رمضان في النمسا.. تواصل اجتماعي وتنافس في العبادات

ينتظر المسلمون في النمسا الشهر الكريم لأنه فرصة سنوية للتجمعات واللقاءات بين أبناء الجالية المسلمة حول موائد الإفطار التي تعمر بها النمسا طوال شهر الصيام. ناهيك عن الأجواء الروحانية التي تهب نفحاتها على  نفس المؤمن فتعمل على تصفية القلوب.

وتختص النمسا دون غيرها من دول أوروبا بعادات وتقاليد في شهر رمضان تميزه عن بقية الأشهر. ففي هذا الشهر تتوالى الدعوات الرسمية والحكومية لموائد الإفطار، حتى أصبحت هذه الدعوات جزء لا يتجزأ من التقاليد النمساوية تجاه الأقلية المسلمة خلال هذا الشهر الكريم.

تعتبر النمسا واحدةً من دول وسط أوروبا، ويبلغ عدد سكانها 8 ملايين و834 ألف نسمة، يعيشون على مساحة 83 ألفا و850 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ تعداد المسلمين في المجتمع النمساوي حوالي 600 ألف، الأغلبية الساحقة منهم من المهاجرين حيث يصعب وجود مسلمين من النمساويين، وقد دخل الإسلام إلى تلك الديار عن طريق الاحتكاك بالعثمانيين، سواء أثناء المواجهات العسكرية معها، أو من خلال التجارة معهم، وفي هذه الأيام بدأت النمسا التعرف إلى الإسلام أكثر عن طريق المهاجرين الذي تركوا بلادهم الأصلية بحثاً عن مستوى اقتصادي واجتماعي أرقى، وتعتبر الجنسيات الرئيسية للمسلمين في النمسا من العرب والأتراك والإيرانيين والبوسنويين، ويعيش المسلمون في النمسا تحت قوانين حقوق الإنسان التي تكفل حرية العبادة لأتباع جميع الديانات.

استعدادات شهر رمضان

تبدأ الاستعدادات في النمسا لشهر رمضان الكريم قبل استطلاع الهلال ببضعة أسابيع، ويبدو ذلك جلياً في الأسواق والمحلات العامة، حيث يشعر الزائر لها بقرب حلول الشهر المعظم من خلال المواد الغذائية والأكلات التي تميزه، في هذه المحلات يجد المسلم كل ما يحتاجه لرمضان، ففي المحلات العربية يمكنه شراء اللحوم المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية حيث تسمع بها القوانين النمساوية حتى كتابة هذة السطور. المنتجات العربية والتركية تغزو الأسواق النمساوية بقوة، ولا يجد المسلم محلاً يخلو من الجبن والمخللات والزيتون بكافة أنواعه والفول والأغذية الأخرى المجمدة والياميش (من بين ما يتضمنه التمر، وجوز الهند، وقمر الدين، والزبيب، والمكسرات) والكنافة والجلاش (الرقائق المحلاة) والبقلاوة والبسكويت.

تزايد البيع والشراء

تزداد حركة البيع والشراء خلال شهر رمضان في النمسا بصورة لافتة للنظر فالسيدات المسلمات خاصة العرب والأتراك يقبلن على شراء احتياجات رمضان بكميات كبيرة ويقمن بتخزينها، وهذا لا يحدث في الأيام العادية، ولذلك فالتجار يحققون مكاسب كبيرة مقارنة بأي فترة أخرى، نظراً للإقبال الكبير من المسلمين على منتجات الشهر الكريم التي يتم استيرادها من الشركات التركية والعربية.

تحمل الصوم

فريضة الصوم تثير دهشة وإعجاب النمساويين غير المسلمين، إذ كيف للإنسان أن يعيش أكثر من 18 ساعة من قبل الفجر وحتى الغروب من دون أن يتناول الماء أحد النمساويين ويدعى فيرنير زيدجيك يقول: إذا رأيت المسلم يقضي ساعات طويلة من الصيام في شهر رمضان وخاصة في أيام الصيف الحار دون أن يفكر في شرب الماء الذي يحتاجه الجسد ما بين 3 إلى 5 لترات يومياً يجعلني أومن تماماً بأن هناك قوة روحية في هذا الشهر الذي يعد مناسبة خاصة للمسلمين.

الإقبال على الصلاة

يترقب المسلمون في النمسا شهر رمضان الكريم للتزود بجرعة إيمانية تساعدهم على الحياة في بلاد الغربة، ولذلك يقبل المسلمون في النمسا على المساجد بكثافة؛ وذلك من أجل أداء الصلاة وبخاصة صلاة التراويح، والاستماع إلى الدروس الدينية، ويبلغ عدد المساجد في عموم النمسا أكثر من 200 مسجداً، وتقدم المساجد البرامج الدينية المختلفة، فهناك من يعتمد على الدعاة المقيمين في البلاد، وهناك من يستقدم الدعاة من البلاد الأخرى مثل الدعاة الأزهريين من مصر، وتتعدد المراكز الإسلامية في النمسا، فهناك المركز الإسلامي في فيينا واتحاد الطلاب المسلمين، كما أن هناك المراكز الإسلامية المختلفة التي أنشأتها الجالية التركية، ولا تقتصر خدمات المراكز الإسلامية في النمسا بصفة عامة على البرامج الدينية بل تتعداها إلى تقديم الوجبات المجانية للإفطار في المساجد، وكذلك تقديم الذبائح المعدة على الطريقة الإسلامية.

موائد الرحمن

من أهم مظاهر الشهر الكريم في النمسا موائد الرحمن ففي المساجد المنتشرة في العاصمة والتي يزيد عددها عن المئتي مسجد يحرص القائمون عليها على إقامة موائد الرحمن بشكل يومي ليستقبلوا المسلمين من جميع الجنسيات على مائدة واحدة تجمع بينهم في الإفطار الرمضاني، فمثلا مسجد الفتح الذي يقع بالمنطقة الخامسة عشرة بمدينة فيينا يقام يوميا مائدة رحمن في إطار مشروع صندوق إفطار صائم الذي يشارك فيه كل من يريد التقرب إلى الله تعالى بالمساهمة في تكلفته، وتشمل وجبة الإفطار وجبة خضراوات ساخنة وطبقا من الأرز، وأهم ما يميز موائد الرحمن في فيينا جمع المسلمين من مختلف الألوان والأعراق، وأنها تؤكد عظمة الإسلام الذي لم يفرق بين أبيض وأسود ولا بين عربي وأعجمي، بل الجميع إخوة متحابون في الله تجمعهم فريضة إسلامية واحدة هي الصوم.

شاهد أيضاً

قانون لجوء الأجانب في مصر يثير الجدل.. كيف أجبر الاتحاد الأوروبي القاهرة على الإسراع بتمريره؟

مررت الحكومة المصرية بشكل مبدئي قانون لجوء الأجانب الذي أثار جدلاً حقوقياً وشعبياً واسعاً خلال …