أهل الصعيد يعانون بين شُحّ التذاكر، والسوق السوداء، أو قضاء العيد وحيدين
أُصيب المهندس الخمسيني مصطفى إبراهيم بخيبة أمل بعد أن انتظر طويلاً بلا جدوى عند شباك حجز تذاكر قطارات صعيد مصر في محطة القطارات الرئيسية في قلب القاهرة، وهو ما سيعيقه وأسرته عن تقضية عيد الأضحى في بلدته في جنوب البلاد، في إطار أزمة متكررة سنوية يشعلها التربح من التذاكر.
وبعد نحو نصف ساعة من الانتظار في طابور طويل، لم يتمكن إبراهيم، الأسمر الطويل البالغ 56 عاماً من إيجاد ولو تذكرة واحدة تنقله وزوجته وأبناءه الثلاثة إلى بلدته قنا (نحو 650 كلم جنوب القاهرة).
أزمة متكررة
وتتكرر كل عام أزمة اختفاء تذاكر القطارات في مواسم الأعياد، إذ يعجز المصريون الراغبون بتقضية الأعياد في بلداتهم عن إيجاد تذاكر في منافذ البيع، مع توفرها بأسعار باهظة في السوق السوداء.
ما دفع الحكومة المصرية لتطبيق قرار بحجز التذاكر بموجب بطاقة الرقم القومي يمنع أي شخص من شراء أكثر من 4 تذاكر، في محاولة منها للقضاء على السوق السوداء.
ويبلغ عدد سكان جنوب مصر الذي يطلق عليه «الصعيد» نحو 30 مليوناً وهو ما يشكل نحو ثلث سكان البلاد الذي تعدى التسعين مليوناً.
ويعمل الكثير من الصعايدة في القاهرة ومحافظات الوجه البحري في الدلتا هرباً من البطالة والفقر المتفشيين في الصعيد حيث يعاني السكان منذ عقود من غياب مشاريع التنمية الاقتصادية والخدمات.
وكانت هيئة سكك حديد مصر الحكومية أعلنت فتح الحجز على تذاكر قطارات العيد بدءاً من الأول من أغسطس/آب ولمدة أسبوع، وعلقت منشورات في المحطات بهذه الإعلان. لكن كثيرين لم يحاطوا علماً بالأمر ومن بينهم إبراهيم. وقال إبراهيم إنه لم يكن يعلم بفتح الحجز على قطارات الصعيد بداية من أول أغسطس ، منتقداً تصرف الهيئة بتعليق منشورات داخل المحطات وعدم الإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام المختلفة.
وتعد شبكة القطارات في مصر من الأقدم في العالم إذ بدأت البلاد تسيير أولى رحلات القطار في العام 1856 بين القاهرة والإسكندرية قبل أن تربط شبكة القطارات معظم مدن البلاد عبر وادي النيل في مصر الذي يبلع طوله نحو 1200 كلم.
سوق سوداء
وقطع صوت عال حديثنا مع إبراهيم الذي انتبه لشاب في صالة الحجز يعرض بيع تذاكر إلى أسوان (300 كلم جنوب قنا) صباح يوم الإثنين (وقفة عيد الأضحى)، فهرع إليه هو وآخرون في محاولة لشرائها، ولكن الشاب طالب بضعف ثمن التذكرة مقابل بيعها.
وتبلغ سعر تذكرة الدرجة الأولى المكيفة من القاهرة إلى أسوان 132 جنيهاً (7,4 دولار)، وطلب الشاب 250 جنيهاً للتذكرة الواحدة (14 دولاراً)، ولكن المهندس إبراهيم رفض وقال إنه سيدفع بذلك كل ميزانية السفر في رحلة الذهاب فقط.
يرفض المهندس مصطفى فكرة السفر إلى قنا بالحافلة، معللاً ذلك بعدم راحته هو وأسرته في الحافلة على عكس القطار الذي يتميز بكراسيه الوثيرة وتكييفه القوي في الرحلة التي تستمر 9 ساعات.
الأزمة تجبر بعضهم على قضاء العيد وحيدين
يقول مصطفى بصوت حزين إنه إذا لم يستطع توفير تذاكر قبل صباح يوم الإثنين، سيقرر تقضية العيد في القاهرة ولن يسافر إلى بلدته في قنا. أما الموظف إسماعيل الذي اكتفى بإعطاء اسمه الثاني فقط فقد قرر تقضية العيد في القاهرة بعيداً عن أسرته لضيق ذات اليد.
وقال إسماعيل البالغ 23 عاماً الذي يعمل في متجر ملابس في وسط القاهرة «البعض يتربح من بيع التذاكر في الأعياد على حساب سفرنا لأهلنا».
وتابع الشاب بحزن «أدبر ثمن التذكرة الأصلي بشق الأنفس وبالتالي لن أستطيع توفير ضعف ثمن التذكرة».
ويتقاضى إسماعيل مرتباً شهرياً بسيطاً يبلغ 1200 جنيه (68 دولاراً) وهو يكفي بالكاد متطلباته ومصاريفه الشهرية.
يتصبب صراف التذاكر بمحطة مصر محمد عادل عرقاً خلف زجاج شباك التذاكر، مشيراً بيديه إلى لافتة كُتب عليها التذكرة بالرقم القومي إلى كل من يأتي سائلاً عن تذاكر القطارات المتجهة إلى الصعيد تكراراً لأزمة تواجه الصعايدة مع قدوم كل إجازة عيد.
وقال عادل إن «أزمة حجز قطارات العيد مستمرة رغم قرار الحكومة بالحجز ببطاقة الرقم القومي» بسبب ما وصفه «بظاهرة السوق السوداء وأيضاً لزيادة الطلب وقلة المعروض» بالنسبة للطلب المتزايد.
محاولات السلطات حل المشكلة ليست كافية
ودفعت الهيئة، بـ26 قطاراً إضافياً خلال فترة إجازة عيد الأضحى بإجمالي 182 ألف مقعد، بدأ تشغيلها من 15 أغسطس الحالي وتستمر حتى يوم 31 أغسطس 2018 لرحلات الذهاب والعودة.
وأفاد بيان للهيئة، يوم السبت بأنها نقلت 2.5 مليون راكب خلال يومي 15 و16 أغسطس مع بدء تشغيل القطارات والعربات الإضافية لعيد الأضحى. يضيف صراف التذاكر الذي يرتدي قميصاً صيفياً يعلوه جاكيت أزرق اللون نقش عليه شعار السكة الحديد أنه منذ فتح باب الحجز على تذاكر العيد والعمل مستمر مع تزايد الإقبال بشكل كثيف على الشبابيك.
وتابع عادل أن الحجز على القطارات الإضافية اليومية يُفتح في التاسعة صباحاً وإلى حين انتهاء التذاكر.
ويتركز الطلب على القطارات المكيفة الفرنسية والإسبانية بالدرجة الثانية والأولى، وأقل كثيراً على القطارات الـVIP، نظراً لاتفاع سعرها بحسب ما يقول عادل.
وأمام عادل في بهو القاعة العريقة، اصطف العشرات على الشبابيك وسط عصبية وتوتر البعض التي تصل في بعض الأحيان إلى التشابك بالأيدي بين الركاب المنتظرين دورهم للظفر بتذكرة يعودون بها إلى بلداتهم لقضاء العيد وسط العائلة والأصحاب.
وعلى باب محطة العريقة في ميدان رمسيس في قلب القاهرة، وقف شاب أسمر يرتدي بنطالاً وقميصاً رياضياً، ينادي «أسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر، أسوان».
دار حوار بين مجموعة من الواقفين في الطابور، حول ما ينادي عليه الشاب الأسمر، وذهبوا صوبه ولكنهم تفاجأوا بأنه ينادي على حافلات وليس قطارات، ما أصابهم جميعاً بمزيد من الإحباط.