إنجاز جديد يسجله العلماء في مجال التكاثر عند الثدييات وفقًا لتقريرٍ جديد نشره موقع «بوبيولار ساينس»، ويتوقع أن يفتح هذا الإنجاز بابًا لفهمٍ بيولوجيّ أعمق تحديدًا فيما يخص إمكانية إنجاب الأطفال للأبوين من جنسٍ واحد. فكيف ذلك؟
أبناءٌ دون أب
نُشِرت ورقة بحثية جديدة في مجلة «ستيم سل»، يشرح بها فريقٌ من الباحثين من الأكاديمية الصينية للعلوم العملية المعقدة التي تم اعتمادها بغية إنتاج فئران جديدة لأبوين من نفس الجنس، وذلك باستخدام الخلايا الجذعية الجينية، بالإضافة إلى تقنيات التعديل الجيني. عاشت الفئران المولودة لأبوين ذكرين 48 ساعة فقط، فيما عاشت الفئران ثنائية الأم حتى سن البلوغ؛ لتتمكن من الإنجاب بدورها عبر التزاوج مع فئرانٍ ذكور. يقدم هذا البحث نتيجة جديدة متطورة تنضم إلى مجموعةٍ كبيرة من الأبحاث التي تحاول استكشاف مسألة احتياجنا لوالدين من جنسين مختلفين عند الإنجاب.
هل التكاثر الجنسيّ هو الخيار الوحيد أمام الثدييات؟ وهل يمكن للأزواج مثليي الجنس إنجاب ذرية سليمة مع تقدم العلم؟
ثنائية الذكر والأنثى
يذكّر التقرير أن التوالد العذري أو التكاثر من بيضة غير مخصبة ليس غريبًا في غير الثدييات؛ إذ يمكن ملاحظته لدى بعض أنواع السمك والحشرات، وحتى عند تنين كومودو في بعض الأحيان، لكن بالنسبة للثدييات فإن القاعدة هي وجوب وجود أبوين من جنسين مختلفين لإنجاب النسل، ويجب إخصاب البويضة بحيوانٍ منوي من أجل ذلك. يحاول العلماء معرفة السبب وراء هذه القاعدة منذ فترة طويلة، وشكلت الفئران موضوع الكثير من تلك البحوث.
يقول عالم الوراثة في جامعة تكساس «ريتشارد بيرنجر»: إن امتلاك معلوماتٍ وراثية قادمة من أبوين مختلفين يعد ميّزة، فأنت «تمزج بين التباين وإعادة التشكيل». الجانب السلبي لهذا الأمر – إذا أردت اعتباره سلبيًا – هو الحاجة الدائمة إلى كائنين من جنسين بيولوجيين معاكسين لإنجاب الأطفال.
لا أحد يعرف حتى الآن لماذا تطورنا بهذه الطريقة، لكن الأبحاث أوضحت أن السبب متعلق بالحاجة إلى المعلومات الجينية من كلّ من الأم والأب لتحقيق النمو.
ما علمتنا إياه التجارب السابقة
ليست الدراسة الأخيرة فريدة من نوعها؛ إذ يسرد التقرير تجارب العلماء المتعددة لإنتاج فئرانٍ لأبوين من نفس الجنس. في عام 2004 أصبح فريق من الباحثين اليابانيين أول من ينتج فئران معدلة وراثية لفأرتين أنثيين؛ لتستطيع الفئران العيش حتى مرحلة البلوغ، ومن ثم التكاثر. وقد فعلوا ذلك عبر تغيير جينات محددة تشارك في عملة مهمة تسمى «التطبع الجيني». يعد التطبع الجيني – أو الدمغ – أحد الأسباب وراء عدم إمكانية جمع المعلومات الجينية القادمة من فأرين مثليي الجنس لإنتاج ذرية سليمة دون تغيير جيني.
تحمل إناث الثدييات وذكورها العدد نفسه من الكروموسومات، والتي تتطابق بطريقةٍ معينة لتغلق على بعضها، بحيث يتمكن الحمض النووي (DNA) من ترميز البروتينات بنجاح ما يجعل الحياة ممكنة بالنهاية، لكن الذكور والإناث مختلفون جينيًا. بعض الجينات الضرورية لنمو الجنين تكون مفعّلة لدى الإناث، وغير مفعلة لدى الذكور، وهذا يعني أنك تحتاج إلى أن يكون نصف معلوماتك الوراثية قادمة من أنثى والنصف الآخر من ذكر، من أجل أن تعمل كل الجينات المتطبعة التي يحتاجها الجنين في مراحلة المبكرة. أما التمايز الجنسي فيأتي في وقتٍ لاحق
أظهرت التجارب التي أجريت في الثمانينات أن الكروموسومات الأنثوية والذكورية غير متماثلة، بمعنى أنه لا يمكنك ببساطة استخدام مجموعتين من الحمض النووي للإناث فقط أو الذكور فقط، ومن ثم الحصول على كل ما تحتاجه لفئرانك المختبرية. تحتوي الكروموسومات من الجنسين على جميع المعلومات الجينية، ولكن بعض الجينات يتم إيقاف تفعيلها حسب جنس الوالد؛ ما يخلق شيئًا يدعى بـ«الصراع الجيني». ولذا فوجود مجموعتين من كلا الجنسين أمر ضروري لتفعيل جميع الجينات الضرورية للنسل. وجد الباحثون أن أجنة الفئران المنتجة من فأرتين أنثيين دون أي تعديل جيني تمكنت من النمو لحوالي 10 أيامٍ فقط. وكما يوضح بيرنجر: «يتطورون قليلًا، لكنهم يفشلون»
نجحت تجارب سابقة بإنتاج نسلٍ سليم من أنثيين، وتم الاستغناء عن الأب الذكر عبر التعديل الجيني، لكن الأمر لم يكن مماثلًا فيما يخص نسل الأبوين الذكرين
تمكن العلماء اليابانيون في عام 2004 من الحصول على ذرية فئرانٍ سليمة باستخدام بويضتين اثنتين. كانت واحدة من البويضتين غير ناضجة، وأجري تعديل جيني على جينين متطبعين مهمين من أجل أن يُفعّلا؛ لتصبح في النهاية كما لو أنها مساهمة جينية ذكورية. ومنذ ذلك الوقت حاولت فرق أخرى من الباحثين – بما في ذلك فريق ضمّ بيرنجر – لتوليد نسل فئران لأبوين ذكرين، لكن تبين أن هذا الأمر أكثر صعوبة.
إنجاز جيني معقد
في الدراسة المنشورة حديثًا، جرب الباحثون الصينيون أسلوبًا جديدًا. باعتمادهم على عملٍ سابق، استخدم الباحثون الخلايا الجذعية الجينية المعدلة وراثيًا مع مجموعة واحدة فقط من الكروموسومات، كما قاموا بحذف الجينات المتطبعة وفقًا للجنس، بدلًا عن إخمادها أو إيقاف تفعيلها، ثلاثة للإناث، وسبعة للذكور. ثم قاموا بحقن نوى تلك الخلايا في البويضة أو الحيوان المنوي، والتي نمت أخيرًا لتشكّل فأرًا حيًا لأبوين ذكرين أو أنثيين. تعمل الخلايا الجذعية الجنينية؛ لأنه من الممكن توليدها بنصف المعلومات الجينية الضرورية لإنتاج النسل، ومعالجة تلك المعلومات.
ولدت الفئران لأبوين ذكرين وبقيت على قيد الحياة لمدة يومين، فيما نمت الفئران المنتجة من أنثيين ووصلت حتى مرحلة البلوغ، ومن ثم أنجبت بدورها نسلها الخاص من الفئران. يقول بيرنجر: «إن المزيد من التعديل الجيني على الخلايا الجذعية للذكور قد ينتج فئرانًا أكثر صحة من أبوين ذكرين، لكن من الصعب ضمان ذلك؛ لأننا ما زلنا لا نفهم تمامًا عملية التطبع الجيني وآثارها».
أحرز الباحثون الصينيون تقدمًا علميًا كبيرًا في مجال التعديل الجيني، ويأمل البعض بأن تمنح التقنية الأزواج مثليي الجنس فرصة في المستقبل لإنجاب أبناء يحملون حمضهم النووي
تفيد الدراسة الحديثة بوجود منهجٍ أكثر تعقيدًا وتطورًا لإنتاج الفئران بالتوالد العذري. يعقب بيرنجر عن ذلك: «تأثرت بهذا الإنجاز التقني، ليس من السهل إجراء سبعة تحويرات جينية. ليس أمرًا بسيطًا إجراء ثلاثة تحويرات حتى». يضيف بيرنجر أيضًا أن الورقة البحثية الأخيرة تؤكد حساسية التوازن بين المساهمات الجينية الذكرية والأنثوية في تكاثر الثدييات. توازن ما يزال العلماء يحاولون استكشاف إمكانية معالجته والتعامل معه، لكن ربما يكون لفهمه آثار على الاستنساخ وتربية الماشية، وربما يومًا ما منح الأزواج مثليي الجنس إمكانية إنجاب أطفال بيولوجيين باستخدام مادتهم الوراثية. العمليات المستخدمة حاليًا مع الفئران لا يمكن تطبيقها بشكل مجدٍ على البشر؛ لكن بيرنجر واثق أن «هنالك تقنيات قادمة وتغيرات غير مسبوقة يمكنها أن تجعل ذلك ممكنًا».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «شبكة رمضان الإخبارية».