النمسا أتجهت إلى اليمين المتشدد أكثر في سياسة اللجوء على أراضيها

Asyel-Irak

بينما لا يزال حزب الحرية النمساوي اليميني FPÖ يحاول أن يأخذ مكانه في الحكومة الجديدة، بدأ الحزب يعدّل من اللغة التي يتكلم بها لكن المواقف لم تتغير، فلا تزال مواقف الحزب مناهضة للهجرة.

على ما يبدو أن لغة وزير الداخلية النمساوي، هربرت كيكل، وهو عضو في حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا (FPÖ)، أصبحت أكثر تهذيبًا، وتم ترويضها بشكلٍ ملاحظ، بعدما عرف بلغته الاستفزازية، وبرز ذلك أثناء تقديمه لقانون اللجوء الجديد في مؤتمرٍ صحفي مؤخرا، حيث قال كيكل إن التشريع الجديد “يقضي على ثغرات في عملية اللجوء، تماماً كما وعدت الحكومة”، وأضاف “نريد سياسة لجوء مقيدة”.

عاد كيكل مرة واحدة إلى لهجته القديمة، عندما قال إنه “يأمل بأن يعود، هؤلاء الذين ينظرون إلى عملية الاندماج من خلال نظارة وردية، إلى رشدهم”. عرف كيكل في الماضي بموهبته باستخدام لغةٍ استفزازية، وقد قام بكتابة خطابات وعبارات جذابة لزعيم FPÖ السابق يورغ هايدر، كما أن موهبته في إطلاق شعارات مثيرة للجدل مثل “الوطن بدلاً من الإسلام” و “الغرب تحت السيطرة المسيحية”، ساعدت زعيم حزبه الحالي، هاينز كريستيان ستراش، في الفوز بالانتخابات عدة مرات.

بعد سنوات من المعارضة، تحالف حزب الحرية مع حزب المستشار سيباستيان كورتز، حزب الشعب النمساوي المحافظ (ÖVP)، في ديسمبر/كانون الأول كشركاء صغار في حكومة ائتلافية. في الوقت الذي يحاول فيه كيكل وحزبه التكيف مع مسألة التخفيف من حدة خطابهما المتشدد، ففي كانون الثاني/ يناير 2018  قلب كيكل الطاولة عندما طالب اللاجئين أن يتمركزوا في مكان واحد، فقوبل بهجومٍ شديد، فأصبح من بعدها أكثر حذرًا في كلماته، لكن هذا التقييد بالتصريحات لم ينتقل بشكلٍ فعلي إلى سياسة الحزب، حيث ركز حزب FPÖ دائماً على قضايا الهجرة واللجوء، التي أصبح اليوم العديد من النمساويين، الذين كانوا يرونها في السابقة صارمة ومتشددة، ينظرون إليها على أنها مناسبة، فتصريحات كيكل بأن “قانون اللجوء سيصبح أكثر صرامة في النمسا” لم يلق صدىً كبيرًا في الإعلام النمساوي، وحاز على اهتمام بعض العناوين في بعض الصحف فقط.

Kurz-Strache-Kickel

وزير الداخلية النمساوي هربرت كيكل والمستشار النمساوي سيبستيان كورتز ونائب المستشار إشتراخة

انتصارات سريعة

المستشار السياسي توماس هوفر، الذي يقيم في فيينا، يعتقد أن الحكومة “تفعل الشيء الصحيح الذي يعكس الرأي العام السائد”. ويضيف لـ DW “هناك المزيد من الأدلة لدعم تحليلي هذا، إن معارضة النمسا صامتة بشكل واضح، ربما لأن النمسا تقوم بما تقوم به بعض الولايات داخل ألمانيا، بما في ذلك إجبار طالبي اللجوء على تسليم أموالهم لدى وصولهم وتحليل البيانات الجغرافية المحفوظة على هواتفهم الذكية لمعرفة الطرق التي سلكوها”.

كذلك بقي الصمت سيد الموقف في النمسا حتى من قبل المعارضة، بعد تصريح وزير الداخلية هربرت كيكل بأنه لا يريد “طلبات لجوء جديدة” في أوروبا، فعلى الأرجح سيحصل على دعم معظم النمساويين، وأظهرت دراسة حول الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2017 أن مؤيدي ÖVP و FPÖ يهتمون بشكل خاص بقضايا الهجرة والاندماج.

ومن بين أهم المسائل إثارة للجدل في النمسا حول مسألة اللجوء، هي المطالبة بالكشف عن معلومات تتعلق بفترة العلاج التي يخضع لها بعض اللاجئين. وكانت “الغرفة الطبية النمساوية” حذرت من أن الكشف عن مثل هذه المعلومات يمكن أن ينتهك سرية الطبيب والمريض، كما تخطط حكومة النمسا لحظر ارتداء الحجاب للفتيات في رياض الأطفال والمدرسة الابتدائية.

في الأشهر القليلة الأولى سارعت الحكومة الائتلافية الجديدة وتضم تحالف حزبي الحرية النمساوي والشعب المحافظ  إلى معالجة مسألة اللجوء والهجرة منذ البداية، وقد أدت بعض سياساتها إلى خفض كبير في ميزانية الاندماج ، ويرى هوفر أن الحكومة “حققت انتصارات سريعة وتتحدث مع أنصار كلا الطرفين”.

kinder_kopftuch

منع حجاب الفتيات الصغيرات في المدارس الابتدائية والحضانة قانون جديد يناقش في النمسا

في عام 1993، لم تكن سياسات كهذه لتجد الكثير من الدعم، في ذلك الوقت بدأ زعيم حزب الحرية الديمقراطي السابق “يورغ هايدر” بالترخيص لحركة “النمسا أولًا” مع 12 شخص فقط، والتي طالبت بوقف الهجرة فورًا، بوقتها رفض الحزب الاشتراكي الديمقراطي النمساوي بشدة الموضوع، و خرج حوالي 250 ألف متظاهر إلى الشوارع للاحتجاج على “هايدر” وحزب الحرية النمساوي، وكانت أكبر احتجاجات النمسا في فترة ما بعد الحرب.

في نهاية المطاف، ساند 8 في المائة فقط من الناخبين عريضة “يورغ هايدر”، وهي هزيمة كبرى، بينما اليوم بعض السياسيات التي وردت في وثيقة “النمسا أولًا” واردة في قانون الهجرة الجديد، بل وتعتزم الحكومة أبعد من ذلك، فمثلًا تخطط الحكومة لفتح صفوف خاصة للطلاب الذين لا يتحدثون اللغة الألمانية بشكل جيد، ويرى هوفر “إن حزب الحرية النمساوي تمكن من تنفيذ جميع مقترحاته”.

خلال الحملة الانتخابية العام الماضي تحول زعيم حزب الشعب النمساوي المحافظ ÖVP سيباستيان كورتز إلى اليمين، وبدأ الحزب يشبه اليمين المتطرف حيث حثّ الناخبين على التمسك بالأصول النمساوية وكتب ذلك على ملصقات حملته، خضع المستشار النمساوي الشاب إلى تحول جذري من الوسطية إلى اليمين في صيف عام 2015، عندما كانت أعداد كبيرة من طالبي اللجوء يدخلون إلى البلاد.

في ذلك الوقت كان كورتز وزير خارجية النمسا، وشدد في البداية على أهمية “ثقافة الترحيب”، في عام 2013، رفض مشروع قانون تقدم به حزب الحرية النمساوي FPÖ يقترح فرض حظر على البرقع، ورفض هذه الخطوة بأنها ستفتح “نقاشًا مفتعلًا”.ومع مرور الوقت أصبح كورتز المناضل السياسي لسياسة اللاجئين المفتوحة التي تبنتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. يرى المستشار السياسي توماس هوفر “أن النمسا تحولت بشكل كامل إلى اليمين بما في ذلك الديمقراطيون الاشتراكيون،  بعد التماس غير ناجح من هايدر في عام 1993”.

Demo-gegen-FP--Ball2

المظاهرة التي حدثت عام 1993 ضد سيارسة تقييد الهجرة

ائتلاف مستقر؟

لا يزال هناك الكثير من الأعضاء في حزب المستشار كورتز لديهم مشاكل رئيسية مع حزب الحرية النمساوي، ولكن حتى الآن، لم يصدر عنهم أي تعليقات، ولم تصدر تلك التعليقات سوى عن بعض حكام الولايات المؤثرين مثل بلاتر غونثر من تيرول، الذي انتقد علنًا حزب الحرية النمساوي FPÖ، بينما ظلت الحكومة النمساوية صامتة رغم فضائح حزب الحرية المتتالية، كالفضيحة عندما تبين أن بعض أعضاء حزب الحرية ينتمون لجمعيات كنسية لديهم كتب أغاني تحتوي على كلمات معادية للسامية.

يختم المستشار توماس هوفر بقوله: “من المؤكد أن حزب الشعب ÖVP يشعر بالفزع من حزب الحرية النمساوي FPÖ، ولكن الحفاظ على علاقة عمل متناغمة سيبقى أولوية، من المؤكد أن الطرفين يتلاقيان عندما يتعلق الأمر بسياسة الهجرة في النمسا، وهي قضية يمكن أن يبرهنا فيها على رؤيتهما المشتركة للعالم، لكن المستشار كورتز قد أعلن عن إصلاحات في السياسة الاجتماعية على سبيل المثال وهو أمر يستهدف اهتمامات أخرى لدى الناخبين، وربما ناخبين آخرين، حيث يفضل حزب الحربة النمساوي التوجه لمساعدة المواطنين العاديين، بينما يميل حزب الشعب إلى  منح امتيازات للأثرياء، وفيما لو طبقت هذه الإصلاحات، سنرى بالفعل مدى استقرار الائتلاف بين الحزبين، وما إذا كان الحرس القديم في حزب الحرية قد اصبح أكثر اعتدالًا.

 

 

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …