جرح السنين لم يلتئم

Eg-Zaman-Eg-Jetzt

 

فيينا : مصطفي درويش : —

هذه أقصوصة جرت أحدائها بيني وبين صديق العمر الذي يحمل نفس الإسم . وترجع هذه الصداقة إلى عمر مديد يزيد عن خمسين عامآ حيث تعرفنا على بعضنا البعض منذ نعومة أظافرنا ولن أبالغ إن قلت بعد قليل من الولادة . فأسرتينا أصدقاء منذ الزمن الجميل حيث الزيارات المتبادلة والأوقات الصافية التي كانت تجمع بين الأسرتين .

لعبنا سويا في المدارس والشوراع منذ كنا نرتدي الشورت ونلعب دورات الكرة في رمضان . ثم كانت فترة الشباب والجامعة وبداية قصة الحب الأول التي كان بطلها صديقي العزيز مصطفي . أحب زميلة الدراسة وكان يأمل في الزواج بها ولكن لم تأت الرياح بما تشتهي السفن . أسرة زميلته كانت من تلك الأسر التي يطلق عليها الأسر الراقية وكانت تقطن في حي شهير من أحياء مصر الجديدة .

مع نهاية الدراسة الجامعية ذهب صديقي للقاء الأسرة المصونه من أجل التعارف وإن كان مستدرآ من باب مراجعة بعض الدروس من أجل الإمتحان النهائي . إلتقي بالإسرة وتكلموا عن أشياء مختلفة عن الدراسة والعمل بعدها وعن الزواج ومتطلباته .

كان صديقي في مقتبل العمر ولم يزد عمره في ذلك الوقت عن الواحد وعشرين ربيعا . قالوا له أن من يتزوج ابنتنا لابد أن يكون لدية شقة في نفس الحي التي تسكن فيه عائلة زميلته وأن يكون لديه سيارة وأن يكون عضوأ بالنادي الكبير هناك وتعددت الرغبات والأمنيات وصديقي يسمع بهدوءه المعهود حتي جاء عليه الدور لكي يتحدث فقال ” كل هذه الرغبات والأمنيات مشروعة وأنا أتمناها لنفسي ولشريكة حياتي أيضآ ولكني اتطلع إلي أن تكون شريكة حياتي شريكة في كل شيء وخاصة في بناء هذه الحياة التي سوف نبدآها سويا بعد التخرج من الجامعة ” . مضي الوقت وأنصرف صديقي وجاء إلى وحكي لي كل هذه الحكاية بتفاصيلها وكانت لنا أيام وأيام نداوي فيها الجراح . فقد فطن صديقي أن قصة حبه هذه ليس مكتوب لها النجاح .

مرت الأعوام والسنون وذهب كل منا في طريق وبعدت المسافات وظلت الصداقة وثيقة وعميقة وساعدت وسائل الإتصال الإجتماعية الحديثة على استمرارها إلي يومنا هذا . أتصل بي وقال شاهدت صورة على صفحات ماسنجر تبين الفرق بين الناس في الماضي والحاضر . في صورة الماضي يرتدي الرجال البدل الغالية والأنيقة وترتدي النساء الفساتين على أحدث صيحات الموضة . وفي صورة الحاضر ظهر فيها الرجال باللحي الطويلة والنساء بالأحجبة . وكان قد دار حديث بينه وبين زميلته الجامعية بعد هذا العمر الطويل حول هذه الصورة . فكانت هي تناصر الماضي ومسحته الأنيقة وهي يناصر الحاضر بمسحته الدينية . فسألني

صديقي :أي الصورتين تناصر .

أنا : ” رفقا بي يا صديقي ، من أكون أنا كي أصدر حكما على أناس لا أعرفهم ولا أري منهم سوي صورهم وأجسادهم ” . لم تكن اجابتي شافية بالنسبة له فقال

صديقي : أليس ربنا رب قلوب ؟

أنا : نعم هذا صحيح ولذلك لا أستطيع أن احكم عليهم لأنني لا أعرف ما في قلوبهم

صديقي : ولكن سيماهم على وجوههم

أنا : صديقي العزيز ، أرجو أن تعذرني وتعفيني من الإجابة على اسئلتك ، فالزمان قد اختلف كما اختلفت الثياب  والوجوه . ولا يعلم المكنون إلا العليم ببواطن الأمور .

كان صديقي رفيقآ بي ولم يزيد من اسئلته ، بل أكد ما قلته وقرره ” نعم الزمان قد اختلف والعمر قد مضي ولكن جرح السنين عميق ولم يلتئم ” .

ومازالت صداقتنا دائمة ومستمره حتي وإن اختلفنا في الرأي فهو اختلاف الأصدقاء الذين لا يفسد الإختلاف بينهم في الود قضية .

كتب : مصطفي درويش

Check Also

النمسا ترسل 81 جندياً إلى مهمة الأمم المتحدة في لبنان

أرسلت النمسا 81 جندياً، من بينهم 10 سيدات، للانضمام إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في …