“شاهدة علي”.. معجزة إلهية أغرب من الخيال

Madchen-Wunder-Gesund

في ساعة متأخرة من إحدى الليالي بأحد المستشفيات، وفي الغرفة المجاورة لغرفتها التي كنت أرافقها بها وقتما كانت ترقد أمي الحبيبة ـ رحمة الله عليها ـ قبل وفاتها، إذ بي يترامي إلي مسامعي صوت صراخ متتالٍ لفتاة، ولم يقاطعه غير بعض الكلمات والجمل المتتالية أيضاً وغير المفهومة بل والمتداخلة مع الصراخ المتواصل! وكلما انتظرت حتى ينقطع ويسكت هذا الصوت، أجده يزداد ويستمر، فخرجت من غرفة أمي وتركتها تغط في نوم عميق بفعل العلاج، توجهت للغرفة المجاورة لعلي أكون سببًا في مساعدة صاحبة الصوت علي أي نحو، فلعلها تتألم وتحتاج إلي مساعدة الممرضات ولا تستطيع الضغط علي الزر المستدعي لهن.

طرقت باب الغرفة وبتردد قمت بفتحه، لتقع عيناي علي الفتاة ذات الثمان سنوات الراقدة علي سريرها وقد التحفت بالجبس والشاش من أعلي رأسها إلي أخمص قدميها وما يظهر من وجهها كان متورماً ومتلوناً باللونين الأزرق والأخضر حول عينيها الحمراوتان ـ عافانا وعافاكم الله تعالي ـ وأثناء تركيزي علي الفتاة ومن هول صدمتي بسبب حالتها لم ألتفت إلي السيدتين المرافقتان لها إلا بعدما أقبلت عليّ إحداهما ضاحكة لترحب بي بهمّة سعادة لم تفارقها منذ أن نظرت إليها، وكانت هي أم الفتاة، ثم نظرت إلي السيدة الأخري فوجدت أيضاً ابتسامة ترحيب ونفس علامات الطمأنينة والرضا تكسو ملامحها المسنة، وعلمت أنها الجدة، ويبدو أن ما ظهر وقتها علي ملامحي من علامات تعجب لرد فعلهما تجاه حال ابنتهما بدا قيد التفسير لطلاسم الموقف، فكيف تكون طفلتهم علي هذا الحال الذي يرثي له، وهما علي ذلك الوضع النفسي المستبشر وكأن شيئاً لم يحدث لها؟! أو كأنهما في مستشفي لاستقبال مولود بفرحة وليس ابتلاء مثل الذي هما فيه؟!!.

بالفعل كثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام دارت للحظات في ذهني حتي بدأت الجدة تطلب مني الجلوس لتفسرلي الأم الموقف، وكأنها قرأت كل سؤال دار بخلدي في تلك اللحظة، ولخصت حديثها معي سريعاً عندما علمت بقلقي علي أمي وقتها وأنني لن أتمكن من تركها لأكثر من هذه الدقائق..

الأم: ابنتي كانت تلعب بدراجتها بحديقة الفيلا الخاصة بنا وفي لحظة غافلت الحارس وخرجت بالدراجة من الباب فإذا بسيارة ميكروباص تصدمها وتُحدث بها كسوراً مضاعفة بجميع أنحاء جسدها الضعيف بالإضافة إلي نزيف بالمخ وكسر بالجمجمة، وخضعت لعدة عمليات منذ ما يزيد علي الثلاثة أشهر..فسألتها معقبة: ولذلك أنتما مستبشرتان بتحسن حالتها؟!.

قالت: نعم ولكن ما نحن عليه الآن لسبب آخر أيضاً، وهو المفاجأة!!! فابنتي هذه ومنذ ولادتها لم تكن تتحدث إطلاقاً بل كانت تنتمي إلي ذوى البكم، بالإضافة إلي أنها كانت تعاني من ضعف في نسبة الذكاء والنمو الذهني، ولكن من بعد الحادث وإجراء العمليات، بدأت تتكلم وتقول كل شيء بوعي وأحياناً بدون وعي، ولكن جميع أحاديثها في كافة المجالات السياسية والاجتماعية، بل وأحياناً تسبنا وتلعننا وتصرخ كثيراً مثلما ترين!..وهذا هو سر سعادتنا، فالأطباء أكدوا لنا أنها ستلتئم وتشفي تماماً بإذن الله، وهي بالفعل تتحسن بشكل سريع عضويًا، أما أطباء المخ والأعصاب فأكدوا لنا أن عقلها سبق سنها بمراحل، وبدلاً من تأخرها الذهني كطفلة عمرها 8 سنوات، أصبحت بذهن إدراكه يوازي إدراك ذهن فتاة عمرها 21 عاماً، وكما تسمعين منها مع الصراخ فإن الجمل السياسية التي تصدر عنها أبلغ بكثير من عمرها..

وبالفعل وأنا أشهد بذلك، فكنت أسمع منها تلك الجمل، وحتي الأسلوب ونبرات صوتها كانا لفتاة بالغة وليسا لطفلة صغيرة…يااااااا الله !!!.

دعوت لها وعرضت مساعداتي عليهن في أي لحظة بحكم جواري بهن بغرفة والدتي رحمة الله عليها..استأذنت وتركتهن وأنا في حالة اندهاش وتعجب بشكل لم أستوعبه ولم أتعرض له من قبل..

حقيقة لم أدرك بعد وإلي الآن الأسباب الطبية التي تسببت في حدوث تلك المعجزة الإلهية الأكثر من رااااائعة .. ولكن وقتها تركتهم وخرجت وبداخلي إنسانة مختلفة تمااااماً، إنسانة كانت تجزع لأقل خطب يصيب محبيها، كانت تخشي أن يفرقها الموت عمن تحب من ذويها، فتاة بسيطة ليس لها أي خبرة من خبرات الحياة التي عاركتها فيما بعد علي مدار ما يقرب من ربع القرن مضى من عمرها بعد هذا الموقف الذي لم أنساه أبداً وحولني إلي إنسانة صابرة محتسبة راضية لا تفزع ولا تجزع، تهون عندها الدنيا بما فيها، لأنني أصبحت علي يقين بأن كل أمر مدبر بقدر من الله عز وجل، وما علينا غير الاجتهاد والسعي لإرضائه ـ جل وعلا ـ والدعاء له بتضرع حتي يرد عنا القضاء المعلق لنا بشر، لأثق بعدها بأن كل أمر يأتي من خالقنا سيأتي بكل خير حتي ولو حسبه الغير شراً..

دخلت علي أمي، أنظر إلي حالها وقد أصيبت بجلطة بالمخ غيرت ملامحها الجميلة، توضأت وظللت طوال هذه الليلة أصلي وأدعو الله لأمي الحبيبة ـ التي كانت دنيتي كلها بعد وفاة أبي ـ رحمة الله عليه ـ لم أنقطع عن الدعاء وكلي يقين بالله أنه سيشفيها بلا أثار سيئة لهذه الجلطة اللعينة، وقد كان، فاستجاب الله تعالي لدعائي ودعاء أخواتي وجميع أهلها ومحبي هذه السيدة التقية الفاضلة (أمي).. وبفضل الله تعالي وفي غضون بضعة أيام تعافت أمي وعادت ملامحها الجميلة ليشرق وجهها الجميل من جديد.. والمفاجأة بل المعجزة الأخري التي حدثت مع أمي أيضاً أنها وقبيل إصابتها بالجلطة كانت تعاني منذ شهور من مرض آخر والأطباء أجمعوا علي ضرورة خضوعها لأكثر من عملية لتوسيع الشرايين، ولكن بفضل الله ولطفه وبعد مكوثها بالمستشفي للعلاج من الجلطة فوجئنا أنها ما شاء الله لم تعان وتتألم مثلما كان عهدها منذ شهور مضت، وتعجب الأطباء وقتها من أنها شفيت تماماً هي الأخري ولن تحتاج إلي أي عمليات، وعاشت بعدها لسنوات بأمر الله تعالي قبل مرضها الأخير والذي توفاها الله بسببه أنذاك منذ سنوات مضت..

وأخيراً: أتمني أن تقرأها صاحبة القصة نفسها وتشاركنا رأيها وما صار وما تم معها بعد ذلك علي مدار سنوات عمرها بعد العلاج، فغالباً هي الآن فتاة أو سيدة ثلاثينية، أدعو الله تعالي لها بكل خير..

ثم وبعد كل ما ذكرت.. أوصيكم ونفسي أحبتي أن ثقوا بالله دائماً وسلموا أمركم كله لله تعالي وأنتم متشبثين بطاعته متشبثين بمعيته وكلكم طمأنينة وهدوء واستقرار نفسي ليقينكم بأنه ـ عز وجل ـ هو خالقنا وأن جميع النعم التي تفضل بها علينا هي أمانات وودائع، فالنحسن حفظ الأمانات ونثق أن كل أمر مقدر علينا لا يحمل لنا غير كل خير.. فلقد ذكرت لكم معجزتين تؤكد كل منهما قول الله تعالي:” فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا”.

 

 

شاهد أيضاً

برعاية ريد بول النمساوى.. تفاصيل رحلة ثنائي الأهلي محمد هاني وكريم فؤاد إلى النمسا

يستعد ثنائي الأهلي المصري، للسفر إلى دولة النمسا للخضوع لكشف طبي واستكمال مرحلة التأهيل من …