القاهرة : فراج إسماعيل : —
نادرا ما يتفق العرب سياسيا في تاريخهم الحديث. اختلافاتهم وخناقاتهم أكثر من اتفاقهم وتواددهم. يوم واقعة محمد صلاح اتفقوا جميعا على الغضب من راموس الذي أصابه بحركة ممنوعة في الجودو لخطورتها على المنافسين.
على واجهة بناية كبيرة في عاصمة الرشيد “بغداد” تبرز شاشة عملاقة صورة لمحمد صلاح. العالم العربي كان غاضبا بشدة ومرعوبا ومتألما من شدة الإصابة التي تعرض لها. شعروا أنها مؤامرة دبرت ضده للتخلص منه في المباراة التي جمعت فريقه ليفربول بمنافسه العتيد ريال مدريد، مع أن صلاح وناديه لم يتهما راموس بذلك.
عندما تتوحد العواطف العربية في لحظة ما حتى لو كانت خاصة بكرة القدم، فذلك دليل على أننا بالفعل أمة واحدة. مهما كانت العداوات المفتعلة والخصومات الطارئة والحملات الإعلامية التي تصل لحد الشتائم والتنابذ بالألقاب، تجمعنا في النهاية الأوقات الصعبة، فيشعر العراقي الذي يتعايش مع هموم حياتية وأمنية يومية صعبة، أن لاعبا مصريا بازغا في الدوري الانجليزي يهمه أمره ويتألم لدموعه، ويمتنع مغاربة عن وجبة السحور ومثلهم تونسيون وجزائريون وخليجيون وأردنيون وفلسطينيون.
هذا الحزن العظيم رغم أن مبارياتنا مع فرق من بعض تلك الدول تشهد تنافسا محموما وعصبية زائدة.
ليس عندي وصفة محددة لتوظيف مثل هذه المناسبات الرائعة. مناسبات الاتفاق والوحدة العاطفية. لكني دائما أراهن على الشعوب العربية، ففي قلوبها فطرة الوحدة وفي عروقها يجري دم واحد، وفي عقلها أن كل من يعيش على أرض الوطن الكبير هو عربي شقيق أو عضو في جسد واحد يتداعي له باقي الجسد بالسهر والحمى.
محمد صلاح وحد العرب أكثر مما وحدتهم الجامعة العربية. أصبح جامعة وحده، أعضاؤها كل شعوب العرب، بدون أمين عام وموظفين ودبلوماسيين يتقاضون رواتبهم الضخمة مقابل الاسترخاء داخل المبنى المطل على نيل القاهرة، وكتابة بيانات الشجب والاستنكار التي لا تساوي قيمة الأوراق التي طبعت عليها.
يمكننا كعرب أن نتضامن ونفعل الكثير بدبلوماسية الرياضة والنجوم والثقافة والفن بعيدا عن السياسة ومناوراتها وفشلنا المستمر فيها.
لولا المواهب الذاتية التي فطرها الله في أمة العرب، لأنزوت من فرط خلافات حكامها وخصوماتهم منذ نشأة كيان الجامعة العربية. هذه المواهب هي قوتها الناعمة التي لا تقهر ولا تؤثر عليها الفتن.
كانت الحكومات تتخانق وتتناطح حتى تظن أنها الحرب لا محالة، لكن المواطن في أي بقعة عربية ينزل من باديته أو يجوب مدينته بحثا عن بطاريات الراديو حتى يستمع لحفلة أم كلثوم الشهرية، أو لأصوات القراء المشاهير مثل عبدالباسط عبدالصمد أو محمد صديق المنشاوي أو مصطفى إسماعيل. كانت شرائط السديس والحذيفي وغيرهما من أئمة الحرمين الشريفين في معظم البيوت حتى تلك التي لم يغادر المحتفظ بها قريته في أقاصي صعيد مصر.
لا خوف علينا. لن نتفرق ولن نختفي من الخارطة ما دامت أرحام الأمهات خصبة بالمواهب والعبقريات الفذة التي يرزقنا بها الله كل فترة.