يقارنها زملاؤها ومدربها بالأرجنتيني لوينيل ميسي رغم أنها فتاة، ذلك أن التفوق والقوة يرتبطان في لبنان بالذكور؛ حتى وإن كانت هذه القوة نابعة من امرأة. خاضت صفاء قرحاني مباريات كرة القدم خلال سنواتها الأولى بزوج أحذية قديم، بقي معها حتى التحقت بالجامعة.
وخلال ذلك الوقت، اشترت أحذية خاصة للعب كرة القدم، كما ارتدت الحجاب في حركة احتجاجية واضحة ضد الإسلاموفوبيا المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وفق تقرير لصحيفة La Nation الأرجنتينية.
صفاء لا تشبه ميسي إلى حد كبير في أسلوب اللعب، كما تشير الصحيفة، بل ربما هي أكثر شبهاً بالمهاجمة البرازيلية مارتا فييرا دا سيلفا، التي تعد أفضل لاعبات كرة القدم في التاريخ.
لكنه “الجنس” يا عزيزي، الذي يأبى أن يمنح المرأة ما تستحقه أحياناً. وهل أدل على ذلك من تجاهل هذا التشبيه القريب، بحسب الصحيفة، رغم أن مارتا أعادت إحياء حب الجماهير لكرة القدم، بعد أن شهدت كرة القدم الرجالية في البرازيل تراجعاً في السنوات الأخيرة – قبل ظهور جيل نيمار دا سيلفا بالطبع -.
تفهم أن لبنان لا يقبل منافسة المرأة للرجل في الملعب
خلال زيارة الصحفية الأرجنتينية لمنزل صفاء، طلبت منها اللقاء خارجاً خلال تدريبات كرة القدم، التي تقوم بها بعد انتهائها من العمل. وكان اللقاء في الساحة المركزية للمدينة، وهي أرض عارية تكتسيها بعض الأعشاب الطفيلية.
وعندما اقتربتا من المكان، كانت هناك مجموعة من الشباب بصدد لعب مباراة كرة قدم. وبمجرد دخول الفتاتين إلى الملعب، ترك الشبان الكرة على الأرض، وانسحبوا من الملعب. تساءلت الصحفية عن السبب، وأجابت صفاء بأن “لبنان لا يزال دولة محافظة، إلى درجة أن منافسة النساء للرجال في ملعب كرة قدم، يعد أمراً غير مقبول”.
تشارك بمظاهرة ضد تدخل الجيش السوري
في هذا المكان نفسه، وفي العام 1990، خاض عمّ صفاء مباراة النهائي لمنطقة عكار بين الاتحاد ونادي عكار. وفي سنة 2000، شارك ابن عمها في مباراة ضد نادي الجيش السوري، الذي كان يلعب في دوري كرة القدم اللبناني في ذلك الوقت.
خلال تلك المباراة، كان فريق قرية برقايل، مسقط رأس صفاء، متقدماً على الجيش 2-0. لكن، قبل 15 دقيقة من نهاية المباراة، اقتحمت الملعب سيارة تابعة لجهاز الاستخبارات السوري بحسب التقرير الأرجنتيني.
وبعد تهديد الحكم واللاعبين، أشارت شاشة الملعب إلى نتيجة 6-4 لصالح الجيش السوري. في يوم 14 مارس سنة 2000، شاركت صفاء في مسيرة احتجاجية. في وقت لاحق، أصبح اثنان من أبناء عم صفاء محترفين في عالم كرة القدم، وباشرا اللعب في دوري الدرجة الأولى لكرة القدم اللبنانية.
تؤدي تدريبات ليلية في ظلام الشوارع
خلال مرحلة طفولتها، كانت صفاء تراقب أبناء عمها خلسة وهم يلعبون كرة القدم في فناء المنزل على الرغم من أن مشاكل الكهرباء في لبنان، كانت تحول دون مواصلتهم للعب أثناء الليل.
وفي إحدى المناسبات، اقترحت صفاء أن توفر لأقاربها الشموع والمصابيح، مقابل أن تلعب معهم سراً. وعموماً، كان انقطاع النور بسبب الحرب التي دمرت البنى التحتية في لبنان، من الأسباب التي ساعدتها على المشاركة في التدريبات مع أبناء عمها أثناء الليل، في الوقت الذي كانت تُمنع فيه الفتيات في لبنان من اللعب في الشارع.
مباراتها الأولى وهي ترتدي قبعة “شيكاغو بولز”
بعد فترة من لعب كرة القدم سراً في ظلام الليل، تمكنت صفاء أخيراً من ممارسة هوايتها نهاراً، أمام جيرانها. وفي إحدى المناسبات، نظم أبناء عمها مباراة ضد لاعبي منطقة جونيه. ونظراً لأنه لا يقبل مشاركة النساء في مباريات كرة القدم في برقايل، تنكرت صفاء عبر ارتداء قبعة “شيكاغو بولز” وقميص رمادي.
وقبل بداية المباراة، كان الجمهور يهتف باسم عمر وأحمد وعلي، وراودتهم شكوك حول اللاعب صاحب القميص الرمادي الذي باشر الإحماء في إحدى الزوايا.
وخلال تلك المباراة، سجلت صفاء ثلاثة أهداف لصالح فريقها: في الفرصة الأولى، تمكنت من هز شباك الفريق المنافس عن طريق تسديدة فردية أمام المرمى. أما الهدف الثاني، فقد تم تسجيله انطلاقاً من الخط النهائي في زاوية مستحيلة عملياً.
وخلال تسديد الهدف الثالث تنبه الحارس للكرة بالكاد، نظراً لسرعتها الفائقة أثناء اختراقها لشباكه. في نهاية المباراة وأثناء الاحتفال بأهداف اللاعب المتألق، نزعت صفاء قبعتها وتركت شعرها المجعد ينزلق على كتفها.
في ذلك الوقت، كانت على يقين بأن تسجيلها لثلاثة أهداف عامل من شأنه أن يغفر لها مشاركتها في مباراة للرجال. وفجأة. وسط صمت الجمهور، صرخت جدتها التي صدمت بهذا الاكتشاف، تدعو الله أن يبتليها بمصيبة.
تؤسس لبداية الكرة النسائية في عكار
في وقت لاحق، تعاقد حسن أحمد، مدرب كرة القدم في جامعة لبنان، مع صفاء لإنشاء فريق كرة قدم نسائية. كان أحمد شاهد المباراة بهدف التعاقد مع لاعبين جدد، لكنه لم يتخيل أن الهداف سيكون امرأة، وأنه سيفكر في تشكيل فريق للفتيات للمرة الأولى في تاريخ الجامعة. وتمثلت مهام صفاء الأولى في إقناع الفتيات بالانضمام إلى فريق النساء، ومواجهة نفس المقاومة العائلية التي تغلبت عليها في السابق.
وخلال الموسم الأول، فاز فريق صفاء بالبطولة، فأصبحت صفاء تلقب بـ “ميسي عكار”، وتفوقت على بقية اللاعبين الذكور، حتى أبناء عمها. الغريب في الأمر أن صفاء لم تجد التشجيع من بنات جنسها.
فقد كان والد صفاء، الجنرال السابق في الجيش اللبناني خلال حرب بلاده ضد إسرائيل، هو الشخص الوحيد الذي قبل أن تشارك ابنته في لعب كرة القدم، حتى مع الذكور.
في المقابل، كان موقف النساء منها الرفض. وكلما شاهدت ربات المنازل صفاء وهي تخوض مباريات كرة القدم، فتحن جدلاً حولها.
ناشطة في الأعمال الخيرية وتتعلم الملاكمة والبيانو
تعمل صفاء مع اللاجئين الذين يصلون إلى حدود لبنان، في منظمة الإغاثة الدولية. كما تعمل مدربة لكرة القدم في جمعية الحداثة في لبنان، حيث تعلّم كرة القدم للأطفال السوريين من الإناث والذكور.
علاوة على ذلك، تتعاون “ميسي لبنان” مع المجلس الدنماركي للاجئين. ومن بين المهام الأخرى التي تتولاها صفاء تنظيم مباريات كرة قدم من أجل تعزيز ودعم الاندماج الاجتماعي بين الشباب اللبنانيين والسوريين، بالتعاون مع منظمة البحث عن أرضية مشتركة.
إلى جانب حبها لكرة القدم، تعزف صفاء على البيانو، كما تتدرب على الملاكمة. أما الحجاب فيعد بالنسبة لصفاء بمثابة التحدي للصور النمطية التي تكونت للنساء المسلمات في الغرب.
وفي هذا السياق، تقول صفاء لصحيفة La Nation الأرجنتينية إن الحجاب هو اختيارها الخاص ولم تمارس عليها أية ضغوط لارتدائه، كما أنه يعد بمثابة تمرد وجزء من كفاحها”.