في منطقة شبرا مصر بالعاصمة المصرية القاهرة، تقف فاطمة مع زوجها على عربة مُتنقلة لبيع الكُشري، وهي المهنة التي ورثها زوجها عن أبيه وجده، لم يكن الدخل الذي يحصلان عليه كبيرًا، بل بالكاد يكفي حاجتيهما، كانت فاطمة مُنشغلة بعجلة الحياة اليومية، بين جهد العمل والبيت، والوقوف طوال النهار بالشارع، لكن حياتها بدأت تأخذ منحى مُختلفًا تمامًا، بدأ سقف طموحها يرتفع، وبدأ خيالها يرتاد من الأحلام ما لم يكن يخطر لها على بال.
فأثناء سيرها في أحد الشوارع، صادفت تصوير عمل فني، وجدت عقلها يُحدثها قائلًا «ولمَ لا؟»، كانت الفكرة التي تُلح على ذهنها في هذه اللحظة هي أنه بإمكانها أن تبدأ في العمل بمجال التمثيل، لم تستهلك كثيرًا من الوقت في التفكير؛ فسرعان ما ذهبت إلى أحد مكاتب «الكومبارسات»، لتبدأ مشوارها الفني، وقررت ألا تنسى بدايتها ووقوفها لسنوات على عربة الكشري، فوافقت على جعل اسم شهرتها «فاطمة كشري».
لتصبح واحدة من كومبارسات السينما المصرية، الذين يظهرون في مشهد أو أثنين طوال الفيلم، لكنهم يتمكنون من حفر وجوههم في أذهان المُشاهدين حتى وإن لم يتمكنوا من معرفة ما هي أسماؤهم على وجه الدقة، فليس لديهم من كثافة التواجد، وليس عليهم اهتمام إعلامي يُمكن جمهورهم من معرفة أسمائهم.
وجه ضمن المجاميع
بدأ ظهور فاطمة كشري على الشاشة عام 1989 ضمن مجاميع الكومبارس بفيلمي «صراع الأحفاد» و«كتيبة الإعدام»، حينها لم يكن أجرها يتجاوز 10 جُنيهات، في فيلم «صراع الأحفاد» لم تظهر فاطمة كشري لأكثر من ثانية، ضمن المجاميع التي تُصفق في أحد المشاهد، كذلك دورها في «كتيبة الإعدام» الذي أدت فيه دور طالبة مُحجبة تنزل من أوتوبيس النقل العام قبل نزول الفنان نور الشريف، كان مرورها أمام الكاميرا لا يتجاوز الثانية أو الثانيتين على الأكثر، ثم انطلقت بعد ذلك مؤدية دور البلطجية في بعض الأعمال، ومؤدية بعض المشاهد الكوميدية في أعمال أخرى.
تقول فاطمة كشري لبرنامج «صاحبة السعادة» عن حياتها الخاصة: «أمي ربتنا أنا وإخوتي البنات دون رجل، دون أب ولا أخ، وقد أخذت على عاتقي أن يكون لديّ من الحنان ما يُمكنني من رعايتهن، ومن القوة ما يُمكنني من حمايتهن، كنت أرى تجسيد الحنان في الفنان نور الشريف، أما تجسيد القوة فكنت أراه في الفنان فريد شوقي».
أما عن بدايتها في التمثيل فتقول: «كنت ذاهبة لشراء ثلاجة من شارع عماد الدين بوسط القاهرة، حينما صادفت تصوير أحد الأعمال الفنية، عرضت على العاملين رغبتي في التمثيل معهم، فأرسلني أحدهم إلى أحد مكاتب الكومبارسات، الذي لم أجد فيه بادئ الأمر فرصة ليّ، لكني كررت المُحاولة، حتى تمكنت من الانضمام لمجاميع فيلمي «صراع الأحفاد» و«كتيبة الإعدام»، وقتها كان الأجر الذي حصلت عليه 10 جنيهات، لكني لم أكن ذاهبة من أجل الأجر، كنت أودّ فقط رؤية الأستاذ نور الشريف – والذي كان يؤدي بطولة الفيلم – كان زوجي في البدء رافضًا لأمر التمثيل، لكني أصررت على العمل».
ممثلون بمحض الصدفة
الوجه الأشهر بين الكومبارسات المصريين هو وجه فايزة أبو النجا، وقد كانت معظم أدوارها يتمثل في دور السجينة، وقد استغل المخرجون ملامح فايزة لتسخيرها في شخصية المرأة القوية القاسية التي تترأس نساء السجن، أو تكون جزءًا من عصابة في بعض الأفلام.
كانت بدايات فايزة حينما اكتشفها الفنان رشدي أباظة أثناء تصوير فيلم «تمر حنة»، وكانت من بين سكان المنطقة الذين يشاهدون تصوير الفيلم، ومنذ ذلك الحين لعبت أدوارًا هامة، بالرغم من صغر مساحتها، مثل أدوارها في أفلام «هنا القاهرة» و«بكيزة وزغلول» وغيرها.
شاركت فايزة في أكثر من 100 عمل فني، مع نجوم السينما المصرية منهم الفنانون: عادل إمام، ومحمود ياسين، وفريد شوقي، وأحمد رمزي، ورشدي أباظة، ويونس شلبي، وسمير غانم، وغيرهم.
أمامنا نموذج آخر: جسد عملاق وصوت أجش، كانا يُمكناه من إضحاك المُشاهدين حينما يظهر بمظهر الجبان أو الخائف، هذا هو الكومبارس حسين أبو حجاج، العمل الأصلي لـ(أبو حجاج( هو عامل بورش كاوتش السيارات، وأمام ورشته الكائنة بمُحافظة المنيا، يوجد قصر ثقافة المنيا، وفي هذا المكان صادفه للمرة الأولى المخرج عصام الفولي الذي كان يقوم بإخراج فوازير رمضان للقناة السابعة بالتليفزيون المصري.
طلب الفولي من أبو حجاج مُشاركته في تمثيل بعض الحلقات بهذه الفوازير، كان الأمر مُخيفًا في البدء بالنسبة لأبو حجاج، الذي لم يكن يعلم أي شيء بشأن أمر التمثيل، لكن الفولي استطاع تخفيف حدّة الأمر عليه قائلًا: «ستتعلم، فالموضوع ليس صعبًا».
الخطوة الثانية لأبو حجاج كانت مع الفنان المصري هاني رمزي، ومن خلاله قام بدور لؤي في مشهد كوميدي في فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، وهو العملاق الذي بدا خائفًا بُمجرد رؤية السلاح الأبيض، وبعدها انطلق أبو الحجاج في العديد من الأعمال السينمائية والدرامية مؤديًا مشاهد الشر والكوميديا بين الحين والآخر.
«ماتقدرش».. حسن كفتة الذي تحدّى محمد صبحي!
– «أنا مش عارف يا ابني يا صابر أشكرك أزاي؟ بس لو تتم جميلك عليا.. الدكاترة قالوا إني محتاج عملية ما تتعملش غير برة البلد وهتتكلف 30 ألف دولار.
= ولو ما عملتهاش يحصل إيه؟
– هموت
=اتكل على الله الموت علينا حق، إنت متبت في الدنيا ليه»
الحوار السابق أحد مشاهد فيلم «عايز حقي» والذي يُقدم فيه الفنان هاني رمزي دور شاب مُتعسر ماديًا يكتشف أن لديه خالًا مريضًا بأحد المستشفيات الحكومية وأن عليه دفع نفقات علاجه، لم يظهر الكومبارس الذي أدى دور الخال بالفيلم في أي مشهد آخر، مُجرد ثوان قضاها الكومبارس أمام الكاميرا ليُقدم أحد مشاهد الفيلم الكوميدية، هذا هو الكومبارس حسن كفتة.
بخلاف المشهد السابق قدّم حسن كفتة الكثير من الأدوار الفنية الصغيرة والصامتة، إلا أنه استطاع أن يرسم ملامح وجهه المُسن وجسده الضئيل في أذهان مُتابعيه، بدأ كفتة مشواره الفنى عام 1949، عندما شارك كومبارسًا في فيلم «العيش والملح» مع نعيمة عاكف.
عمل في بداية حياته صبي سمكري مع والده بجانب احتفاظه بحلمه في التمثيل وإصراره على خوض هذا المشوار الذي كان طويلًا جدًا في حالته، ومحاولاته الدائمة والمُستمرة أن يحظى بأي دور أمام الكاميرات، حتى وإن كان صامتًا، حتى وإن كانت مُدة تواجده أمام الكاميرا مُجرد ثوان فقط، تزوج حسن كفتة خلال حياته ثلاث مرات، وشارك خلال مشواره الفنى بأكثر من 200 مسرحية، وكانت أشهر الإفيهات التي قدّمها هو إفيه «ماتقدرش» الذي قاله خلال مسرحية «الهمجى» عام 1983.
كان حسن كفتة حريصًا دومًا على الجلوس في قهوة «بعرة» بوسط العاصمة المصرية، وهي معروفة بكونها مكانًا لتجمع الكومبارسات، ومن خلالها يلتقون بمُعدين الأفلام والمُخرجين ويتحلون دومًا بذاك الأمل في أن يُلاقوا من يرى في وجوههم شيئًا يرغب في تقديمه أمام الكاميرات.
«بعرة» ..المقهى الذي يجتمع فيه الكومبارسات
في كل مساء وعقب انتهاء تصوير المشاهد المُشاركين فيها بالأعمال الفنية، يذهب الكومبارسات لمقهى «بعرة» الشهير بشارع عماد الدين، من الساعة الرابعة عصرًا حتى مطلع الفجر، أملًا فى الحصول على مشهد سينمائي سيحصلون منه على أجر هزيل للغاية ماديًا، لكنه يُغذي فيهم إصرارهم على الاستمرار في درب حلمهم، عسى الحظ يفعل فعلته ويذهب بهم إلى قمة هرم النجومية.
وأسعد جملة يُمكنهم سماعها حينما يقول لهم ريجيسير أو سمسار كومبارسات «أنت معانا في العمل القادم»، ومن يسمع هذه الجملة هم هؤلاء المحظوظون الذين يجدون عملًا ما بين فترة وأخرى، لكن أكثرهم يجلسون على المقاهي، سواء فى وسط البلد أو شارع الهرم، ويترددون على استوديوهات التصوير وشركات الإنتاج الصغيرة والكبيرة لعلهم يعثرون على عمل.
على قهوة «بعرة» يتشاركون ذكرياتهم في الوقوف أمام النجوم، مثل رشدي أباظة، وأحمد رمزي، وصباح، وآخرون يحتفظون بصورهم مع مشاهير الفنانين، ويفخرون بأنهم شاركوهم في أعمالهم الفنية حتى وإن كانت هذه المُشاركة من خلال مشهد صامت، أو ضمن مجاميع يصفقون.
يقول سيد الزناتي صاحب مقهى «بعرة» لصحيفة «الإتحاد» الإماراتية: «الكومبارس زمان كانوا من أعلى طبقات المجتمع، وكان لديهم عشق للفن. كنا نرى الكومبارس «ولاد ناس أكابر»، يأتون لنا بسياراتهم ويرتدون ملابس أنيقة ويبدون وكأنهم نجوم سينما، أما اليوم فمهنة الكومبارس صارت للعاطل الذي لا يجد عملًا، فينزل إلى مقاهي الكومبارس ربما يتم طلبه في أحد الأعمال ويحصل على مبلغ بالكاد يكفيه.»
الكومبارسات في تاريخ السينما المصرية
هناك العديد من الكومبارسات الذين استطاعوا حفر أسمائهم في تاريخ السينما المصرية، ومنهم:
- مطاوع عويس وهو هو صاحب أكبر رصيد من الأعمال منذ منتصف الأربعينات من القرن العشرين وحتى ما بعد الألفية الثانية، تجاوزت مسيرة مطاوع عويس 60 عامًا جسد فيها مختلف الشخصيات، وتميز في الدور الشعبي ما بين شخصية ابن البلد، أو تاجر خضار وفاكهة، أو فتوة، أو رجل صعيدي، وتميز بشكل كبير في دور المخبر، ومن أشهر أفلامه: «صراع في الميناء» و«سلطان» و«حماتي ملاك» و«الرجل الذي فقد ظله».
مطاوع عويس
- محمد صبيح والذي عُرف بكونه صاحب وجه مُخيف، وقد فرضت عليه ملامحه القاسية التواجد في أدوار الشر، فهو صاحب شخصية رسول التتار في فيلم «وا إسلاماه»، حينما دخل قصر الحكم في مصر ولم يجد أحدًا على كرسي الحكم، فقال جملته الشهيرة: «وأكلم مين لما أحب أخاطب الشعب المصري؟»، ومن شدة الشهرة التي حققها المشهد، قدمه الفنان الراحل علاء ولي الدين بشكل كوميدي في فيلم «الناظر»، عام 2000
- .صبيح قدم أيضًا دور الزوج البدوي الغيور على خطيبته في فيلم «للرجال فقط» مع حسن يوسف وسعاد حسني ونادية لطفي، وقدم دور جناب «الكوماندا» في «شنبو في المصيدة» مع فؤاد المهندس، والخادم الذي يسأل إسماعيل ياسين كثيرًا عن الديك، ويقصد به القتيل في فيلم «المليونير».
- علي الشريف عُرف بمواقفه السياسية وآرائه المختلفة التي تسببت في اعتقاله؛ فقبل انشغال الشريف بالعمل الفني والتمثيل، جرى اعتقاله لمدة ست سنوات بتهمة الانضمام لتنظيم شيوعي سري يهدف لقلب نظام الحكم.
- كان هذا الاعتقال سببًا قويًا لانطلاق الشريف في عالم التمثيل؛ إذ قدم مع زملائه وقتها مسرحيات ترفيهية لتسلية أنفسهم، ومع تواجد فنان الكاريكاتير والسيناريست حسن فؤاد في المعتقل رأى بالشريف موهبة يمكن استغلالها، بعدها كتب فؤاد سيناريو فيلم «الأرض» وبعد خروجهم من المعتقل اختاره يوسف شاهين لتجسيد دور دياب ليكون أول أفلامه وسر شهرته الذي نال بها عدة جوائز كل ذلك وعمره وقتها 34 عامًا .