُقلع منها.
أمَّا على الجانب الآخر، فالهجوم السوفييتي كان سيُركز تركيزاً كبيراً على صوامع الصواريخ الباليسيتة العابرة للقارات وقواعد القاذفات الواقعة في مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة بمنطقة الغرب الأوسط الأمريكية، بالإضافة إلى بضع قواعد بَحرية في كلا الساحلين.
ولكنَّ المرجح أن خسائر ما بعد الهجوم ستكون أكبر من ذلك بكثير
وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي تتنبأ به هذه التقارير، يعترف الجميع بأنَّها لا تذكر الآثار الكاملة. صحيحٌ أنَّ هذه الدراسات الثلاثة تذكر الآثار المباشرة للهجوم النووي، لكنَّ المشكلات طويلة المدى قد تقتل أشخاصاً أكثر من الذين يموتون في الهجوم نفسه.
فتدمير المدن سيحرم ملايين الجرحى، حتى أولئك الذين قد ينجون من الهجوم بسهولة، من تلقي الرعاية الطبية الأساسية.
أمَّا بقايا الحكومة، في أي بلدٍ يتعرَّض لهجومٍ نووي، فسيكون من الصعب عليها الحفاظ على النظام في مواجهة تضاؤل إمدادات الغذاء والطاقة، وتلوث البيئة، وانتشار الأمراض، وتدفق حشود اللاجئين. وعلى مرِّ عامٍ كامل بعد الهجوم، قد يتضاعف إجمالي الوفيات الناجمة عن الهجمات بناءً على شدة الهجوم.
صحيحٌ أنَّ خطر اندلاع حربٍ نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قد انتهى.
لكن ما زالت الولايات المتحدة تواجه الآن احتمالية اندلاع حربٍ مماثلة مع روسيا أو الصين. وتجدر الإشارة إلى أنَّ آثار الحرب النووية في القرن الحادي والعشرين لن تكون أقل حدة. بيد أنَّ خطوات تجنُّب الحرب النووية تظل كما كانت في أثناء الحرب الباردة: وهي الحد من انتشار الأسلحة، وتدابير بناء الثقة التي اتخذها الجانبان، وتخفيف حدة التوترات بينهما.