الإثنين , 25 نوفمبر 2024

ريادة المرأة في المشاريع الخاصة وإقصاؤها من تقلد المناصب العامة

الكاتبة – هناء السنوسي

الكاتبة – هناء السنوسي

في بلدي، تمجد المرأة وتأخذ جميع حقوقها، فقط من خلال القصائد والكلمات، بينما الحقيقة منافية لذلك تمامًا.

للأمانة نحن نعلم جيدًا الكلام الذي يعاد دائمًا عن حقوق المرأة وحدود قدراتها، وتمكين المرأة في كافة المجالات، وهذا الصراع أزلي، ليس فقط في الأوطان العربية، بل إنها مشكلة حقيقية متأصلةٌ في جميع الحضارات وجميع البلدان، قد تتفاوت نسبة الوعي بشأن حقوق المرأة، ولكن تظل المشكلة قائمةً ولا يوجد إلى الآن حل جذري لها.

السؤال هنا: لماذا تستبعد المرأة دائمًا من تقلد المناصب في الدولة؟ بينما تكون في كثير من الأحيان أكثر كفاءةً وخبرة وذكاءً وتمكنًا من غيرها! وهذا السؤال يتبادر بشكل متكرر في ذهني، وخصوصًا حين أرى نساء يملكن قدرات هائلة على إدارة مشاريع ذاتية خاصة، وصناعة محتوى هادف، ولديهن قدرات قيادية مذهلة.

في مدينتي ودان، كان دور المرأة مفصليًّا في إدارة دفة الأمور، وهذا واضح وجلي للعيان من خلال الأنشطة المعتمدة على مجهود وإدارة نسائية صرفة، إذ برز هذا الدور أكثر من بعد أحداث السابع عشر من فبراير (شباط)، هذه الأحداث التي نتج في خضمها العديد من المؤسسات والجمعيات المختصة بالمجتمع المدني، وكان من بينها مؤسسة تسمى «جمعية المنتدى للعمل النسائي بودان» التي تعد مثالًا حيًّا علي دور المرأة في إعادة بناء المجتمعات، تأسست هذه الجمعية بتاريخ 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وكان دورها بدايةً استقطاب أكبر عدد من النساء.

لم تكن الجمعية تبحث عن نساء مبدعات أو محترفات في مجال معين، بل كانت تبحث عن نساء فقط ليبدأ بعدها الإبداع من تلقاء نفسه، ضمت الجمعية نساء من جميع الفئات العمرية، ومن جميع التخصصات، عملن على اكتشاف مواهبهن من تلقاء أنفسهن، كانت رحلة لاكتشاف الذات والقدرات والميول لكل واحدة منهن، قمن بتقسيم هذه الجمعية إلى أقسام: موسيقى، وفنون، وأشغال يدوية، وخياطة، وتطريز، وقسم أدبي يصقل المواهب الشعرية والكتابية لترسيخ القلم والكلمة، ثم بدأن بنشر جريدة أسبوعية تطبع وتنشر بجهود ذاتية، شاركت هذه الجمعية في صناعة العديد من الأنشطة الثقافية والعلمية والتوعوية، ومن أساسيات هذه الجمعية إيمانها الشديد بالمرأة.

في المقابل واجهت هذه الجمعية الكثير من الصعوبات، والكثير جدًّا من التيارات المعاكسة، لقد واجهت نساء هذه المؤسسة مشكلة حقيقية في إيجاد مقر رسمي لهذه الجمعية، وكان العائق الأول والحجة الهزلية الدائمة أنهن «نساء» فكون هذه الجمعية مكونة من بنيان نسائي كامل منعها من حقها في الحصول على مقر رسمي ثابت، وبعد العديد من المحاولات والصراعات وخيبات الأمل لم يستسلمن أبدًا، لقد أعجبتني صلابة عزمهن وإيمانهن الشديد بأن كل واحدة منهن قادرةٌ على صنع التغيير، تحصلن أخيرًا على مقر، ولم يسلم هذا الأخير من النزاعات أيضًا!

مع ذلك تابعت الجمعية أعمالها، ومن أبرز هذه الأعمال إنشاؤها للعديد من ورشات العمل المختلفة، كانت بعضها مجانية لدعم نساء أخريات على فتح مشاريع خاصة بهن، وأخرى بمقابل رمزي يعود مردودها على الأستاذة أو المشرفة على إحدى هذه الورشات، انبثق منها نساء رائدات لمشاريع صغيرة كبرت مع الوقت، فبعد كل ورشة نجد أن عددًا كبيرًا من المتدربات صقلن مهاراتهن بالممارسة، وقمن بفتح مشروعهن الخاص لتحقيق ذاتهن أولًا، وليكون مصدر دخل لهن في ظل غياب الدولة، وضآلة فرص العمل، وانعدام السيولة ثانيًا، ومن رحم هذه الجمعية خرجت عضوة بفكرة رائعة، وهي فتح باب لمكتبة عامة بمجهودات فردية، انطلاقًا من مبدأ «القراءة تصنع الأمم».

كانت هذه من أروع المشاريع الخيرية، والتي تعود بالفائدة على المجتمع ككل.

نحن نشهد كل يوم إنجازات للمرأة ودورها الأساسي في بناء المجتمع الذي يبني الأمم ليكتمل عمران العالم أجمع، وإن كانت المرأة قد وصلت بمجهوداتها الذاتية مع كل هذه العقبات، ومع كل الهجمات المجتمعية، والضغط المستمر على ضرورة اقتصار أدوارها دائمًا بأن تكون خلف الستار، وفي ظل غياب جميع حقوقها وأبسطها، فكيف بها إذ ما مكنت من تقلد المناصب وتسيير الدول والمشاركة الفعلية في صنع الدساتير وصياغة التشريعات، كيف بها إذ ما أعطيت كامل حقوقها؟

المرأة صانعة، مبدعة، رائدة، ذكية في إدارة دفة حياتها ومشاريعها، والتوفيق بين الأشياء، فقط تحتاج لفرصة، لإيمان المجتمع بقدراتها، للدعم، للتشجيع، وللدفع بها لتكون لبنة من لبنات بناء الدولة، لتكون الأساس. نحتاج فقط للكف عن النظر إليها من جهة الاستنقاص، وهامشية الأدوار التي توكل إليها، نحتاج فقط لتساوي الحقوق فعليًّا على أرض الواقع، وليس فقط من خلال الكلمات والمواثيق التي تضمن صوريًّا حقوق المرأة، نحتاج في أوطاننا للاعتراف بها، ومساندتها، حينها فقط سيحدث التغيير الذي طالما انتظرناه.

شاهد أيضاً

انتخابات ولاية إشتاير مارك.. اليمين المتطرف يحقق فوزا تاريخيا بنسبة 35.4%

تشير التقديرات الأولية إلى فوز حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف والذي أسسه نازيون سابقون بالانتخابات …