فيينا: مصطفي درويش 2109.03.21
ما أسرع الأيام! تجري بسرعة فائقة وتتكرنا نلهس خلفها. ولكننا لا ندرك هذا إلا حين نسرق منها قليل من الوقت ونختلي فيه إلي أنفسنا. وقد أنتابني هذا الشعور مع متابعتي لحملة خليها تصدي وأعترف بأنني لم أكن متفاعلآ معها في البداية ولم أكن أتوقع لها ذلك النجاح الباهر الذي حققته حتي الآن . ووجدت نفسي أسترجع الأيام وأستعيد الذكريات.
كنت من أصحاب الحظ السعيد حيث ملكت أول سيارة لي وأنا طالب في العام الثاني الدراسي من الجامعة. وبطبيعة الحال كانت السيارة ملكآ لأبي وربما لبعد كليتي عن البيت لمدة ساعتين بالمواصلات العامة منحني إياها فكنت أذهب بها محميآ من زحام الأتوبيسات وأصطحب معي زملاء الكلية الذي يتواجدون على نفس الطريق ، وكان هذا عام 1982 من القرن الماضي وفي قاهرة المعز بوطننا الغالي مصر.
ومرت الأيام وتواجد صاحبنا في منتصف التسعينات في المانيا بهدف الدراسة وأثنائها كان يعمل لدي شركة مرسيدس بنز. وذات مرة قال له رفقاء العمل الألمان لماذا لا تشتري مرسيدس وسوف تحصل على خصم 25% لكونك عامل بالشركة. فرحت وانتابتني سعادة غامرة، فالسيارة المرسيدس كانت حلم حياتي. وكانت السيارة التي كلموني عنها بمبلغ أربعين ألف مارك (40000) وبعد الخصم ستصبح 30000 ألف مارك. وكان المارك في ذلك الوقت يعادل جنيهين فقط لاغير، فيكون سعر السيارة في النهاية 60000. سألت في حينها عن التعريفة الجمركية فقالوا لي ستدفع 300% فكانت الصدمة على قدر الفرحة. وقال الألمان “فيه حاجة غلط” فالشركة المصنعة لا تكسب هكذا من السيارة!!!
وفي نهاية التسعينات كنت أعمل في دبي في مكتب استشارات قانونية وكانت تعطي موظفيها إما سيارة هونداي جالوبر ثمنها في ذلك الوقت 50000 درهم أو مبلغ 500 درهم بدل مواصلات. وكان الدرهم الإماراتي يعادل الجنيهين. كنت أتمني الحصول على السيارة وهو بلاشك استثمار جيد ولكن عندما سألت عن الجمارك كانت نفس التعرفية 300% فقبلت مرغما مبلغ بدل المواصلات، وما نيل المطالب بالتمني!!!
ثم كان عودٌ حميدآ إلى أرض الوطن، وحب الوطن يُعرف جيدآ حينما يعيش المرء خارجه، وعملت من جديد في مهنتي التي كنت أهواها. وتتوالي الأيام وكنت في حاجة إلى سيارة فحجزت سيارة صيني كانت جديدة في ذلك الوقت وتأخذ شكل الفولكس فاجن الألمانية وكان سعرها سبعين ألفآ من الجنيهات. وبعد أن حجزت ودفعت المقدم ولم تكن السيارة معروفة بعد في مصر، تتصل بي الشركة وتقول لي أن السعر ارتفع خمسة ألاف جنيها. اندهشت وتعجبت وطلبت مخاطبة مدير عام الشركة ولكن لا جدوي، فأخذت ما دفعت واعتبرت ذلك عقابآ مني للشركة. كم كنت ساذجآ في ذلك الوقت!
ثم أعود مرة أخري للخارج حيث أعيش واُرزق وأمتلك سيارة مرسيدس سبورت فاجن. الله يرحمك يا أمي حيث كانت تقول لي دوما “طولة العمر تُبلغ الأمل”. اشتريت سيارتي هذه في عام 2012 وهي موديل 2004 بمبلغ 8000 يورو، ومازالت لدي تذكرني بدعوة جدتي مع امتلاكي سيارتي الأولي “ربنا يكفيك شرها”. وأصبحت قيمتها الآن من 3000 إلي 5000 ألآف يورو. ولكن المدهش أن شاهدتُ مثلها في أجازتي الماضية في مصر بمبلغ ثلاثة مائة ألف جنية أي ما يعادل خمسة عشر الآف يورو!
مازلت أحيا وأُرزق وأمتلك سيارتي المرسيدس الضرورية لعملي وتحملني قدمى اللتين وهبهما الله لي دون جمارك، فالحمد لله على ما منح وعلي ما منع.
تذكرت كل ذلك من خلال حملة خليها تصدي التي أساندها بكل قوة وأتمني لكل أعضائها التوفيق. فإن إمتلاك سيارة في وقتنا هذا ليس رفاهية ولا كماليها، ولكنها أصبحت من أسياسيات الحياة الكريمة.
“وخليها تصدي” مصطفي درويش