قصة اندماج ناجحة لعائلة سورية مهاجرة بالنمسا – لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة

عائلة مجيد عبود،

خلال ثلاث سنوات من التئام شمل العائلة السورية في النمسا، الوالدان يعملان والبنت تدرس الصيدلة والابن يدرس البكلوريا ويقوم بتدريب مهني. إنها قصة نجاح عائلة عبود التي تعرف كيف تتعامل مع النمساويين القلقين من اللاجئين.

ما إن دخلت ذلك البيت الخشبي في الريف النمساوي الذي تحتضنه الجبال، حتى شعرت بالدفء الذي تعيشه عائلة مجيد عبود، هذا الرجل الأسمر، طويل القامة الذي اصطحبني بسيارته من مدينة سالزبورغ النمساوية حتى وصلنا إلى بيته بعد حوالي نصف ساعة من المرور بمروج خضراء مصفرة تحيط بها أشجار تلونت بالأصفر البرتقالي في هذا الخريف البارد.

وصل مجيد عبود، أبو سامر، إلى النمسا قبل حوالي أربع سنوات، دون زوجته التي يبدو أنها تحضر طعاما سوريا شهيا، تفوح منه رائحة زكية، ودون ابنته رغد وابنه سامر.

يستذكر أبو سامر المرارة التي ذاقها على طريق اللجوء إلى أوروبا، فبعد خروجه من سوريا وحيدا دون عائلته، وصل إلى اليونان بعد المرور بلبنان وتركيا، واضطر للبقاء في اليونان لحوالي خمسة أشهر نتيجة عدم توفر طرق عبور، كما يقول، وكان ذلك قبل حوالي عام من بدء موجة اللجوء إلى أوروبا عام 2015.

يقول أبو سامر: “استغرقنا 17 يوما حتى استطعنا الوصول، حيث عبرنا عدة دول مشيا على الأقدام”، مشيرا إلى أنهم كانوا في البداية 80 شخصا، ولم ير منهم سوى 12 شخصا بعد “كمين” نصبته لهم الشرطة المقدونية.

وبعد “رحلة الموت” استطاع أبو سامر أن يصل إلى النمسا، البلد الذي كان قد زاره قبل الآن، لكن كخبير في الزراعة، حيث كان يعمل في هيئة البحوث الزراعية في سوريا ويقوم باستنباط أنواع جديدة للقمح.

يقول أبو سامر: “كان الانطباع الأولي إيجابيا جدا، ولقينا ترحيبا كبيرا”.

تغير الرأي العام
إلا أنه ومع بدء الحملات الانتخابية في النمسا، بدأت الأحزاب اليمينية الشعبوية بتجييش الرأي العام ضد اللاجئين، كما يقول أبو سامر، ويضيف:”هذه البروباغندا بالإضافة إلى وجود مخاوف لدى بعض المواطنين من اللاجئين الذين لا يعرفونهم جعلهم ينتخبون اليمين”.

استطاعت عائلة عبود أن تقطع أشواطاً على طريق الاندماج في المجتمع النمساوي

لكن أبو سامر يشير إلى أن له علاقات جيدة مع النمساويين، ورغم أنه وجد صعوبة في اللغة الألمانية كغيره من اللاجئين، إلا أنه راض نسبيا عن مستواه، حيث يستطيع التواصل مع الناس وزملاء العمل في المنظمة التي يعمل فيها.

وعن أفضل طريقة للتعامل مع النمساويين القلقين من اللاجئين، يرى أبو سامر أن على اللاجئين إدراك طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه، ويتابع:”على اللاجئين أن يدركوا أن هنالك ناس تتقبلهم وناس لا تتقبلهم، وللتعامل مع من لا يتقبلهم يجب أن يعطواصورة إيجابية، وأن يعكسوا حضارتهم من خلال إظهار أخلاقهم وخبراتهم ومهاراتهم”.

حصل أبو سامر على اللجوء وقام بلم شمل زوجته وابنه، لكن ابنته رغد لم تكن مشمولة به، حيث أن عمرها كان يتجاوز 18 عاما، فاضطرت لعبور طريق البلقان عندما بدأت موجة اللجوء، للوصول إلى عائلتها.

الإصرار يتغلب على المصاعب
تقول رغد إنها وعند وصولها إلى النمسا وحتى مرور السنة الأولى تقريبا كانت تشعر أنها مازالت في دمشق، وتتابع: “رغم أنني كنت أشعر أن جسدي فقط هنا إلا أنني كنت أقول في نفسي إن علي أن أتقبل واقعي طالما أنني سأعيش هنا”.

استطاعت رغد عبود البدء بدراسة الصيدلة في النمسا في أقل من ثلاث سنوات من وصولها

عملت رغد (٢٢ عاما) في الصليب الأحمر بعد مرور سبعة أشهر من وصولها إلى النمسا، ثم عملت في كافيتيريا لتتابع دراسة اللغة الألمانية، ورغم أن رجلها كسرت أثناء مرحلة دراسة اللغة، إلا أنها أكملت تعلم اللغة لتبدأ بدراسة الصيدلة في جامعة إنسبروك.

تقول رغد: “في المحاضرة الأولى لم أفهم ولو كلمة واحدة، لكنني كنت أشجع نفسي أنه يجب علي الاستمرار، وتتابع: “ورغم مرور شهرين وأنا لا أفهم المحاضرات كما يجب، كنت أتحلى بالصبر وأقول لنفسي إن ذلك سيأتي مع الوقت فما الذي سيستفيده الإنسان من الاستسلام”.

لكن رغد لا تجد أي مشكلة الآن مع اللغة بعد مرور عدة أشهر، وتقول: “الآن عندما أقرأ معلومة بالألماني أشعر وكأنني أقرؤها بالعربي”.

“مشروع مخترع”
وحتى سامر، الابن البكر للعائلة، لا يخفي أنه واجه صدمة ثقافية عند وصوله، ويقول: “ما إن وصلت حتى شعرت باختلاف في المجتمع، ما شكل لي في البداية نوعا من الصدمة، لكنني لاقيت حب الناس ودعمهم من البداية أيضا، حتى أنهم كانوا يساعدوننا في تعلم اللغة في البيت قبل حصولنا على الإقامة”.

يتقن سامر الألمانية واللهجة المحلية، ويدرس في مدرسة نموذجية خاصة مجانا بسبب دعم حصل عليه كشخص “لديه رغبة في الدراسة”، ويتعلم فيها الميكاترونيك ويدرس البكلوريا بنفس الوقت، كما يتعلم الألمانية والإنجليزية والإسبانية.

وقد صمم سامر، وهو اللاجئ الوحيد في المدرسة، عدة أجهزة، منها جهاز كهربائي وآخر ميكانيكي، حتى أنه صنع غيتارا بنفسه. والآن يتعلم العزف على البيانو في المدرسة.

“حسن المعاملة تقلب القلوب”
يقول سامر: “مررت ببعض المواقف التي أزعجتني. قد يكون ذلك بسبب حساسيتي، لكنني توصلت في النهاية إلى أننا كلاجئين يجب أن نكون منفتحين ولا نعقد الأمور”.

سامر عبود مع الآلات والأجهزة التي صممها، ومنها الغيتار الذي في يده.

ولا تخفي أم سامر أنه كان لديها مخاوف على سامر ورغد عند المجيء للنمسا، وتقول لمهاجرنيوز: “كانت مخاوفنا تتعلق فيما إذا كانا سيستطيعان جعل حياتهم أفضل مما كانت عليه في سوريا وسط وجود العديد من التحديات”، مشيرة إلى توفر الأمل والإرادة لديهما للتغلب على تلك التحديات.

واستطاعت الأم نفسها والتي كانت تعمل في إحدى شركات الكهرباء في سوريا، أن تتغلب على بعض التحديات التي تواجهها ووجدت فرصة للتدريب المهني والعمل في إحدى سلسلات السوبرماركت.

تقول أم سامر: “مررت ببعض المواقف العنصرية، وبعض ردات الفعل السلبية من النمساويين، لكنني كنت أتضايق لخمس دقائق ثم أتفهم ذلك، فقد يكون لديهم تصور آخر عنا أو لا يعرفون عنا شيء، ولذلك أتعامل مع الموقف بإيجابية، ومن خلال تعاملي معهم أرى أن رأيهم يتغير مع مرور الأيام”.

ويوافقها أبو سامر ويقول: “بقدر ما يكون اللاجئ ناجحا ويقوم بأشياء إيجابية في المجتمع، بقدر ما يغير الصور السلبية عنه، وهكذا يستطيع اللاجئ إزالة المخاوف المبررة عند المواطنين القلقين في النمسا فالناس تخاف من الأشياء التي تجهلها، وهذا ما قد يساهم فيقلب الرأي العام من مناهض للاجئين إلى متقبل لهم”.

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …