ربما تكون وسائل التعذيب غير مقنعة، وليس كل الجواسيس يمكن تجنيدهم، أو دفعهم للانقلاب على بلدهم من خلال العنف، ولذلك منذ زمن بعيد أدركت المخابرات في أنحاء العالم أنه – في أحيان كثيرة- يكون اللين والحيلة هما الأسرع والأكثر نجاحًا، ولذلك كان لاستغلال الجنس دور فعّال في عالم الجاسوسية.
وفي هذا التقرير نقص لكم أربع قصص من التاريخ، تخبرك كيف ساهم الجنس في عالم التجسس.
1- زمن الحرب الباردة.. الحرب الساخنة بين أمريكا وروسيا
في عام 1987 وقف ضابط المشاة الأمريكية كلايتون لونترى بقاعة المحكمة أثناء محاكمته بتهمة الخيانة العظمى، وبكى قائلًا: «لقد ظننت أنها تحبني!» مشيرًا إلى المترجمة والجاسوسة الروسية فيوليتا سينا، والتي استخدمت الجنس سلاحًا للسيطرة على هذا الشاب؛ بغرض الحصول على معلومات سرية تصب في صالح الاتحاد السوفيتي.
في تلك الفترة كانت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي في منتصف الحرب الباردة، وكانت المخابرات الروسية في ذاك الوقت في محاولات مستمرة للوصول إلى معلومات سرية من شأنها تعزيز موقف الاتحاد السوفيتي أمام أمريكا.
كان كلايتون من ضباط المشاة الموثوق بهم، ولذلك شملت وظيفته تأمين القمة التي التقى بها الرئيس الأمريكي رونالد ريجان مع ميخائيل جورباتشوف، بالإضافة إلى العديد من المهام الأخرى التي تتضمن معلومات في غاية السرية فيما يخص السفارة وغيرها من الأمور، وعلى الرغم من التحذيرات الدائمة من المخابرات الأمريكية لضباطها بعدم التورط في علاقات عاطفية أو جنسية مع النساء، فإن كلايتون وقع في شباك فيوليتا، وصدق حبها له، ولم يتوقع أنه مجرد فخ لتجنيده.
كانت فيوليتا تعمل مترجمة في سفارة موسكو، ولكنها في الوقت ذاته كانت عميلة مخابرات سرية، وبعد تأكدها بأن كلايتون قد وقع في براثن الفخ الذي نصبته له، استخدمت الجنس سلاحًا لإيهامه بأنها واقعة في حبه، وأنهما يجب أن ينتميا بعضهما إلى بعض، ولن يحدث هذا إلا إذا اصبح كلايتون صديقًا للاتحاد السوفيتي، وسرعان ما اقتنع كلايتون وهو مخدرًا بسحر الحب والجنس، وسلّم معلومات سرية وخطيرة لفيوليتا، من شأنها تعزيز موقف الاتحاد السوفيتي أمام الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعدما أدرك كلايتون ما اقترفه، تقدم بنفسه للسلطات الأمريكية واعترف بفعلته لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأحيل للتحقيق بتهمة التجسس، وأدين بتهم متعددة، أهمها تسليم معلومات سرية لجهة معادية، وحُكم عليه بالسجن لمدة 30 عامًا، ليكون أول ضابط مشاة في البحرية الأمريكية يُدان بالتجسس، وبسبب تعاونه مع السلطات الأمريكية بالاعتراف؛ خُفضت مدة العقوبة إلى 25 عامًا.
2- مارجريتا التي أرسلت قُبلة لفرقة إعدامها
في شتاء عام 1917، جلست مارجريتا جيرترادا في الزنزانة بانتظار تنفيذ حكم الإعدام بتهمة التجسس، ولكنها كانت هادئة للغاية أمام تلك الظروف، وحينما آن الوقت، سُمح لها بكتابة خطابات قبل موتها، ولكنها كتبت ملاحظات سريعة، وارتدت جواربها المثيرة الطويلة، وحذاءها ذا الكعب العالي، وملابس كالتي كانت ترتديها في أفخم الحفلات، ثم قالت للحراس الذين يراقبونها بعدم فهم إنها مستعدة، وحينما وقفت أمام الاثني عشر جنديًّا الفرنسيين الموكلين بإطلاق الرصاص عليها لإعدامها؛ أرسلت لهم قبلة في الهواء، ورفضت أن تغمم عينها قبل إطلاق النار.
كان جمال مارجريتا هولندية الجنسية، وقدرتها على إثارة الغرائز الجنسية، هو السلاح الذي استخدمته على مدار حياتها للوصول إلى جميع أهدافها، ولذلك في شبابها عملت راقصة وممثلة إغراء في العديد من المسارح الهولندية والفرنسية، بعد أن انتقلت إلى فرنسا، وعملت مع المخابرات الألمانية بغرض معاشرة الرجال الفرنسيين المهمين، وذوي المناصب العسكرية والسياسية، مستخدمة الجنس سلاحًا لاستخراج المعلومات المهمة منهم أثناء الحرب العالمية الأولى، بغرض تعزيز موقف ألمانيا.
في ما بعد، حينما تقدمت مارجريتا في العمر، لم يعد جمالها يسعفها للوصول إلى ما تريده ولم تعد سلاحًا فعالًا في يد الألمان، ووصل إلى السلطات الألمانية أنها تعاونت مع المخابرات الفرنسية من أجل الحصول على المال، ولذلك ورطها الألمان بإرسال خطاب لها يفضح سنوات العمل معهم جاسوسة جنسية ضد فرنسا؛ الأمر الذي أدى إلى اعتقالها في السجون الفرنسية وإعدامها بعد ذلك، وحتى الآن يظن البعض أنها كانت بالفعل عميلة مزدوجة، بينما يرى البعض الآخر أنها كانت مجرد كبش فداء لأمور سياسية أكثر تعقيدًا.
3- كيم فيلي.. قصة وفاء للاتحاد السوفيتي بدأت بفقدان عذريته
في عام 2017، احتفلت روسيا بذكرى وفاة الجاسوس كيم فيلي، بتعليق «بورتريه» جديد له في المعرض الفني التابع للحكومة الروسية؛ نظرًا إلى مجهوداته في تاريخ التجسس لصالح الاتحاد السوفيتي.
خلال الفترة التي فصلت بين الحرب العالمية الأولى والثانية، كانت الحرب ما زلت مستمرة من خلال الجواسيس، ووقتها كان كيم فيلي طالبًا في جامعة كامبريدج البريطانية، وعندما أنهى دراسته سافر إلى فيينا لتعلم اللغة الألمانية، وهناك قابل ليزي فريدمان، التي حوّلت حياة فيلي إلى الأبد.
حينما قابل فيلي الفتاة النمساوية الجميلة ليزي فريدمان في العام 1933، كان يعمل لحساب المخابرات البريطانية، وكان من الجواسيس ذوي الشأن المهم لبريطانيا، ولكن عمله السياسي الجاد بجوار دراسته؛ أبعدا بين فيلي والحياة الجنسية، ولذلك كان فيلي ما زال يحتفظ بعذريته حينما التقى بليزي ووقع في غرامها، ووقع في شباكها السياسية أيضًا.
كانت لليزي آراء شيوعية راديكالية، وكانت متمسكة بها للغاية، ولذلك حينما تشارك فيلي وليزي الحب والجنس، جاءت الخطوة التالية، وشاركها فيلي آراءها السياسية، وانشق عن المخابرات البريطانية، واستطاعت ليزي التحكم في فيلي بالكامل؛ حتى جندته للعمل مع الاتحاد السوفيتي، وبعدها تزوج الاثنان واحتفظ فيلي بولائه للمخابرات الروسية حتى لحظة وفاته في عام 1988 بروسيا؛ إذ عاش تحت حماية المخابرات الروسية التي كنّت له الامتنان على مساعداته المميزة في عالم التجسس.
4- جون ألسوب.. هل وقفت المثلية الجنسية عائقًا أمام دوره السياسي؟
في فترة الستينات من القرن العشرين، لم يكن لمثليي الجنس حرية الاعتراف بميولهم، كما يحدث الآن في بعض الولايات بأمريكا، والتي اختار بعضها تقنين زواج المثليين، بل كانت المثلية الجنسية جريمة يعاقب عليها القانون في الولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك كان المثليون يتعاملون مع الأمر كونه سرًّا لا يمكن كشفه.
في تلك الفترة الزمنية، كان الصحافي الأمريكي جون ألسب من أكثر كاتبي المقالات تأثيرًا في الرأي العام، وكانت حربه الكتابية صريحة ضد الشيوعية، وكان جون مثلي الجنس، وتمكن من إخفاء الأمر سرًّا لفترة طويلة، ولكن بعد أن علم بعض أصدقائه؛ تسربت المعلومة لمخابرات الاتحاد السوفيتي في عام 1957، وكانت تلك المعلومة هي الفرصة المثالية لإسكات هذا الصحافي.
أثناء إحدى زياراته موسكو؛ أرسل إليه الاتحاد السوفيتي رجلًا وسيمًا يغريه بممارسة الجنس معه، وهو الأمر الذي لم يستطع جون مقاومته، ووقف عاجزًا أمام فرصة ممارسة الجنس الذي يفضله، والذي حُرم منه نظرًا إلى سرية الأمر.
ولكن هذا الجاسوس السوفيتي وثق لقاءهما الحميمي بالصور؛ حتى تكون أداة للضغط على جون؛ لمنعه من الكتابة ضد الشيوعية، بل تغيير رأيه حتى يؤثر في الرأي العام، الأمر الذي لم يرتضه جون، وغامر بفضح أمر مثليته كما هدده الاتحاد السوفيتي، وتوجه مباشرة للمخابرات الأمريكية واعترف لهم بالأمر كاملًا، ولم يُسجن جون بتهمة المثلية، التي كانت تعد جناية في ذلك الوقت؛ تقديرًا لإخلاصه ووطنيته، في نظر مخابرات بلاده.